رجال صنعوا النصر| 7 أكتوبر.. ملحمة «متلا» أرعبت العدو الإسرائيلي

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

تعد موقعة «متلا» واحدة من كبرى المعارك التي شهدتها ساحة العبور والتي بثت الرعب في قلب العدو وأرهبته، ويعد التعاون بين الجيشين الثاني والثالث والأسلحة المختلفة له دور كبير في نجاح تلك المعركة.. ففي ليلة السابع من أكتوبر قامت قوات الجيشين الثاني والثالث الميدانيين بمعاونة القوات الجوية بصد الهجمات المضادة احتياطيات العدو المحلية والقريبة والتكتيكية والتعبوية والتي بلغ تعدادها ثلاث ألوية مدرعة إلى عناصر الألوية المشاة التي كانت تتمركز شرقي القناة مباشرة.

وأبلغت قيادة قوات «متلا» أن الدبابات المصرية تحاصرها من كل جانب حيث قامت أقسام صغيرة من الفرزة البرمائية التي عبرت البحيرات المرة واندفعت دبابتها لتبث الذعر في مواقع العدو فانطلقت سرية ميكانيكية برمائية ومعها بعض الدبابات الفردية صوب مشيق «متلا» على حين اتجهت سرية أخرى صوب مضيق الجدى وتابعت السريتان تقدمهما فقامت الأول بمهاجمة قيادة القطاع الجنوبي التمركز عند مدخل مضيق «متلا» وذلك في الساعة 810 ثم واصلت هجومها ضد أهداف العدو الخلفية وكبدت العدو خسائر لا يستهان بها قبل أن تعود لتنضم إلى قواتنا الرئيسية في رؤوس الكباري في حين قامت السرية وهاجمت بعض المواقع الصغيرة للعدو وتجنبت الدخول معه فى معركة طويلة حيث كان هدفها الوصول إلى مطار تمادا لتباغته وقد نجحت في ذلك.

وكان لأعمال تلك القوات الصغيرة أكبر الأثر فى إرباك العدو وإخلال تحركاته وانهيار قيادته إذا تصور العدو أن الدبابات المصرية لن تتوقف قبل أن تصل إلى الحدود.

ولاحتواء الموقف قام ديان فى الساعة 1140 بالتوجه إلى جبهة سيناء إلا أن جونين نصحه بالابتعاد لوجود قوات مصرية على التلال المحيطة بمركز القيادة واحتمال تعرضه للنيران أصبح أمرًا واردًا إلا أن ديان نزل على الجبهة في سيناء وطلب تقريرًا عن الموقف، الذي قدمه له جونين ونصح فيه بالانسحاب بكل القوات إلى الجبال مع ترك الحصون لمصيرها وفي الساعة 1430 وصل «ديان» إلى الأركان العامة بتل أبيب وكان ديان شديد التشاؤم وكان يقول: «يجب الدفاع عن دولة إسرائيل ولن نتمكن من ذلك مالم نقصر خطوط المواصلات ونترك خليج السويس كله ولا مانع من أن نبقى قوة في شرم الشيخ».. وعرض «ديان» فكرة الانسحاب على «مائير» إلا أنها استدعت «اليعازر» الذي عارض فكرة ديان وأصر على التشبث بالخط الدفاعي والذي يقع بين الممرات والقناة حتى يبدأ منه جونين الهجوم المضاد في اليوم التالي.

وعقب ذلك كان «جونين» قد أعاد تنظيم النطاقات بجبهة القناة استعدادا لشن هجوم مضاد في الصباح ورسم الحدود بين هجوم مجموعة آدن في الشمال ومجموعة شارون في الوسط ومجموعة كندلر في الجنوب وقد اقترح شارون الهجوم ليلا لإنقاذ الأحياء في الحصون إلا أن جونين رفض هذا الرأي وسفهه.

وبعدها وصل «اليعازر» إلى مركز قيادة جبهة سيناء وبرفقته الجنرال إسحاق رابين والتقى بجونين بالإضافة إلى قادة الفرق الإسرائيلية الجنرالات مندلر وآدن وشارون وقد تاخر الأخير لعطل أصاب طائرته فلم يصل إلا واليعازر يتأهب للعودة إلى تل أبيب وبعد أن استمع اليعازر إلى وجهات النظر المختلفة أمر جونين بتنفيذ الهجوم المضاد في صباح اليوم التالي. 

وبعد ذلك رفع جونين قوة مظلات إلى سدر ليخلي مندلر من مسئولية هذه المنطقة النائية حتى يتفرغ للهجوم المضادة في النطاق المخصص له من جبهة القناة. 

وفي الصباح كان للجيش الثاني على الضفة الشرقية للقناة عدد من الدبابات فضلا عن الأسلحة المضادة للدبابات وكتائب مدفعية الميدان وغيرها من أسلحة القتال وكانت معابر الفرقة السادسة مشاة معدة منذ الصبح لعبور وحدات الجيش الثالث الميداني إذا تطلب الأمر ذلك.

