عن زيارة الرئيس الرابعة للأمم المتحدة

ياسر رزق يكتب : قمة السيسي وترامب .. الأقوال والأفعال

الكاتب الصحفي ياسر رزق
الكاتب الصحفي ياسر رزق
- ياسر رزق يكتب عن زيارة الرئيس الرابعة للأمم المتحدة
- هل يكرر كيسنجر مقولته للرئيس بعد 3 سنوات؟
- قمة السيسى وترامب.. الأقوال والأفعال!

منذ 3 سنوات بالضبط، كان هنرى كيسنجر ثعلب الدبلوماسية ووزير الخارجية الأمريكى الأشهر، ضيفاً على الرئيس السيسى فى إفطار عمل بمقر إقامته فى فندق «بالاس» بنيويورك، دعى إليه أيضا برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومى فى إدارة بوش الأب ومادلين أولبرايت وزيرة الخارجية فى عهد كلينتون.
كانت تلك هى الزيارة الأولى التى يقوم بها السيسى إلى نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى أول اطلالة له على المجتمع الدولى بعد مرور 13 أسبوعاً فقط على توليه منصب الرئيس.
أنصت كيسنجر إلى السيسى وهو يتحدث عن الوضع الداخلى فى مصر، وعن رؤيته للوضع فى المنطقة العربية، وعن قضية الإرهاب وتداعياتها المحتملة.
ثم قال وهو يتفرس فى ملامحه من وراء نظارته السميكة: سيدى الرئيس.. لقد سمعتك من قبل تقول للإدارة الأمريكية «لا تديرى لنا ظهرك». وأنا أقول لك إنهم سوف يأتون لكم ويقولون: «قفوا بجانبنا»!
حينذاك كان السيسى يستخدم كل أدواته بهمة ومهارة، لتحريك مياه راكدة، وربما آسنة، بين جسور النيل، وجسور نهر «بوترماك» فى واشنطن، ولشق ثغرة فى جدار عزلة شبه دولية، فرضت على مصر بعد ثورة الشعب فى الثلاثين من يونيو 2013.
نجح السيسى فى مسعاه الأول فى تحريك بعض المياه لبعض الوقت، وتمكن فى مسعاه الثانى من هدم الجدار هدماً.
< < <
يوم غد.. يلتقى السيسى مع كيسنجر للمرة الثالثة فى غضون 36 شهراً، ضمن جمع من صناع السياسة وكبار المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين، غداة وصوله إلى نيويورك للمشاركة فى اجتماعات الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة فى الحضور الرابع له على التوالى لهذا المحفل الدولى الأهم.
ربما يسمع السيسى هذه المرة شيئا مشابهاً من كيسنجر كالذى سمعه منه فى لقائهما الأول، قبل 3 سنوات مضت.
وربما يقول السيسى هذه المرة رداً مماثلاً كالذى أجاب به على سؤال من شخصية سياسية كبيرة فى لقائه مع نخبة من صناع القرار الأمريكى خلال زيارته الأولى إلى نيويورك.
يومها.. قال السياسى الأمريكى للرئيس: لماذا تبدو مشاعر الرأى العام غير ودية تجاه الولايات المتحدة؟
وكان رد الرئيس: لأنه يشعر بالخذلان!
< < <
نعم.. الخذلان بعد الاستبشار، هو شعور الرأى العام المصرى تجاه إدارة ترامب، برغم كل ما قيل من وعود قاطعة لمصر وسياستها واقتصادها ومن كلمات طيبة عن رئيسها ومواقفه، وردت على لسان ترامب فى السر والعلن، منذ عام بالضبط فى لقائه الأول بالرئيس السيسى بنيويورك قبل خمسة أسابيع من إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية، وفى قمتهما الأولى بواشنطن منذ خمسة شهور مضت.
