مصطفى بكرى يكتب .. عادل حبارة من أبو كبير إلي حـــــــبل المشـنقة

الكاتب الصحفى مصطفى بكري
الكاتب الصحفى مصطفى بكري


الخلافات الأسرية أشـعـرته بعـدم الأمـان ولذلـك هــــــــــــــرب من قــريتـــه مــنــذ الصــغــــر

تردد علي الشيخ محمد حسان في أحد مساجد المنصورة أسبوعيًا قبل الانخراط في تنظيمات الإرهاب

 هرب من المطاردات الأمنية إلي ليبياوعاد بعد أن علم أن الأمن استدعي زوجته

شكل في سيناء جماعة «المهاجرين والأنصار»‬ وأعطي البيعة لأبو بـكر البغدادي


في الخامس عشر من ديسمبر 2016، تم تنفيذ الحكم بإعدام عادل حبارة بعد تحقيقات ومحاكمات استمرت لأكثر من ثلاث سنوات.. كانت الاتهامات متعددة، لكن أبرزها هي تلك الجريمة البشعة التي نفذها حبارة وعدد ممن ينتمون إلي تنظيمه الإرهابي في سيناء وأدت إلي استشهاد 25 جنديًا وإصابة ثلاثة آخرين بعد أن جري إعدامهم في وقت مبكر من صباح 19 أغسطس 2013، بينما كانوا متجهين لإنهاء خدمتهم العسكرية في معسكر الأحراش بمنطقة رفح.. وبدأت قصة حبارة في قريته بمركز »‬أبو كبير» بمحافظة الشرقية، ثم سرعان ما انتقل إلي سيناء ليشكل تنظيم »‬المهاجرين والأنصار» الذي بدأ في شن عمليات إرهابية في مناطق سيناء المختلفة، وصولًا إلي انضمامه لتنظيم »‬داعش» وإعلان البيعة لأمير التنظيم »‬أبو بكر البغداد» الذي تولي عملية تمويل التنظيم بالأموال والأفراد.. وذلك من واقع تحقيقات وسير المحكمة التي أصدرت حكمها برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي بإعدام حبارة، تعطي دلائل مهمة علي طبيعة الأفكار التي تحكم مواقف هذه الجماعات وتدفعها إلي ارتكاب أعمال عنف وإرهاب منافية للعقيدة وللقيم الإنسانية والأخلاقية.

يكشف هذا التحقيق عن أبعاد المخطط الذي تتبناه هذه الجماعات والقوي التي تحركها من الداخل والخارج والأفكار التكفيرية التي تشكل الأساس لهذه التنظيمات التي وجدت الفرصة سانحة لإعداد هياكلها التنظيمية في زمن حكم جماعة الإخوان وبدعم منها.

ولد عادل حبارة في قرية الأحراز بمركز (أبو كبير) بمحافظة الشرقية، قصير القامة، نحيل الجسد، حاد الملامح، كان والده فقيرًا ومع ذلك أنجب خمسة من الأبناء إلي جانب نجله عادل.

منذ الصغر، تفتحت عيناه علي الخلافات والمشكلات التي لا تنتهي بين والديه، كانت الدموع تنهمر من خديه، وهو يري والده الملقب بـ»‬نجيب الأحرازي» يعتدي علي والدته بكل قسوة، ودون رحمة.

كان عادل يشعر دومًا بحالة من عدم الأمان، ولذلك هرب من قريته، وهو لم يبلغ بعد سن الحادية عشرة، ثم عاد مرة أخري، ليكمل تعليمه.

ومع تفاقم الأزمات، وزيادة حدة المشكلات، قرر والده الانفصال عن والدته. وقرر ترك القرية، والزواج من امرأة أخري في قرية مجاورة، تاركًا وراءه أولاده الصغار، دون سند أو رعاية.

