أدباء على خط النار.. «سويلم» سجل يومياته شعراً.. ورجال وشظايا أول أعمال «الفيل»

ليس من عاش كمن سمع وليس من حضر كمن حُكى له.. والحرب كالحياة تمنح أسرارها لمن أكتوى بنيرانها لذلك لا يمكن أن يحدثنا عنها إلا من شارك فيها، وحرب أكتوبر 73 لوحة مذهلة تتشابك فيها الألوان التى يصعب على غير من خاضها ان يصفها.

فى البداية يقول الشاعر أحمد سويلم:حينما جندت المؤهلات العليا فى القوات المسلحة عام 1968 غيرت البنية الاجتماعية والثقافية وصار العقل والفكر الجديد من عوامل النصر المهمة سواء فى حرب الاستنزاف او فى أكتوبر 1973، وقد جندت فى عام 1968 ضابط احتياط بسلاح الوقود.. وهذا السلاح له اهمية قصوى فى وقت الحرب حيث يؤمن تموين جميع مركبات القوات المحاربة.. وكنا نمد انابيب الوقود فوق سطح القناة الى الضفة الشرقية.. ثم يقوم العدو بضربها فنسرع تحت ضرباته بإصلاحها وهكذا.

وأضاف: «تأثر إبداعى بهذه الفترة التى قضيتها فى القوات المسلحة من 1967 وحتى عام 1974 وكنت أواظب على تسجيل يومياتى فى معركة العبور وما بعدها شعرا ونثرا، ومازلت احتفظ بها حتى اليوم.. وهى لقطات ومشاهد حية بطولية وإنسانية سجلتها بحس أدبى.. ونشرت القصائد فى حينها فى الصحف والمجلات.. ولاشك ان هذه التجربة قد أضافت الكثير الى ابداعى وشكلت عنصرا مهما من عناصر الرؤية الخاصة التى عشتها خلال التحولات المتتالية فى مجتمعنا منذ نشرت اول ديوان لى عام 1967 حتى اليوم، وقد تميزت هذه التجربة بالصدق الفنى الذى كان انعكاسا للصدق القتالى.. بل اكسبتنى رؤية وطنية عميقة.. وإحساسا صادقا بالانتماء.. ويكفى اننا كنا نقف على الضفة الغربية للقناة.. وننظر الى سيناء المحتلة أرضنا فتثور فى داخلنا مشاعر الإصرار على استرداد وتحرير هذه الأرض الطيبة بأى ثمن.. ومن ثم رهصت الأرواح امام تحقيق هذا الهدف النبيل.. وإحراز النصر.. وتجلت هذه المعانى فى اشعارى خاصة فى دواوين: البحث عن الدائرة المجهولة.. الليل وذاكرة الاوراق.. الخروج الى النهر، ومازلت احتفظ لدى بذكريات هذا النصر.. فى زجاجة من رمال سيناء.. وبعض فوارغ الطلقات.. واجزاء من القنابل اليدوية.. وبعض اشياء من خط با رليف الى جانب تسجيلات للأغانى التى صاحبت هذا النصر.. أستمع اليهافى أكتوبر وأقرأ مذكراتى وأعيش حالة استثنائية تعيدنى الى تلك الايام المجيدة وروح أكتوبر».