ففى الشهر الماضى.. قرر الكونجرس الغاء مبلغ 95.7 مليون دولار من المساعدات الأمريكية المخصصة لمصر عن عام 2016، وقرر ريكس تيلرسون وزير الخارجية تعليق صرف 195 مليون دولار أخرى من تلك المساعدات بدعوى انتظار تحسن ملف حقوق الإنسان فى مصر وإلغاء التقييد على الجمعيات الأهلية بها.
ومنذ عشرة أيام.. دعت اللجنة الفرعية للمساعدات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى إلى إلغاء 300 مليون دولار من المبلغ المخصص للمساعدات العسكرية لمصر عن عام 2018.
وبين الموقفين.. صدر تقرير عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأمريكية يفوح بعطن الكذب عن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، ويبوح بنية مبيتة للإساءة إلى النظام المصرى بكل أشكال الافتئات.
ووسط كل ذلك.. بدا موقف الإدارة الأمريكية، وبالذات وزارة الخارجية مائعاً تجاه الأزمة العربية القطرية، فى وقت تعلم أجهزة الاستخبارات الأمريكية يقينا الدور القطرى فى تمويل التنظيمات الإرهابية والتحريض على ارتكاب جرائم الإرهاب ضد مصر ودول الخليج، ونسمع الرئيس الأمريكى يتحدث بكل قوة عن عزمه اتخاذ تدابير فعالة ضد الدول الداعمة للإرهاب!
تلك المواقف المتواكبة، بدت مغايرة لتيار المياه الجارية بين القاهرة وواشنطن منذ مطلع هذا العام وتحديداً منذ تولى الرئيس ترامب مهام منصبه فى البيت الأبيض.
وتلك الأفعال بدت مناقضة لما قيل من تعهدات، وبدا معها أن مؤسسات صنع واتخاذ القرار الأمريكى صارت حكومات متعددة، واحدة فى البيت الأبيض، وأخرى فى وزارة الخارجية، وثالثة فى البنتاجون، ورابعة فى مجلس الأمن القومى، وخامسة فى الكونجرس وهى للغرابة حكومة ائتلافية تجمع جمهوريين مع ديمقراطيين، فى سياسة غير ودية -ولا أقول- عدائية تجاه مصر 30 يونيو، التى تخوض حرباً ضارية منذ أكثر من 4 سنوات ضد الإرهاب دون ظهير لها إلا شعبها، وتباشر مهمة لا يستطيع غيرها النهوض بها، من أجل تهيئة الصف الفلسطينى لخوض مفاوضات سلام، تحلحل الجمود، وتمهد الطريق لصفقة سلام القرن - على حد تعبير ترامب نفسه- بين الفلسطينيين وإسرائيل.
< < <
لقاء الغد فى فندق «بالاس» بين الرئيس السيسى يضم بجانب كيسنجر دبلوماسيين وعسكريين سابقين ومسئولين بالإدارات الأمريكية المتعاقبة، أمثال دينيس روس مساعد وزير الخارجية الأسبق لشئون الشرق الأوسط وستيفن هادلى مستشار بوش الابن وساندى بيرجر مستشار كلينتون للأمن القومى وريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية والجنرال مايكل مولين رئيس هيئة الأركان المشتركة الأسبق والجنرال جون أبى زيد قائد القيادة المركزية الأسبق.
اختار الرئيس أن يستهل لقاءاته فى نيويورك بهذا الاجتماع لمخاطبة شخصيات مؤثرة على صناعة القرار الأمريكى حول الوضع الداخلى، والقضايا الثنائية، وقضية السلام، ورؤيته لأزمات المنطقة، ولكى يستمع أيضاً إلى آرائهم واستفساراتهم ويوضح الحقائق إزاء كل ما يطرح.
وحرص الرئيس على أن يكون أول نشاط له فور وصوله إلى نيويورك مساء اليوم هو مخاطبة الرأى العام الأمريكى عبر وسائل الإعلام، وبالتحديد شبكة «فوكس نيوز» واسعة الانتشار والتأثير، والأقل انحيازاً ضد مصر من بين شبكات التليفزيون والصحف التى تجاهر بالعداء للرئيس ترامب وسياساته.
