هو تساؤل عنها وعن قدرها ومقامها وفضلها.. تساؤل من الله يسأل عنه رسوله.. ويسأل عنه المؤمنين جميعا.. يقول تعالي : «إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر»!
ولكن لماذا يسأل الله عن قدرها؟ أليس هو العالم بشأنها.. أليس هو من منحها فضلها العظيم؟ أليس هو من قدّرها وحباها سر وجودها المخبوء!
التحري عن إجابة السؤال يأخذنا إلي الدهشة وإلي الخيال الإيماني الوجداني الرائع الذي يخترق قلوبنا وعقولنا.. فيشوقنا لها، ويجعل منا طُلّابها ومُريديها ومُنتظريها.. ويحرض عقولنا علي المزيد من التأمل من أجل معرفة القيمة الكبيرة لتلك الليلة الفريدة.. الليلة الإيمانية التي لا تدانيها ليلة.. ولا تشبهها ليلة.. فبحسابات المقام.. أعلمنا الله أنه ما من ليلة تملك مقامها.. فمقامها مُستمد مما حُمّلت به من فضل فهي ليلة أُنزل فيها القرآن.. وبحسابات الزمان فما من ليلة تملك فضلها في جزاء العبادات.. فهي ليلة تعدل ألف شهر.. فإذا صليت ليلتها، وأنت مؤمن ومحتسب فقد صليت ما مقداره صلاة ألف شهر أي ما يقارب 84 عاما، وكذا إذا قمت ليلها فقد احتسب لك قيام ألف شهر.. وإذا دعوت الله فقد دعوت ما مقداره ألف شهر.. وإذا حصلت علي الثواب والجزاء فقد حصلت علي ثواب وجزاء ألف شهر بإذن الله !
وكيف لا؟ والله ورسوله يبشراننا بأنها الليلة التي من أجلها يحلو القيام.. ويُستحب التعبد.. ويُجاب الدعاء.. وتحف بنا الملائكة في الأرض.. ينزلون إلي أرضنا الدنيا بالرحمات والبركات والسكينة.. يحتفون بذكري نزول القرآن الكريم، وعلي رأس الملائكة يتنزل جبريل عليه السلام، وكيف لا وهو من شرّفه الله بأنه مٌبلغ رسولنا الكريم به.. وذلك ليشهد الله ورسوله وملائكته، بأن الليلة هي ليلة العطاء والكرم الإلهي لعبيده المؤمنين.. ممن استجابوا لرمضان وآمنوا وتعبدوا، وصاموا نهاره وقاموا ليله وصبروا علي جوعهم وعطشهم وقاوموا شهواتهم وصانوا ألسنتهم وأطعموا فقيرهم وزكوا عن أنفسهم وانتظروا ليلتهم.. فكانت بشراهم وجائزتهم الكبري الفوز بالجنة وبلذة النظر إلي وجه الله الكريم ومرافقة نبينا العظيم، وأن نطفئ صوم الدنيا وعطشنا فيها بشربة هنيئة مريئة من يده الكريمة!
وماذا يتبقي؟ يتبقي ألا تفوتنا هذه الليلة العظيمة.. التي أراد الله أن يخفي موعدها الأكيد عنا، ذلك أن الله أراد لنا خير ليالي كثيرة نتعبد فيها ونزداد.. ونطمع فيها بالفضل ونزداد.. وندعو ونزداد.. ذلك أن رسولنا عليه السلام كان إذا دخل العشر الأواخر، شد مئزره.. وأحيا ليله.. وأيقظ أهله.
مسك الكلام..
«اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنا» وارزقنا بفضلك العفو والرحمة والعتق يا كريم يا حنان يا منان.