وكانت للشرطة العسكرية وأفراد مراقبة المرور دور كبير، حيث ارشدوا الجميع إلى محاورهم حتى ينضموا بسرعة إلى وحداتهم التى كانت تشتبك بعنف داخل رؤوس الكباري ورغم أن هذا تم في الظلام إلا أنه تم بطريقة مثالية مما ترتب عليه وصول الأسلحة والمعدات الثقيلة إلى أماكنها المخططة فى الوقت المناسب لتقلب موازين القوى لصالح الجيش المصري. 

وفي المقابل ركز العدو هجماته الجوية ونيران مدفعيته على الكبارى لإحباط عبور القوات المصرية إلا أن المعابر الهيكلية امتصت هذه الضربات. 

وازدادت مع إشراقة شمس السابع من أكتوبر حدة الهجمات الجوية المصرية عنفا وكثافة وزاد تنظيمها، وراحت تستخدم أسلوبًا أفضل وهو الاقتراب على ارتفاعات منخفضة جدًا تجنبًا لكشف الرادار لها ثم ترتفع فجأة لتلقى بقنابلها وفي نفس الوقت سقط عدد كبير من طائرات العدو فى حين استمرت عملية العبور تتدفق تباعا للضفة الشرقية لتحطم عددًا كبيرًا من الحصون المعادية.

وفي صباح ذلك اليوم وقواتنا الجوية تضرب احتياطيات العدو التعبوية وتلحق بها طوال أيام القتال التالية أفدح الخسائر فى الدبابات والمعدات والأسلحة والأفراد.

أما القاذفات فقد انطلقت من القواعد لتصب الدمار على أهدافها المنتخبة وتلقى مئات الأطنان المهلكة على مطارات سدر والطور وتبيد وتشتت تجمعات العدو المدرعة وقواته الميكانيكية، التى حاولت التسلل نحو الدفزوار وحطمت معابره ومراكز قياداته، بالإضافة إلى الدور الكبير للقاذفات فى حماية أهدافنا السياسية والاقتصادي من غدر العدو بوقوفها على أهبة الاستعداد لردعه إذ ما سولت له نفسه أن يقصف أهدافنا المدنية فى أى وقت خاصة وقد حسم الرئيس السادات الأمر بتأكيده قبل المعركة أن السن بالسن والعمق بالعمق و النابلم بالنابلم.

وخلال تلك المعارك لم يصب جندى واحد من جنودنا بنيران الطائرات الإسرائيلية كما لم تصب أية معدة من معدات الدفاع الجوى وكان هذا انتصارا وقطعا ليد إسرائيل الطويلة. 

وإزاء تلك الهزيمة النكراء كان على القيادة الإسرائيلية أن تغير من تكتيكات الهجوم الجوى سريعا فاتخذت أسلوبا يقضى باقتراب الطائرات على نفس الارتفاعات المنخفضة وعلى مسافة بعيدة خارج مدى نيران الدفاع الجوى ثم تلقى بالقنابل والصواريخ أثناء الصعود وتبتعد عن الهدف ومن جهة أخرى كانت صواريخ سام 6 الخفيفة الحركة قد احتلت مواقعها فى الامام فزاد مدى المظلة التى حققها الدفاع الجوى المصري للقوات البرية وأسقطت عددا آخر من الطائرات الإسرائيلية وتهاوت كمية أخرى من المظلات الصفراء تهبط فى ذلة لتدفع طيارى إسرائيل إلى أقفاص الأسرى.

ومع تدفق العبور بغزارة وازدياد المعابر قوة ومتانة وتحول الكبارى إلى شرايين وأوردة تتدفق عبرها أسباب الحياة بين الضفتين ذهابا وإيابا لم يعد أمام إسرائيل إلا أن تزيد كثافة الهجمات الجوية وكان ذلك عبئا ثقيلا حيث أدرك الطيارون الإسرائيليون استحالة اختراق هذه الشبكة المتينة التى نسجها المقاتلون المصريون بدقة رائعة فراحوا يتخلصون من حملاتهم المدمرة على المسافة التى تكفل لهم الأمن لنا والأمان.

ورغم كل ذلك إلا أن القيادة الإسرائيلية لم تسلم فدفعت بالهجمات المضادة البرية التى كان لابد لها من تأييد جوى واشتدت الطلعات الجويه التى  أسقطت أغلب حملات العدو ومنهم من فقدوا طائراتهم ووقعوا فى الأسر مما جعل القيادة الإسرائيلية تصدر أمرا مشددا إلى طياريها بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة تقل عن 15 كيلو مترا وكان ذلك بعد ثلاث ساعات من بدء القتال.

