اللواء عبد المنعم كاطو يكشف مراحل الإعداد لحرب أكتوبر ونتائج النصر

اللواء أ. ح .م. عبد المنعم كاطو
اللواء أ. ح .م. عبد المنعم كاطو
في تاريخ مصر أحداث عظيمة رسمت مسار حضارتها، وبنت العقيدة التي تربط أبناء مصر بوطنهم الغالي، وتسمو بالقيم الوطنية، وتزيد من أسس الولاء والانتماء لبلدنا مصر.


ومن أهم الأحداث في تاريخ مصر المعاصر، هو نصر أكتوبر المجيد، والذي نعيش ذكراه الرابعة والأربعين في هذه الأيام، ونتلمس من دروسه طريقنا إلى بناء مصر الحديثة.


وعن حرب أكتوبر قال اللواء أ. ح .م. عبد المنعم كاطو، إنها لم تكن حرباً عدوانية، بل كانت حرباً شرعية، ترتبت على حرب سبقتها وهى حرب يونيو 1967، كما أنها الحرب التي لم يكن بداً منها حتى تستعيد مصر والعرب حقوقهم وكرامتهم وتحرير أرضهم المغتصبة.


وأضاف أنه بفضل روح أكتوبر كقيمة من قيم العسكرية المصرية التي تولدت عشية إيقاف النيران في حرب يونيو 1967، ونمت وكبرت مع كل جهد بذله المقاتلون ليضيفوا جديداً مع كل اشتباك، وتصقلها دماء الشهداء، وعرق المقاتلين في التدريب وبناء المسرح حتى اكتملت تماماً صباح السادس من أكتوبر.


وأوضح "كاطو" أن العسكرية المصرية – صانعة نصر أكتوبر العظيم - هي خليط من صفات الفروسية المتأصلة عند العرب، وهى محصلة العبقرية التي تولدت وعاشت بين أبناء مصر من آلاف السنين ومنحتها الإصرار والقوة والعزم الموروثة عن أجدادهم القدماء، وهى نتاج التحضر والإيمان والديمقراطية المتأصلة في شعب مصر المؤمن، وكل ذلك ينصهر في بوتقة العلوم وعصر المعلومات لذلك فإن روح العسكرية المصرية التي تحلى بها شعب مصر العظيم وقواته المسلحة وهيأ من خلالها سبل النصر، قد نبعت من المسئولية المطلقة التي يتحملها القادة والأفراد في وقت واحد، والدقة في التخطيط والجرأة في التنفيذ والمخاطرة المحسوبة.


بالإضافة إلى الالتزام بالعمل والتعاون بين الجميع لتحقيق الهدف، والتضحية من أجل الوطن، مهما كانت تكاليف تلك التضحية، ووقوف الشعب خلف قواته المسلحة في مرحلة الإعداد وإدارة الحرب والثقة المتبادلة بين الشعب وجيشه.


وتابع: من هنا، فقد كانت حرب أكتوبر فريدة في خصائصها، وجاءت كثورة جذرية كاملة قلبت مفاهيم الحرب التقليدية وغير التقليدية، وقال عنها خبراء الإستراتيجية "لا يحق لأي جيش على مستوى العالم أن يدعى أنه كان بإمكانه الإعداد والتخطيط لحرب أفضل مما قامت به القوات المسلحة المصرية" كما وصفها العالم الكبير جمال حمدان بأنها حرب محدودة ... ولكنها كثيفة وحرب طويلة ... ولكن بدايتها خاطفة، حرب طيران حسمتها الصواريخ، وحرب دبابات انتصرت فيها المشاة، وهى حرب التقنية المتقدمة ضد القوى البشرية، وهى أول حرب هجومية يكون فيها التفوق للمدافع، وهى الحرب التي قامت من أجل تحقيق السلام الدائم والعادل في المنطقة.


وأشار اللواء عبد المنعم كاطو، إلى أن هناك معادلة وضعها مخططو الإستراتيجية المصرية نصب أعينهم، عند تحديد الهدف السياسي العسكري للحرب، وهي أن النصر في المعركة سيؤدى إلى إحداث توازن في القوى، والتوازن "لو تحقق" هو الذي سيؤدى إلى تحقيق سلام عادل ودائم، والسلام "القوى" سيؤدى إلى تحقيق التنمية وتعويض خسائر الحرب، والتنمية هي التي ستؤدى إلى الرخاء وتنامي قوى الشعب وعودته إلى جذوره الحضارية المعروفة عنه، وقبل كل ذلك، فإن الإعداد الجيد وتصحيح أخطاء الجولة السابقة هو الذي سيحقق النصر المبين.


 وأكد "كاطو" أن هناك العديد من الإحصائيات عن الإعداد لنصر أكتوبر العظيم، فالإعداد للحرب استغرق 2310 يوماً أو ست سنوات وحوالي أربعة أشهر، وتم الإعداد على أربعة مراحل:
- إعادة البناء (وبما أطلق عليه الصمود أو التهدئة، واستمرت لمدة 14شهراً من شهر يونيو 1967 وحتى أغسطس 1968.


- تنشيط الجبهة واستمرت لمدة ستة أشهر (سبتمبر 1968 – فبراير 1969).


- تسخين الجبهة  (أو بما أطلق عليها حرب الاستنزاف) لمدة 500 يوماً من 8مارس 1969 – 8أغسطس 1970.


- الاستعداد النهائي للحرب لمدة ثلاث سنوات، وحوالي ثلاثة أشهر.