ظهر الغد.. يلتقى الرئيس السيسى على غداء عمل، مع أعضاء غرفة التجارة المصرية الأمريكية بمشاركة رؤساء شركات عملاقة لها استثمارات كبرى فى مصر، وسيكون هذا اللقاء الذى صار تقليداً سنوياً فى زيارات الرئيس إلى نيويورك، فرصة لعرض الإجراءات المحفزة للاستثمار بعد صدور القانون الجديد، ونتائج اجراءات الاصلاح الاقتصادى التى كانت ذروتها تحرير سعر الصرف فى نوفمبر الماضى، وطرح فرص الاستثمار فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومشروعات النقل والبنية الأساسية والمدن الساحلية الجديدة والعاصمة الإدارية.
وفى المساء.. يلتقى الرئيس على عشاء عمل مع أعضاء مجلس الأعمال للتفاهم الدولى، وهو منتدى تأسس فى عهد الرئيس ايزنهاور منذ 62 عاماً، يوفر أرضية مشتركة بين المجالين الدبلوماسى والتجارى، وهذا هو اللقاء الرابع للرئيس مع أعضاء المجلس فى غضون 3 سنوات.
< < <
على أصداء تلك اللقاءات، وفى أجواء الإشارات الأمريكية المتناقضة، وفى خضم مشاعر مصرية يختلط فيها إحساس الخذلان بغضب مكبوت، يتم اللقاء الثالث يوم الأربعاء المقبل، بين السيسى وترامب، وتنعقد القمة الثانية بين الرئيسين خلال خمسة شهور.
دونما استباق لوقائع لقاء لم يتم بعد ومجريات محادثات لم تبدأ، أحسب أن جوهر القصد المصرى فى هذه القمة، هو أن تطابق أفعال الإدارة الأمريكية أقوال الرئيس ترامب، وأن تتسق المواقف الأمريكية مع الطبيعة الاستراتيجية لعلاقات البلدين.
يريد الرئيس أن تكون مواقف الإدارة الأمريكية كمواقف القيادة المصرية التى عبر عنها فى لقائه بواشنطن مع ترامب، حينما قال: «سياستنا لها وجه واحد، نحن لا نقول إلا ما نفعل، وإذا وعدنا لابد أن نفى». وظنى أن القيادة المصرية لا تشك فى وعود ترامب وتعهداته، لكنها تطلب أن ترى ترجمة لها على أرض واقع السياسة والاقتصاد.
وهناك إشارة لن تخفى على المراقبين، وهم يتابعون قمة الأربعاء بين الرئيسين لعلها تفصح بجانب التقدير الشخصى من جانب ترامب للسيسى، عن رغبة واضحة فى تأكيد حرصه على علاقات إدارته بمصر، ولعلها أيضا تنبئ بنتائج للقمة تزيل عراقيل وضعت أمام انطلاقة مرجوة للتعاون المصرى الأمريكى.
فلقاء القمة بين السيسى وترامب لن ينعقد فى المبنى الزجاجى للأمم المتحدة، على هامش حضورهما اجتماعات الجمعية العامة، ولن يتم فى مقر إقامة الرئيس الأمريكى بنيويورك خلال مشاركته فى تلك الاجتماعات، وإنما حرص الرئيس ترامب على أن يكون اللقاء فى مقر إقامة الرئيس السيسى، وهو سابقة فى أعراف اللقاءات المعدودة المحددة لأى رئيس أمريكى على هامش هذا المحفل السنوى الدولى الذى يحضره فى كل عام ما يزيد على 150 من رؤساء الدول والحكومات.
< < <
الشق الدولى لنشاط الرئيس السيسى خلال زيارته لنيويورك، يبدأ بعد غد «الثلاثاء» داخل المبنى الزجاجى للأمم المتحدة الذى يقع فى الجادة الأولى بجزيرة منهاتن، على الضفة الغربية لنهر «هدسون».
