عادل حمودة يكتب: المخابرات الأمريكية عادت إلي القتل بمباركة الرئيس !

عادل حمودة
عادل حمودة
كانت قاعة الندوات في نادي الصحافة (ناشونال برس) مزدحمة بنجوم المهنة الكبار في العاصمة الأمريكية واشنطن يتصدرهم الفيلسوف نعوم تشومسكي أيقونة الكتابة الغاضبة ضد السياسة الأمريكية . 

 علي المنصة جلس شاب يطلق لحية خفيفة مهذبة ويرتدي ثيابا بسيطة ويمسك بين أصابعه بقلم رصاص يحركه وهو يتكلم وقد رصت أمامه عدة نسخ من كتبه التي هزت الدنيا ومنها كتاب » بلاك ووتر أخطر منظمة في العالم وكتاب » الإغتيال المعقد » وكتاب » حروب قذرة » الذي تحول إلي فيلم تسجيلي وأثبت فيه أن المخابرات الأمريكية عادت إلي قتل خصومها بأوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي جورج بوش لكن تلك الأوامر لا تزال سرية لم يفكر باراك أوباما أو دونالد ترامب في إلغائها . 

 لمدة ثلاث ساعات كاملة ظل جيريمي سكاهيل الصحفي المستقل يقدم دليلا بعد آخر علي أن البيت الأبيض تحول إلي منظمة رسمية للجريمة السياسية والأخطر أن كثيرا من دول العالم راحت تقلده فعندما تمسك واشنطن بدف فإن الآخرين يرقصون علي إيقاعه.

 وما أن انتهي المحقق الصحفي الموهوب حتي وجدتني في حالة ذهول مما سمعت ورحت أتمشي في الشوارع القريبة من البيت الأبيض وتأملت مبناه الذي يبدو بريئا من الخارج وقد عرفت جذور ما يحدث في بلادنا التي قدر لها أن تقع في منطقة كتب عليها التآمر والأعمال القذرة عدم الاستقرار اسمها الشرق الأوسط .

 لم يكن سجل العمليات السرية القذرة في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي »? يدعوإلي السرور» فقد دبرت وكالة المخابرات المركزية إنقلابات وإغتيالات في أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ولكن ضمير الكونجرس لم يستيقظ إلا بعد أن طالت العمليات القذرة نوابا منه في فضيحة ووترجيت التي أطاحت بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في عام 1975. 

 بعد تلك الفضيحة المدوية التي تجسس فيها الرئيس علي خصومه السياسيين كثف الكونجرس تحقيقاته حول العالم الخفي لعمليات البيت الأبيض السرية تحت إشراف لجنة »? تشرش» التي سميت باسم السيناتور فرانك تشرش . 

 »حققت اللجنة في مجموعة واسعة من الانتهكات التي ترتكبها السلطة التنفيذية بما في ذلك عمليات التجسس الداخلي ضد مواطني الولايات المتحدة ورسمت اللجنة صورة غير قانونية عن أنشطة نفذت دون رقابة من المحاكم أوالكونجرس» . 

 أثبتت اللجنة أن الوكالة تورطت في الإطاحة بالرئيس الشيلي سلفادور الليندي المنتخب ديمقراطيا عام 1973 وتسببت في موته لأنه كان يساريا لا يمشي علي هواها. 

 كما أن الوكالة حاولت اغتيال جمال عبد الناصر بغاز سام سعت إلي وضعه في جهاز تكييف مكتبه وحاولت اغتيال الرئيس الكوبي فيدل كاستروبدس مادة قاتلة في علبة سيجار يضعها بجانب فراشه كما أن لها طابور طويل من العملاء في الشرق الأوسط منهم من تولي الحكم في بلاده . 

 وأمام سيل الفضائح التي هزت العالم كله أصدر الرئيس جيرالد فورد في عام 1976 الأمر الرئاسي رقم 11905 الذي يمنع الولايات المتحدة من تنفيذ إغتيالات أوإنقلابات سياسية وكلفت لجان الكونجرس بالإشراف علي عمليات المخابرات الأمريكية وعلي رأسها العمليات السرية ومهد ذلك لقانون عام 1980 الذي أقره الكونجرس وأجبر به البيت الأبيض علي تقديم تقارير عن جميع برامج التجسس إلي لجنة الاستخبارات الجديدة التي أنشئت للمراقبة والمتابعة والمحاسبة . 

 تعقد هذه اللجنة اجتماعاتها في الغرفة  »أس ــ 407 » وهي غرفة بلا نوافذ تقع في القسم العلوي من مبني الكابيتول ( الكونجرس ) ولا يمكن الوصول إليها إلا بمصعد واحد أوسلم ضيق وجهزت الغرفة بأجهزة متطورة لمكافحة التنصت من الخارج . 