ويضيف الأديب الكبير سمير الفيل - الحائز على جائزة الدولة التشجعية مؤخرا عن تجربته- قائلا: الحقيقة اننى لم أحارب فى أكتوبر 1973، لكننى انضممت للكتيبة 16 مشاة بعد انتهاء الحرب بشهور قليلة، وحدث أننى قضيت مدة خدمتى مع عدد كبير من المحاربين، وسجلت معهم تفاصيل تلك الحرب، إضافة إلى مناقشة عدد من جرحى الحرب عن ظروف إصابتهم فى العمليات، وسجلت ذلك فى رواية «رجال وشظايا» وهى من الروايات المبكرة عن أدب الحرب، كنت مهتما بالكتابة عن البعد الإنسانى، والقبض على معنى البطولة والاستشهاد فى الصدام المروع مع العدو الصهيونى، وهو ما تجسد فى ثلاثة أعمال تالية، هى : «كيف يحارب الجندى بلا خوذة؟» 2001، «خوذة ونورس وحيد»2001، «شمال.. يمين» 2007، ويبدو ان تنقلى فى الأماكن التى شهدت القتال الضارى أفادتنى كثيرا خاصة فى مناطق «الدفرسوار»، و «سرابيوم» و «تبة الشجرة».. وغيرها من مناطق تقترب من شاطئ القناة، وطريق المعاهدة، لقد أردت أن أسجل الحكايات التى تكمن فى تضاعيف الفعل الحربى، ولم يكن يهمنى قوة نيران المدفعية، أو طريقة تحرك أرتال الدبابات، أو تفصيلات الصراع على الارض المشتعلة بالبارود، بل ركزت تماما على العلاقات الإنسانية بين العساكر، وهو ما أشار إليه الدكتور جورج جحا فى تقرير مهم نشرته وكالة أنباء «رويتر» عن كتاباتي،بعد سنوات من الصمت أعود إلى نفس الأجواء فتنشر لى هيئة الكتاب رواية ثانية هى «وميض تلك الجبهة» 2008، وكتب عنها الروائى سيد الوكيل دراسة مطولة بحث فيها عن جماليات الكتابة، وأتصور أن ارتباط اسمى بأدب الحرب جاء نتيجة الجهد الذى قمت به للحفر بدأب وإخلاص عن المعانى الوطنية الكامنة فى قلب المحنة . كان من الضرورى للمقاتل المصرى أن يحمى ظهر عائلته، وأفراد اسرته، وبنى وطنه، وأن يوفر لهم الأمن والحماية خاصة فى ظل الوقوف الصريح لأمريكا خلف العدو وإمداده بالتقنيات والسلاح المتقدم، كان على هذا الجندى البسيط بسلاحه الفردى مهمة الإجابة عن سؤال المصير، وعن سؤال الهوية، وأظن أن الجواب كان بليغا، فى هذا السياق استدعى ديوان «الخيول» 1982، والذى حوله محمد الشربينى إلى عرض مسرحى بعنوان «غنوة للكاكي» وفيه معالجة فنية لمعنى حرب أكتوبر وتداعياتها، وقدم العمل فى المهرجان الأول لنوادى المسرح بمدينة دمياط، 1990، وأتصور أن «وجوه من أكتوبر» الذى قدمتها فى الإذاعة المصرية من إخراج مجدى سليمان، قد حرصت على أن تجسد معنى الصدق والإخلاص والعطاء حتى فى أوقات الحرب الصعبة حيث يتجلى المعدن الحقيقى للإنسان المصرى المعروف بالشهامة و«المجدعة».. فى الختام يقول الشاعر الكبير مصطفى العايدى: تظل حرب أكتوبر المجيدة / العاشر من رمضان بالنسبة لى علامة مضيئة لتجربة فريدة ومدهشة، قد يصعب التعبير عنها مباشرة بالشعر .. فهى باختصار أنشودة للنصر.. تفوح بالشذا ،عرفتها حينئذ كمقاتل مصرى ومجند بالقوات المسلحة، شاء الله تعالى أن أكون ممن عبروا إلى الضفة الأخرى لقناة السويس فى الموجة الأولى للعبور.. بعد انتظار وترقب يزيد عن سبع سنوات من الجهد والمشقة والتدريب، وهى فترة يعرفها أبناء الوطن ويتذكرها زملائى ممن خاضوا معركة العبور، وسعوا بشجاعة وإيمان وحب خالص وانتماء ووفاء وصبر، لاستعادة الأرض ورد العدوان،وكما نقول نحن.. فى نظريات النقد الأدبى.. «إن النقد لا يقدم «الشعر» كما هو فحسب.. بل يقدم رؤيته لهذا الشعر!