وتراوح متوسط ما يفقده العدو يوميا من طائرات فى هذه المهمة أى عند مهاجمة القوات البرية شرق القناة بين 4-6 طائرات ونتيجة ذلك تلاشت كثافة الهجمات الجوية حتى وصل الدعم الأمريكي لإسرائيل فعاد الخط البيانى إلى الارتفاع ثانية بصورة ملحوظة، حيث حققت قوات الدفاع الجوى المصرية غطاء جوى صلب قاتلت القوات البرية فى حماة فحققت المعجزة وفازت باعجاب الجميع.

وكان لقوات العدو عدة ضربات فاشلة، حيث قامت طائرات العدو بمهاجمة سبعة من المطارات المصرية المتقدمة هى بنى سويف وبير عريضة والقطامية والمنصورة وجناكليس وشبراخيت وطنطا وخصصت طائرات الفانتوم والسكاى هوك لكل واحد من هذه المطارات إلا أن العدو عندما أدرك أنه غير قادر على إخراج القوات الجوية المصرية من المعركة قلل هجماته وعلى الرغم من مهاجمة مطار القطامية ست مرات ومهاجمة مطار المنصور خمس مرات  إلا أن هذين المطارين ظلا يعملان بكفاءة تامة طوال المعركة.

وكانت هذه الخطة مكررة وليس بها أى استراتيجية لأن الخطة، التى اتبعتها القوات الإسرائيلية هي نفس خطة الخامس من يونيو 1967 والتى حققت بها نجاحا ساحقًا إلا أن قوات الدفاع الجوى المصرية وعت ما تقوم به قوات العدو ففشل الهجوم الإسرائيلي على المطارات المصرية فشلا ذريعا، حيث لم تتجاوز تحركات العدو أكثر من إلقاء قنبلة فى نهاية ممر فرعى بأحد المطارات وقنبلة زمنية أخرى بجوار مبنى منعزل فى مطار آخر أصابته بتصدع بسيط لم يمنعه من مواصلة العمل واستمرت الطائرات المصرية تقلع من هذه المطارات لتقصف أهدافا للعدو فى قلب سيناء فى نفس الوقت الذى كانت فيه المقاتلات المصرية تنتظر الطائرات المعادية قبل أن تبارح المجال الجوى المصري لتدخل معها فى معركة جوية وتدمرها فبترت ذراع إسرائيل الطويلة وخسر العدو فى هذا الهجوم عشر طائرات فانتوم وسكاى هوك وعددا من طياريه وملاحيه.

واتخذت القوات الجوية الإسرائيلية الارتفاع المنخفض فوق البحر المتوسط لتباغت مطارات شمال الدلتا ووسطها وفوق البحر الأحمر لتنقض على المطارات الأخرى وظننت أنها ستتغلب بذلك على الحقل الرادارى المصري، وتفاجئ دفاعنا الجوى إلا أن مصر هذه المرة هى من فاجأت العدو الإسرائيلي وهنا تكمن عبقرية الاستراتيجية المصرية والعقل المصري، حيث استطاعت القوات المصرية ذات التسليح الدفاعى ورغم محدودية إمكاناتها إخفاء حجم وتمركز وحدات الصواريخ وهو يعد أمرا مستحيلا إلى حد كبير مع التطور الهائل فى وسائل الاستطلاع، حيث يستطيع أى قمر صناعة أمريكية جوال أن يلتقط لها صورا دقيقة ومتجددة بصفة مستمرة.

وعلى امتداد السابع من أكتوبر حاولت طائرات العدو الإسرائيلي مهاجمة قواتنا على طول الجبهة مع التركيز على المعابر والكبارى فوق قناة السويس كما هاجم بعض المطارات على موجتين وكان الطيارون يحاولون الابتعاد عن مدى صواريخ الدفاع الجوى المصري بالإضافة إلى استخدام الإعاقة الرادارية إلا أن القوات الجوية المصرية استطاعت إسقاط عدد من طائرات  العدو وطوال ليلتي السابع والثامن من أكتوبر ظلت مجموعات العمليات الثلاث تنفيذ الفتح التعبوي للاستعداد لشن الهجوم المضاد من جانب العدو الذى تحدد له صباح الثامن من أكتوبر وقد خرج أحد التشكيلات الصاروخية من قاعدة بورسعيد بغرض اكتشاف وتدمير أية وحدات بحرية معادية تقترب من منطقة رمانه بالذات.

وفي صباح الثامن من أكتوبر اكتشف هذا التشكيل الصاروخى هدفا بحريا متوسط الحجم ودارت معركة بحرية انتهت بإغراق الوحدة الإسرائيلية وعودة تشكيلنا سالمًا إلى قواعده إلا أن صيد الغواصات المصرية فى مياه البحر الأحمر كان وفيرًا.