 هناك يلتقي أعضاء من الكونجرس وكبار العسكريين وشخصيات مؤثرة في السياسة الخارجية بجانب رجال وكالات الاستخبارات والهدف مناقشة أدق الأسرار وأكثرها أهمية في البلاد ووضع برامج التجسس الخارجية . 

 وظل عمل اللجنة بسيطا .. لا يستهلك من أعضائها وقتا طويلا .. فقد حرمت وكالات الاستخبارات من الأعمال القذرة .. ولم تعد تجرؤ علي تجاوز القوانين والأوامر الرئاسية .. كما أنها لا تملك ميزانية لتلك الأعمال .. لكن الزمار يموت وأصبعه يلعب .. فقد لجأت وكالة المخابرات المركزية إلي حيلة خفية للحصول علي تمويل لعملياتها السرية . 

 توسطت الوكالة في عام 1984 في صفقة لبيع أسلحة إسرائيلية إلي إيران واستخدمت عدنان خاشقجي وسيطا وناقلا للأسلحة بسفن يمتلكها شريكا يونانيا وبنصيبها في الأرباح مولت المتمردين علي النظام الشيوعي في نيكاراجوا وهي الفضيحة التي عرفت بفضيحة »إيران جيت ». 

 وسبق هذه الفضيحة فضيحة أخري كانت مصر طرفا فيها .. فقد تكونت شركة سميت »إيستكو» لنقل المعدات العسكرية الممنوحة لمصر يرأسها حسين سالم ( 51 % ) وفي مجلس إدارتها خمس شخصيات مؤثرة ونافذة في مصر بجانب ضباط سابقين في المخابرات المركزية التي مولت بنصيبها من الأرباح متمردي الكونترا ولكن الشركة لم تكن شرعية قالقانون الأمريكي يفرض استخدام شركات امريكية لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية الممولة بمعونة عسكرية . 

وفجر القضية الصحفي جاك أندرسون (واشنطن بوست) في اليوم الذي تولي فيها مبارك حكم مصر عام 1981 وبعد عامين تقريبا صدر حكم غيابي من محكمة في فلوريدا ضد حسين سالم واصبح مطلوبا القبض عليه لووصل الولايات المتحدة ولكن فيما بعد جرت تسوية مالية أسقطت الحكم .

 لكن .. ما أن وصل جورج بوش إلي البيت الأبيض ومعه نائبه ديك تشيني حتي عادت الشرعية للعمليات السرية ولم تعد أجهزة الاستخبارات في حاجة للتحايل علي القانون بحثا عن تمويل لتلك العمليات فأعلي سلطة في البلاد تشجعها وتدعمهما وتتسر عليها . 

 كان أول ما فعل تشيني بعد توليه منصبه »?إلغاء توقيع الرئيس بيل كلينتون في آخر أيامه علي معاهدة روما التي تعترف بقانونية المحكمة الجنائية الدولية .. لم يحتمل المحافظون الجدد تعرض جنود الولايات المتحدة لمقاضاتهم كمجرمي حرب نتيجة أعمالهم في جميع أنحاء العالم» .. وكتب دونالد رامسفيلد بعد وقت قصير من توليه منصب وزير الدفاع أنه يريد من مساعديه القانونيين »? كيف يمكن التملص من توقيع كلينتون وإلغائه». 

 هنا قال راي ماكفرن ضابط المخابرات المركزية المعروف ببراعته في عمله بعيدا عن الأساليب القذرة : » يا إلهي لقد عاد المجانين هذه هي الجملة التي كنا نشير بها إلي هؤلاء الناس » . 
 ويوحي المحافظون الجدد بأنهم عادوا إلي التصفيات الجسدية بعد هجمات سبتمبر ولكن ذلك لم يكن صحيحا .. هجمات سبتمبر لم تكن قد وقعت بعد حين كان رامسفيلد واقفا علي منصة البنتاجون لإصدار إعلان الحرب ليس علي الإرهاب وإنما علي دول قومية مثل سوريا والعراق وكوريا الشمالية والسعي إلي تغيير أنظمتها . 

 لقد أمضي تشيني ورامسفيلد سنوات طويلة سبقت وصولهما للسلطة في »? التآمر لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط » .. لكن .. جهودهما لم تتركز علي مواجهة التنظيمات الإرهابية النشطة وعلي رأسها تنظيم القاعدة .. وإنما كان العراق هاجسهما .. وقال بول أونيل وزير الخزانة وقتها : »? منذ البداية كنا نجهز قضية ضد صدام حسين وبحثنا كيفية إخراجه من الحكم وتحويل العراق إلي بلد جديد وكأننا إذا فعلنا ذلك سنحل كل شئ ».

