قرر أئمة العلم: لما كانت الوكالة من العقود غير اللازمة، فإنه يجوز لاي من الطرفين انهاؤها

في العمل العلمي السليم يجب بيان الاصطلاحات، وإيراد الأدلة النصية وغيرها توصلاً للحكم الفقهي.
مفاهيم اصطلاحية فقهية:
١) الوديعة: هي المال الموضوع عند الغير ليحفظه.
وزاد الحنابلة: بلا عوض.
الايداع: تسليط الغير علي حفظ ماله.
وزاد الحنابلة ـ أيضاـ : تبرعا.
(تكملة فتح القدير ٧/٨٨، الفواكه الدواني ٢/١٨٥، روضة الطالبين ٦/٣٢٤، كشاف القناع ٤/١٦٦).
وتوجد ألفاظ ذات صلة منها :
١) الأمانة: هي الشيء الذي يوجد عند الأمين سواء أكان أمانة يعقد الاستحفاظ كالوديعة أو كان أمانة من ضمن عقد آخر كالمأجور، والمستعار، أو دخل بطريق الأمانة في يد شخص بدون عقد ولاقصد.
والصلة بين الوديعة والأمانة أن الأمانة أعم من الوديعة، لأن الوديعة نوع من الأمانة.
(مجلة الأحكام العدلية مادة ٧٦٢)
ب) الإعارة: اباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه (مغني المحتاج ٢/٢٦٣).
١) الوكالة: إقامة الغير مقام نفسه ـ ترفها أو عجزا ـ في تصرف جائز ـ في تصرف جائز معلوم (حاشية ابن عابدين ٤/٤٠٠، اللباب شرح الكتاب ٢/١٣٨).
وألفاظ ذات صلة منها:
أ) النيابة : قيام الإنسان عن غيره بفعل أمر (حاشية الدسوقي ٢/١٧، ٣/٣٧٣، قواعد الفقه للبركتي ص ٥١٩).
والوديعة والوكالة مشروعتان:
١) الوديعة: قال الله عز وجل ـ : «وَتَعَاوَنُوا عَلَي البِرِّ وَالتَّقْوَي» ـ الآية ٢ من سورة المائدةـ.
وجه الدلالة: أمر سبحانه وتعالي المؤمنين بالتعاهد والتساعد علي البر والتقوي، ومن ذلك الوديعة، إذ البر اسم جامع للخير كله (النظم المستعذب ١/٣٦٦).
وقال ـ عز وجل ـ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا» ـ الآية ٥٨ من سورة النساءـ.
وجه الدلالة : الآية عامة في جميع الأمانات، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقال سيدنا محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ أد الأمانة لمن ائتمنك ولاتخن من خانك ـ سنن الترمذي ٣/٥٥٥ ـ.
وماروي عن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ في هجرة النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قالت : (... وأمر ـ تعني رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن يتخلف عنه بمكة حتي يؤدي عنه ـ صلي الله عليه وسلم ـ الودائع التي كانت عنده للناس ـ السنن الكبري للبيهقي ٦/٢٨٩ ـ ودليل الاجماع علي مشروعيته الوديعة ـ مجمع الانهار ـ ٢/٣٣٨، كفاية الطالب الرباني ٢/٢٥٣، مغني المحتاج ٣/٧٩، شرح منتهي الإرادات ٢/٤٤٩).
ودليل المعقول: أن الناس في حاجة وضرورة إلي الوديعة (مغني المحتاج ٣/٧٩).
ولعقد الوديعة آثار: في الجملة:
أ) كون الوديعة أمانة وليست ناقلة لملكية للوديع.
ب) رد الوديعة لصاحبها المودع متي طلبها.
ج) وجود حفظ الوديع للوديعة لحين ردها لصاحبها.
د) يحرم جحود الوديع للوديعة لعموم تحريم الخيانة
انتهاء عقد الإيداع: من المقرر شرعا ان عقد الايداع جائز من الجانبين فلكل واحد منهما نسخة متي شاء دون توقف علي رضا الطرف الآخر أو قبوله.