شعر »‬عادل» بحسرة أمه ولوعتها، تولد الحقد في نفسه، وتمني لو أن والده يختفي من علي ظهر الدنيا، كان يتمني الفتك بالعروس الجديدة، التي تسببت في دمار أسرته..

كانت الاحباطات، تحيط به من كل جانب، الفقر، الجوع، الحرمان، المرض الذي يزحف إلي جسد والدته، كان المستقبل مظلمًا أمامه، لكنه كان علي يقين أن لحظة الانتقام قادمة.

اتجه »‬حبارة» إلي المسجد، بدأ يتردد علي الشيخ »‬محمد حسان» الذي كان يتولي الخطابة في أحد مساجد المنصورة، كان يقطع الطريق بين »‬أبو كبير» و»‬المنصورة» بصعوبة بالغة أسبوعيًا، وبعد انتهاء الخطبة كان يجلس إليه ضمن مجموعة محدودة، يستمع إلي كلماته، وتفسيراته لآيات القرآن الكريم، وحديثه عن الجهاد، تعرف علي الكثير من أنصاره، ارتبط معهم وارتبطوا به، كان يسائلهم عن بعض الفتاوي، وعن الجهاد، وعن تكفير الحاكم الذي لا يطبق الشريعة، وكانت الإجابات دائمًا تشفي غليله، وتولد في نفسه كراهية شديدة للدولة وحاكمها ومؤسساتها.

ارتدي عادل حبارة الجلباب القصير، وبدأ في تشكيل جماعة منظمة، كانت تدعو إلي تكفير الحاكم والطائفة الممتنعة، وإباحة الخروج عليهم، أسس أنصاره جمعية اسموها »‬مفتاح الخير»، بدأت في جمع التبرعات، غير أنهم كانوا يقومون باستغلال الأموال التي يتم جمعها لشراء الأسلحة من تجار معروفين ببيعها في مركزي طوخ وأبو حماد.

تزايدت حدة المشكلات بينه وبين الجيران، وعندما علم أنهم اعتدوا علي والدته، اتصل بزملائه في المنصورة الذين كانوا يرافقونه في ندوات الشيخ محمد حسان، فجاءوا إلي القرية بسيوفهم وخناجرهم وجرت معركة مع الأهالي أصيب فيها عدد كبير من المواطنين، وتمكن القادمون من الهرب والعودة إلي المنصورة مرة أخري.

شعر حبارة بقوته، وقدرته علي البطش بالآخرين، التف حوله عدد من الشباب الذين تشبعوا بأفكاره وعاقب كل من يعصي أوامره أو يرفض التبرع لجمعيته، ذاع صيته في قري أبو كبير كلها، وأصبح اسمه مثيرًا لمخاوف الكثيرين.

بعد أن حصل حبارة علي »‬دبلوم الصنايع» غادر قريته، وذهب إلي العمل في بندر »‬أبو كبير»، وهناك عمل جزارًا، ثم بائع فاكهة، ثم عمل في محل لبيع الفول والطعمية.. ضاقت به الأمور، فراح يعمل نقاشًا، ويواصل زياراته الأسبوعية إلي المسجد الذي يخطب فيه الشيخ محمد حسان بمدينة المنصورة.

وأثناء أحد الزيارات، كان حبارة يقف في محطة »‬أبو كبير» متجهًا إلي المنصورة، لاحظ أن إحدي »‬المنتقبات» تتجه لملاقاة القطار للذهاب إلي المنصورة أيضًا، لقد كانت طالبة بمعهد إعداد الدعاة هناك، ولكن فجأة سقطت تحت عجلات القطار المتجه إلي المنصورة، فقطع ذراعها علي الفور، إلا أن »‬حبارة» قام بإنقاذها والتوجه بها إلي مستشفي »‬أبو كبير» لعلاجها..