 لم تكن إدارة بوش تشعر بتهديدات القاعدة رغم التقرير الذي قدمه جورج تنت مدير وكالة الاستخبارات المركزية وكوفر بلاك مسئول مكافحة الإرهاب فيها إلي البيت الأبيض يوم 10 يوليو2001 عن وجود معلومات ــ دعمتها المخابرات المصرية ــ عن عملية ساخنة يخطط لها أسامة بن لادن ضد الولايات المتحدة وشكك رامسفيلد في هذه المعلومات وتصرفات كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي بملل وهي تسمعها.

 ويوم 6 أغسطس 2001 تسلم بوش في مزرعته ( كراوفورد تكساس ) ملخصا أمنيا حمل عنوان يصعب تجاهله : »? تصميم بن لادن علي تنفيذ ضربة في الولايات المتحدة وذكر الملخص مرتين إمكانية إقدام عملاء القاعدة علي خطف طائرات في عملية سيكون ضحاياها عدد كبير من الأمريكيين »? لكن الرئيس استهان بما قرأ فقد كان لعابه يسيل علي بترول العراق .
 
 ورغم أن هجمات سبتمبر أثبتت صحة تلك المعلومات إلا أنها لم تخرج العراق من خطة القضاء عليه وراح رامسفيلد وتشيني »?يفبركان» الأدلة علي وجود أسلحة كيميائية فيه تمهيدا لغزوه . 
 لكن .. سبق ذلك إعادة وكالات الاستخبارات إلي الغابة المتوحشة التي خرجت منها بعد توصيات لجنة تشرش . 
 يوم 18 سبتمبر وقع بوش سرا توجيها رئاسيا سريا أطلق عليه »? جراي ستون » أوالحجر الرمادي يمنح وكالة المخابرات المركزية »? صلاحية القبض علي المتطرفين المشتبه فيهم وسجنهم في أنحاء العالم كافة بل وقتلهم أيضا » وهوما يعني أن هذا التوجيه أنهي »? ضرورة توقيع الرئيس علي كل عملية قتل سرية بمفردها » واصبح من السهل علي أصغر عميل للوكالة قتل من يشاء دون الرجوع إلي مستوي أعلي وهوما يخالف صراحة قانون الأمن القومي الذي صدر عام 1947 . 

 وعلي الفور انتشرت في الوكالة فرقة إغتيال سميت »? قطعة الحلوي » يقودها جاري شروين الذي كانت التعليمات إليهم : »? الرئيس لا يريد القبض علي أحد تشتبهون فيه يريد قتله» . 
 وأخطر من ذلك جمع البيت الأبيض عددا من كبار المحامين في الوكالة وكلفهم بالبحث عن مبررات لعمليات التعذيب والخطف والقتل وأطلقت هذه المجموعة علي نفسها اسما سريا »? مجلس الحرب » وكانت برئاسة ديفيد أدينجتون الذي سبق أن برر لتشيني كثيرا من تصرفاته المنحرفة بجانب مستشار البيت الأبيض البرتوجونزاليس ونائبه تيم فلانيجان والمستشار العام للبنتاجون وليام هاينز ومساعد المدعي العام جون يو. 

 ولم تتردد هذه النخبة القانونية في الموافقة علي احتجاز المعتقلين سرا في أفغانستان بالقرب من مطار بجرام الذي كانت تسيطر عليه قوات الجيش الأمريكي وشحن السجناء في مستودعات الشحن واختير مصنع مهجور لإيواء المعتقلين عرف باسم »حفرة الملح» وعندما ضاقت هذه السجون اقترحت النخبة القانونية استخدام مراكب بحرية وجزر نائية لتكون مواقع احتجاز واستجواب محتملة وتشييد شبكة من المواقع السوداء في ثماني  دول بما فيها تايلاند وبولندا ورومانيا وموريتانيا وليتوانيا وديجوجارسيا في المحيط الهندي . 

 وعمدت الوكالة ــ بسبب افتقار السجون الخاصة ــ إلي تهريب المشتبه فيهم إلي مصر والمغرب والأردن لاستجوابهم دون مراجعة الكونجرس وحتي تتمكن من تعذيب السجناء بحرية مستخدمة جهات أجنبية . 
 لكن لم تكن إدارة بوش هي التي أنشات برنامج الترحيل القسري للوكالة وإنما بدأ هذا البرنامج في عهد كلينتون في منتصف تسعينيات القرن الماضي بأمر رئاسي منه يسمح للضباط الأمريكيين بإرسال المشتبه فيهم إلي مصر البعيدة عن متناول القانون الأمريكي ونفذت الوكالة ما يزيد عن سبعين عملية اختطاف في عهد كلينتون . 