وعليه متي أراد المودع استرداد وديعته لزم الوديع ردها إليه لعموم قوله ـ تعالي ـ «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا».والوكالة من العقود الجائزة ومشروعة بأدلة نصية وغيرها ولها احكام تفصيلية، وما له علاقة بموضوعنا:
انتهاء الوكالة من العقود بالعزل:
قرر أئمة العلم: لما كانت الوكالة من العقود غير اللازمة، فإنه يجوز لاي من الطرفين انهاؤها فللموكل ان يعزل الوكيل منها وينهاه عن التصرف الذي امره به، كما ان للوكيل ان يعزل نفسه منها ايضا (بدائع الصنائع ٦/٥١ حاشية الدسوقي ٣/٣٩٦ مغني المحتاج ٢/٢٣١، المغني ٥/٢٤٢).
تأسيسا علي ما ذكر:
الجزيرتان (تيران وصنافير) حسب وثائق مؤسسات الدولتين المصرية والمملكة السعودية مملوكة للأخيرة، وان تصرف الدولة المصرية كان من قبيل «الوديعة» او «الوكالة» وعليه فرد وارجاع الملك لاصحابه واجب شرعا لما يلي:
١) حرمة الملك في الاسلام: صان الاسلام الملك، فحرم الاعتداء عليه والادلة علي ذلك كثيرة منها:
< قول الله - عز وجل: «وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ» - الآية ١٨٨ من سورة البقرة - وتمثلها الآية ٢٩ من سورة النساء.
قول سيدنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم: «دماؤكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم» اخرجه البخاري: فتح الباري ١٠/٧ ومسلم ٣/٣٠٥
< ومما تقرر لدي ائمة العلم: القاعدة المعتبرة ان الملاك مختصون بأملاكهم، لا يزاحم أحد مالكا في ملكه من غير حق مستحق (الغياثي لامام الحرمين ص٤٩٤ وما بعدها مجموع الفتاوي لابن تيميه ٢٩/١٨٩).
٢) ان اسباب الملك معروفة في عقود المعارضات (البيوع بأنواعها) والتبرعات (الهبة والوقف علي تفصيلات - والصدقة) والكسب والإرث... الخ.
وليست الوديعة ولا الوكالة من اسباب الملك الحقيقي، وكذا عقود التوثيقات كالرهن.
٣) تجريم الشرع المطهر للغصب (الاستيلاء علي حق الغير عدوانا، أو بغير حق) (بدائع الصنائع ٧/١٤٣، حاشية الدسوقي ٢/٤٤٢، السراج الوهاج ص٢٦٦، الشرح الكبير مع المغني ٥/٣٧٤).
وما له صلة به من : التعدي، الاتلاف، الاختلاس، السرقة، الحرابة (لمزيد من التوسع الموسوعة الفقهية الكويتية ٣١/٢٢٨ وما بعدها)
والغصب محرم بكافة صوره واشكاله، للأدلة سالفة البيان ومنها: «لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه» - مسند احمد ٥/٧٢ وقوله: صلي الله عليه وسلم - «من ظلم قيد شبر من الارض طوقه من سبع أرضين» اخرجه البخاري -: فتح الباري ٥/١٠٣ وما بعدها، صحيح مسلم ٣/١٢٣٢.
ان ولي الامر أفعاله بالمصلحة (وحيثما كانت المصلحة فشرع الله).
وعليه: فرد وإرجاع وديعة الجزيرتين لاصحابها الاصليين أو لورثتهم او من يخلفهم واجب شرعا، وصحت تصرفات ولاة الأمور المودع (شبه الجزيرة العربية قديما والسعودية حاضرا) والوديع (مصر).
هذا ما لزم بيانه من الوجهة الفقهية الاسلامية.
والله - عز وجل - ولي التوفيق.