يشهد الرئيس فى قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة التى يكسو جدرانها اللونان الزيتى والذهبي، جلسة النقاش العام، التى يتحدث فيها القادة ورؤساء الوفود المشاركون فى الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة التى تنعقد هذا العام تحت عنوان «التركيز على الشعوب: السعى إلى تحقيق السلام والحياة الكريمة للجميع على كوكب مستدام».
وتستهدف الاجتماعات حسبما أعلن السلوفاكى ميروسلاف لايتشاك رئيس الدورة الحالية للجمعية اعتماد أول اتفاق بشأن الهجرة وتصديق العديد من الدول على اتفاقية القضاء على الأسلحة النووية والحفاظ على الزخم اللازم لتنفيذ وتمويل أهداف الأمم المتحدة لتحقيق التنمية المستدامة.
سيكون الرئيس السيسى هو خامس المتحدثين من قادة الدول فى جلسة النقاش العام الرئيسية، ووفقا لمصادر مطلعة سوف تتناول كلمة الرئيس رؤية مصر للقضية الرئيسية المطروحة على اجتماع الجمعية العامة، والموضوعات الخاصة بأزمات المنطقة العربية وقضية السلام فى الشرق الأوسط، كما ستتناول قضية الإرهاب وسبل مكافحة هذه الظاهرة، وضرورة تضافر جهود المجتمع الدولى لمجابهة الجماعات الإرهابية أيا كانت مسمياتها، ومعاقبة الدول الراعية للإرهاب.
وعلى هامش مشاركته فى الاجتماعات، يعقد الرئيس السيسى سلسلة من اللقاءات داخل مقر الأمم المتحدة مع عدد من قادة الدول، فى زيارته لنيويورك واطلالته الرابعة على المجتمع الدولى عبر منصة الجمعية العامة.
فى الزيارات الثلاث الماضية التقى الرئيس السيسى مع 55 من رؤساء دول وحكومات يمثلون 5 قارات.
وحتى كتابة هذه السطور، كانت الترتيبات مازالت تجرى لتنظيم جدول أعمال لقاءات الرئيس مع عدد كبير من قادة الدول الذين طلبوا الالتقاء به، وقد تم بالفعل الاتفاق على عقد لقاءات مع رؤساء رومانيا والبرازيل وصربيا وباراجواى من بين سلسلة اللقاءات المنتظر أن تتم.
وفى يوم الأربعاء، يشهد الرئيس السيسى جلسة مجلس الأمن الخاصة باصلاح عمليات حفظ السلام، ضمن 15 من القادة ورؤساء الوفود والمندوبين الدائمين الأعضاء بمجلس الأمن، بوصف مصر أحد الأعضاء غير الدائمين بالمجلس لعامى 2016، 2017.
ومن المقرر أن تكون للرئيس السيسى مداخلة مهمة فى هذه الجلسة تتناول رؤية مصر وتجربتها، بوصفها الدولة السابعة الأكثر مشاركة فى عمليات حفظ السلام الدولية.
< < <
يبدو جدول أعمال الرئيس السيسى مزدحماً على مدى الأيام الخمسة لزيارته الرابعة لنيويورك التى تبدأ مساء اليوم، وتنتهى يوم الخميس بلقاء مع جيم يونج كيم رئيس البنك الدولى.
غير أن الأنظار برغم أهمية مشاركة الرئيس فى اجتماعات الجمعية العامة، ولقاءاته المنتظرة مع عديد من قادة دول العالم، تظل مركزة على القمة الثانية التى ستجمعه بالرئيس ترامب يوم الأربعاء، عساها تبدد غباراً ثار فى أجواء العلاقات، وتزيل مطبات اصطنعت فى مسار التعاون، وتؤكد على أفعال قادمة تصدق أقوالاً سبقت.