ظل عادل حبارة إلي جوارها طيلة هذا اليوم، قام بالاتصال بأهلها، الذين جاءوا مسرعين إلي هناك، تعرفوا عليه، وقدموا له الشكر.
ظل يداوم الذهاب للاطمئنان علي حالة »‬المصابة»، ورويدًا رويدًا، تقدم للزواج منها، وهو ما تم بالفعل، ثم سرعان ما أنجب منها طفلة اسماها »‬عائشة»!!

كان جهاز مباحث أمن الدولة يراقب تحركاته، ويتابع زياراته إلي المنصورة، ولقاءاته ببعض المتطرفين الذين تعرف عليهم، رصد كافة تحركاته وتجاوزاته، وقرر اتخاذ الإجراءات القانونية ضده.

أدرك »‬حبارة» أن هناك من يترصد به، وفي أحد الأيام، وعلي أبواب محطة »‬أبو كبير» حدثت مشادة بينه وبين أمين الشرطة، (علي)، والذي كان يعمل بجهاز مباحث أمن الدولة في مدينة أبو كبير.

شعر عادل حبارة أن هناك اتجاهًا للقبض عليه، فاضطر للهروب إلي ليبيا، وبعد شهرين من هروبه، علم من زوجته أن أمين الشرطة »‬علي» ذهب إليها في منزلها، وطلب منها مقابلة الضابط »‬عصام»، وعندما تساءلت، نهرها بشدة، فاضطرت إلي الذهاب، وهناك سألوها عن أسباب سفر زوجها إلي ليبيا، فقالت لهم، لقد ذهب للعمل، لم يقتنعوا بكلامها، مارسوا ضغوطهم عليها، مما تسبب في انهيارها.

قام أمين الشرطة باستدعاء والد عادل وشقيقه، وتم التحقيق معهما، وجري مواجهتهما بذات الأسئلة، إلا أنهما انكرا معرفة أي شيء عن أسباب سفر عادل سوي البحث عن فرصة للعمل هناك..

وبعد أن علم »‬عادل حبارة» بما جري، اضطر للعودة من ليبيا إلي مصر، وبمجرد وصوله إلي مركز أبو كبير والاطمئنان علي زوجته وأسرته، اتجه علي الفور إلي مبني مباحث أمن الدولة في الزقازيق.

وهناك التقي الضابط »‬عصام»، وقال له إن المعلومات التي وصلت إليه لم تكن صحيحة، وأن أمين الشرطة »‬علي» يسعي للانتقام منه، وأنه أوشي بمعلومات غير صحيحة عنه، وأنه مستاء من استدعاء زوجته ووالده وشقيقه للتحقيق معهم.

طلب الضابط عصام من عادل أن ينتظره خارج المكتب لبعض الوقت، أجري اتصالات
برؤسائه، ثم استدعاه مرة أخري، وحذره من الحديث عن الجهاد أو ممارسة الإرهاب علي المواطنين، وطلب منه أن يعود إليه بعد أسبوع من الآن.

سافر عادل حبارة إلي القاهرة بعد أن علم أن هناك نوايا لاعتقاله، امضي عدة شهور، التقي في هذا الوقت ببعض الخلايا المتطرفة في عدد من المناطق من بينها المطرية وبولاق الدكرور وإمبابة، توثقت علاقته بهم، وكان يحضر جلسات لبعض شيوخ التطرف في هذه المناطق.

سعي عادل حبارة للعمل بإحدي الصيدليات الشهيرة بمدينة القاهرة، ارتاب فيه صاحب الصيدلية، طلب منه بعض الأوراق من بينها شهادة »‬الفيش والتشبيه»، عاد حبارة مرة أخري إلي »‬أبو كبير» لإحضار الأوراق المطلوبة.

وعندما عاد من القاهرة إلي مدينة »‬أبو كبير»، وأثناء تواجده بجوار جمعية المستقبل، بحي أولاد فضل، حدثت مشاجرة بينه وبين مسئول الجمعية، وكان يعمل مرشدًا لمباحث أمن الدولة، فقام حبارة بالاعتداء عليه.

