مع المكانة المصرية والعربية والعالمية التي أصبح يحظي بها الجهاز المصرفي المصري ودوره في الاقتصاد الوطني ، يستحق هذا الجهاز أن يستعيد تاريخه والشخصيات التي ساهمت في تأسيسه وكانت بحق نماذج مضيئة يتشرف بها الجهاز في كل مراحله ، وقد حظت بالثقة والمكانة ليس فقط في وطنها ولكن أيضا علي المستوي العالمي ومؤسساته المصرفية.
في هذا الشأن يجب أن نتذكر أسماء مع حفظ الألقاب احمد زكي سعد محمد أمين فكري نظمي عبد الحميد عبد الحكيم الرفاعي صلاح حامد إسماعيل حسن- محمد أبو شادي احمد زندو محمد أمين شلبي محمد بيومي علي نجم محمد البربري حكمت رزق- محمد أبو العنين - فاروق العقدة هشام رامز - طارق عامر ، وغيرهم من شخصيات الصف الثاني مثل لبيب مرقص وفؤاد شاكر ومصطفي الدمهوجي وإبراهيم الصاوي.
سوف اسمح لنفسي أن أتوقف عند احدي هذه الشخصيات محمد أمين شلبي (19192004 ) وذلك لقربي منه ومتابعتي لمسيرته منذ تخرجه من كليه التجارة جامعة فؤاد الأول عام 1940 والتحاقه بالبنك الأهلي الذي كان عندئذ تحت الإدارة البريطانية حيث استدعي باعتبار انه كان من أوائل الخريجين وتعرض لمقابلات دقيقة عين بعدها في فرع البنك في الزقازيق عام 1941، وعندما يستدعي الأعوام التي قضاها في هذا الفرع والمضايقات التي تعرض لها من إدارته البريطانية يتذكرها بالثقة في انه صمد لهذه المضايقات وأثبت كفاءة العنصر المصري ، وهو ما جعل البنك يبعثه إلي بعثة في بنك انجلترا ، والذي يعتبر بنك الدولة ، وبعد عودته من بعثته بدأ مرحلة جديدة في عمله المصرفي حيث اختير لتولي قطاع العلاقات الخارجية ، وهو القطاع الذي سوف يظل يرتبط به خاصة بعد أن انتقل إلي البنك المركزي المصري والمهام بالغة الدقة التي اسندت إليه لدي البنوك الأجنبية.
ومن المحطات الرئيسية في حياته المصرفية حين بدأ الرئيس جمال عبد الناصر يصعد كفاءات الجهاز المصرفي فاختاره عام 1967 ليكون العضو المنتدب للبنك الأهلي المصري ولكي يعمل مع شخصية مصرفية مرموقة هو الأستاذ محمد أبو شادي رئيس البنك آنذاك. وقد لا يعلم ملايين المصريين الذين يعتمدون اليوم في حياتهم علي شهادات استثمار البنك الأهلي أن الذي استحدث هذا النظام هو الأستاذ محمد أبو شادي ومحمد أمين شلبي.
وفي عام 1969 عين وكيلا لمحافظ البنك المركزي وهو المنصب الذي ظل يشغله 12 عاما عين بعدها نائبا للمحافظ. في هذه الفترات عمل مع المحافظين : د. نظمي عبد الحميد ـ د. عبد الحكيم الرفاعي ، وأحمد زندو ومحمد عبد الفتاح والذي حين ترك مكانه ظل منصب المحافظ شاغرا لمده 6 شهور حيث كان يعتذر عن تولي هذا المنصب حتي فوجئ في فبراير 1982 بقرار تعيينه محافظا للبنك. عندما عين كتبت صحف بريطانية مرموقة مثل الأكونوميست والفايننشيال تايمز انه "المبتعد عن الأضواء والمنكر لذاته" وأنه معروف في الخارج أكثر مما هو معروف في بلده.والواقع أن هذه الصحف قد لخصت شخصيته مما انعكس علي أدائه عندما تولي منصب المحافظ حيث كان يعتذر عن أي لقاءات صحفية أو إعلامية حيث كان يعتبر أنه إذا ما حرفت هذه التصريحات فإنها يمكن أن تضر بالاقتصاد الوطني وقد تسبب أزمة سياسية.وتظهر أوراقه الشخصية أنه قدم استقالته من منصب المحافظ مرتين حيث شعر أن الحكومة لا تعطي اهتماما بتقارير البنك التي كانت تحذر من شركات توظيف الأموال ، وهو ما تحقق بالفعل بعد تركه لمنصبه حين خسر ملايين المصريين ايداعاتهم في هذه الشركات. وخلال عهده قاوم ورفض ضغوط جماعات المصالح التي كانت تطالبه بمخالفة قانون البنك المركزي خدمة لمؤسساتها ولذلك شنت حملة صحفية عليه وعلي البنك (وبمعني ما ربما كان هذا هو ما يتعرض له اليوم محافظ البنك المركزي ).
كان من ابرز خصائصه هو "الاستغناء" ، فالذين عاصروه منذ بداياته يعلمون أنه لم يسع إلي منصب ، ولعل هذا ما جعل اقتصاديا مرموقا هو الدكتور عبد المنعم القيسوني وهو يهنئه بمنصب المحافظ يقول له " لقد احترمت نفسك فاحترمك الآخرون ".
أقدم هذه السيرة فقط كنموذج للعديد من الشخصيات التي شيدت الجهاز المصرفي المصري عبر تاريخه ، وهو ما يجلعني ارجو أن يصدر البنك المركزي المصري بالذات كتابا تذكاريا توثيقيا حديثا يسجل فيه تأسيس الجهاز المصرفي المصري وتطوره والمراحل التي مر بها والأوضاع الاقتصادية والمالية المصرية التي واجهها وكذلك الشخصيات التي ساهمت في تأسيس وإدارة هذا الجهاز.

سفير سابق