وأوضح أن حجم التجهيزات الهندسية في مسرح العمليات استخدم فيه مواد هندسية تعادل بناء عشرة أهرامات بحجم الهرم الأكبر، وتجهيز طرق بحجم أطوال الطرق بمصر في هذا الوقت، مضيفا أن اختيار توقيت الحرب، تم من خلال دراسات عميقة شاركت فيها قيادات القوات المسلحة، وظلت سرية تماماً، وتم تنسيقها مع الشقيقة سوريا ولم يعلن توقيت الحرب للقيادات التعبوية إلا مساء يوم 4أكتوبر، ووضع جدولاً لإبلاغ التوقيت للمستويات الميدانية، وآخره الجنود حيت يتم تلقينهم في الثانية عشرة ظهر نفس يوم الحرب (6أكتوبر) .


وقال "كاطو" إن خطط إعادة البناء نظمت بأسلوب غاية في الدقة حيث تتسارع للوصول إلى الكفاءة القتالية المطلوبة لبدء الحرب، وكان التدريب على المعدات يسبق وصولها الفعلي إلى الموانئ المصرية، بحيث تستكمل الوحدة وتعلن استعدادها بمجرد وصول تلك المعدات.


وأضاف أن استعادة كفاءة القوات لم يكن بالأمر اليسير ولكن كانت هناك عقبات كثيرة تطلب تذليلها الكثير من الجهد سواء من القيادة السياسية أو العسكرية، ولم تكن الأجواء سهلة وميسرة في مرحلة الإعداد، بل كانت متوترة تماماً وتتخللها معارك ضخمة أو محدودة، كما لعبت الدعاية والحرب النفسية أثراً عميقاً في تحدي أبناء مصر لكل العقبات وتحقيق النصر، وهنا لابد أن نذكر لشعب مصر العظيم وقوفه إلى جوار قواته المسلحة وبذل التضحيات العظيمة من اجل استعادة الكرامة وتحرير سيناء .


فالشعب المصري ربط الأحزمة على البطون وقبل تحول الاقتصاد إلى اقتصاد حرب حيث بلغ الإنفاق العسكري من 30 – 40 % من حجم ميزانية الدولة، إلى جانب التعبئة من القطاع المدني إلى القطاع العسكري، شاركت كل الشركات المدنية في الإعداد للحرب دون أي شكوى من تأخير في سداد ثمن المطالب أو غيرها، وجادت الأسر المصرية بأعز أبنائها المثقفين لكي ينضموا إلى صفوف الجيش، وكان تجنيد المؤهلات العليا ركيزة من ركائز بناء القوات المسلحة، وتحمل الشعب المصري – دون أي شكوى – ويلات غارات العمق في حرب الاستنزاف وكانت إسرائيل تقصد منها ثورة الشعب على قيادته السياسية.


وتابع: في 6 أكتوبر تحولت مصر بالكامل إلى المدينة الفاضلة، حيث لم ترتكب جريمة واحدة على أي مستوى في أرجاء البلاد، والكل ناشد المشاركة في الحرب، أما الحرب نفسها فقد استغرقت 22يوم قتال (6-28أكتوبر) وتمت على أربع مراحل:
- مرحلة تحقيق المهمة الأساسية (6-13أكتوبر) وهى بمثابة مراحل النجاح الأساسية التي تم فيها تدمير خط بارليف، والوصول إلى خط تقسيم المياه على عمق 12-15كم من قناة السويس.


- مرحلة تطوير الهجوم (يوم واحد) 14أكتوبر، واصطدم بالاحتياطيات الإستراتيجية للعدو، وصدرت الأوامر له بالعودة لتعزيز رأس الكوبري.


- مرحلة صد الهجوم المضاد شرق القناة (15-18أكتوبر).


- مرحلة الثغرة (18-28أكتوبر) واستمرت فيها المعارك شرق وغرب القناة.




واستكمل "كاطو": أنه أعقب ذلك حرب الاستنزاف لمدة ثمانين يوماً، حتى انسحبت القوات الإسرائيلية المحدودة من غرب القناة عقب اتفاقية فض الاشتباك الأولى في 17يناير 1974، ومن خلال هذه الجولة الطويلة فقد أجبرنا إسرائيل على التوجه نحو السلام وليس التخطيط الدوري للعدوان ضد العرب، وأجبرناها على التخلي عن نظرية أمنها في بناء إسرائيل الكبرى من النيل للفرات على حساب العرب، وأجبرناها على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في دولتهم، بعد أن كانت ترفض ذكر مجرد كلمة فلسطين، وحققنا علو كعب العسكرية المصرية، وانبعاث الحضارة المصرية من جديد، وأكدنا ثقة الشعب في قواته المسلحة. 


وأوجز اللواء عبد المنعم كاطو نتائج الحرب، في أربعة نقاط، أولها على المستوى الوطني تحقق النصر والتوازن لكي تبدأ بعده مرحلة السلام التي نجنى ثمارها الآن، وثانيها على المستوى السياسي، فقد غيرت الحرب الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط وألغت إدعاءات إسرائيل بأن حدودها تصل إلى آخر جندي يقف عندها، وثالثها على المستوى الاقتصادي غيرت نظم العالم الاقتصادية وقلبت الموازين نتيجة لارتفاع أسعار البترول، وأخرها على المستوى العسكري، فقد أحدثت ثورة في الإستراتيجيات ونظم التسليح والقيادة والسيطرة .