في هذا الوقت، تم القبض علي »‬حبارة» وحكم عليه بالسجن لمدة عام في عام 2010، وتم إيداعه بسجن الوادي الجديد، إلا أنه تمكن من الهرب في الثامن والعشرين من يناير 2011، أثناء أحداث الشغب التي شهدتها السجون في هذا الوقت.

وبعد أن عاد »‬حبارة» إلي بلدته، قام أحد المخبرين ويدعي »‬ربيع عبدالله» بمتابعته واستفزازه وتهديده بالحبس مرة أخري، إن لم يتوقف عن تحركاته المعادية.

لم يعر حبارة هذه التهديدات بالًا، مما اضطر المخبر السري إلي الاعتداء عليه وإصابته، والقبض عليه في سوق المدينة..

كانت الأوضاع في البلاد تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، سادت الفوضي، وتفاقمت الأزمات، وأصبح لأصحاب التيارات الأصولية سطوة ونفوذًا، مما اضطر مأمور قسم »‬أبو كبير» في هذا الوقت إلي عمل جلسة عرفية، وتم الاتفاق علي عدم تحرير أي محاضر وإنهاء الأمر بالمصالحة.

بعدها بأربعة أشهر فوجئ حبارة بصدور حكم يقضي بسجنه عشر سنوات (غيابيًا) بمحضر حرره الضابط »‬محمد عبدالرحيم» بزعم مقاومة »‬عادل حبارة» للسلطات، فتعهد المأمور بإيجاد حل لهذه القضية، وبالفعل تم التنازل وتسوية الأمر.

لم يتوقف عادل حبارة عن تحركاته واتصالاته، ظلت الشرطة تتابع كافة تحركاته، وتسعي إلي عرقلة نشاطه، وفي إحدي المرات ترصد عادل حبارة للشرطي السري (ربيع عبدالله) من قوة مباحث شرطة أبو كبير وأطلق عليه النيران، مما أدي إلي مقتله في مارس 2012، انتقامًا منه.

تمكن حبارة من الهرب، إلا أن محكمة الجنايات حكمت عليه بالإعدام غيابيًا في القضية رقم 9657 لسنة 2012، وكذلك تمكن أعضاء تنظيمه وبتحريض منه من قتل الأخوين محمد مصطفي سالم وحسن مصطفي سالم بعد أن أصدروا حكمًا بتكفيرهما بسبب عملهما بإحدي الفرق الموسيقية في مركز فاقوس بالشرقية.

وعندما اقتحمت قوات الشرطة منزله في »‬أبو كبير»، قالت لهم زوجته أنه غير موجود، لكنهم عثروا بعد التفتيش علي »‬هارد ديسك» وخزينة معدنية مغلقة..

بعدها سافر حبارة إلي سيناء هروبًا من الحكم الصادر ضده، وهناك التقي (أبو عبدالله المقدس) مؤسس تنظيم أنصار بيت المقدس، وراح يتجول في المناطق المختلفة، ويتعرف علي الكثيرين من أصحاب الفكر التكفيري في سيناء.

في اليوم الأول لوصوله تم استقباله في مدينة العريش، ومنها إلي قرية »‬الجورة» في الشيخ زويد، وغيرها من المراكز التي تجمعت فيها العناصر المتطرفة.

بدأ في تشكيل مجموعة من المؤمنين بأفكاره، وظل علي هذا الطريق حتي أعلن عن تشكيل مجموعة تكفيرية اسماها »‬جماعة المهاجرين والأنصار»، بدأت الجماعة تنتشر رويدًا رويدًا، ارتكبت العديد من الجرائم والاعتداءات علي رجال الشرطة من الضباط والجنود، كما بدأت تمارس سطوتها علي المواطنين في القري والمناطق المختلفة، وتحديدًا في مناطق رفح والشيخ زويد ومدينة العريش أيضًا.