 وفي الوقت نفسه سلمت دول صديقة للولايات المتحدة مطلوبين لمحاكمتهم مثل مير إيمال كامي وهو مواطن باكستاني سبق أن اطلق النار علي أثنين من موظفي الوكالة خارج مقرها عام 1993 ورمزي يوسف وهومواطن مصري دبر محاولة تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 وولي خان أمين شاه الباكستاني الذي خطط لتفجير طائرات أمريكية في يوم واحد من عام 1995 وعضوالجيش الأحمر الياباني تسوتوموشيروساكي الذي فجر السفارة الأمريكية في جاكارتا عام 1986 والذي اختطف في عام 1996 . 

 وفي نوفمبر 2001 تمكنت القوات الباكستانية من القبض علي »? ابن الشيخ »? الليبي الذي كان يدير معسكر » خالدان »? للتدريب في أفغانستان حيث تدرب ريتشارد ريد صاحب »? الحذاء المتفجر»  وزكريا موسوي خاطف طائرات هجمات سبتمبر رقم ( 20 ) وتسلم مكتب التحقيقات الفيدرالية الليبي ووجدوه متعاونا في التحقيقات وأعطاهم الكثير من المعلومات في مقابل حماية أسرته ولكن الوكالة طلبت تسليمه إليها وما وضعت يدها عليه حتي قال له ضباطها : » أنت تعرف إلي أين ستذهب ولكن قبل أن تصل غلي هناك سوف نعثر علي والدتك ونعتدي عليها » . 

 نقل فريق الوكالة الليبي جوا إلي حاملة الطائرات يوأس أس باتان في بحر العرب للضغط عليه ليعترف بأن »? القاعدة وصدام يعملان معا وكان اعترافا كاذبا نطق به بعد استجواب قاس استخدمت فيه لم ينم خلاله عدة أيام حقن فيها بمنشطات .

وفي الوقت نفسه عقد تشيني اجتماعا في البيت الأبيض لوضع اللمسات الأخيرة علي أمر رئاسي يسمح للولايات المتحدة محاكمة المعتقلين من جميع أنحاء العالم تجاوزا لمعاهدة جنيف التي تضع قواعد قانونية وإنسانية مختلفة عن التي أرادها تشيني وورط فيها بوش . 
 ولم يهتم تشيني بأن القاعدة الشاذة التي يريد فرضها علي العالم يمكن أن تصيب الجنود الأمريكيين الذين يتعرضون للاسر في مسارح العمليات الخارجية باذي بل ستعرض حياتهم للموت . 

وما يلفت النظر ــ حسب ما ذكر رود دريجز مسئول الوكالة عن تشييد »? المواقع السوداء » ــ أن عدد الأفراد الذين كانوا يعرفون أماكن تلك المواقع كان صغيرا جدا ولم يكن الرئيس من بينهم . 
كل هذه المعلومات وغيرها سمعناها من جيريمي سكاهيل في صمت ولكن سرعان ما اضيف للصمت شعورا بالحزن والألم عندما تحدث عن فتي عمره 16 سنة هرب من بيت أسرته وفي جيبه 40 دولارا للبحث عن والده الذي لم يره منذ سنوات وعلمه صيد السمك وركوب الخيل . 
بعد ثلاثة اسابيع علي هروب الصبي سمع وهوفي الخلاء أزير طائرات دون طيار سرعان ما أطلقت قذيفة أصابته مباشرة وقتله في الحال . 

 كان ذلك الصبي ابن أنور العولقي الداعية اليمني المسالم الذي يعيش في الولايات المتحدة ويحمل جنسيتها والذي تطارد الأجهزة الأمريكية بعد أن رفضت التعاون معها والتجسس علي شخصيات إسلامية في مجتمعه . 
> كانت تلك القصة نهاية الندوة ولكنها كانت بداية كتاب سكاهيل عن الحروب القذرة التي أشعلتها الولايات المتحدة في العالم كله وكانت سببا مباشر لتفتيت كثير من البلاد العربية وتشريد أهلها وتدمير استقرارها . 
 من فضلك أبحث عن هذا الكتاب واقرأه . 
بأمر كلينتون 
 انقلوا المعتقلين إلي مصر والأردن لاستجوابهم بعيدا عن مراقبة منظمات حقوق الإنسان الأمريكية !
ضباط الوكالة استخدموا وسائل محرمة دوليا لنزع إعترافات من المعتقلين بأن صدام حسين شريك لتنظيم القاعدة في هجمات سبتمبر !