أجهزة التنقيب عن الآثار تباع على الإنترنت.. بلا حسيب أو رقيب

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

10 آلاف دولار سعر الجهاز ويعمل لعمق 20 مترا
البحث عن الكنوز بطرق غير مشروعة.. أكثر الأنشطة التى يقبل عليها المصريون ويمارسونها بشغف
الخبراء يطالبون بتجريم ومنع استيرادها من الخارج

خالد عثمان
حالة من الهوس بالثراء السريع انتشرت بين شريحة كبيرة من شرائح الشعب المصري والسعي وراء الوهم الكاذب بالتنقيب عن الآثار بالرغم من أن الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية أصدر فتوي تؤكد حرمة التنقيب عن الآثار والتصرف بها أو حيازتها لأن جميع الآثار من الناحية القانونية تعد من الأموال العامة للدولة ولولي الأمر وحده دون غيره حق التصرف فيها بما يعود بالنفع العام علي أفراد المجتمع لأن تصرف الحاكم علي الرعية منوط بالمصلحة كما هو مقرر بقواعد الشريعة الإسلامية.


إلا أن هناك بعض الفتاوي الضالة الصادرة من بعض شيوخ التيار الديني المتشدد نشروا عدداً من الفيديوهات علي صفحاتهم الشخصية يجيزون فيه الانتفاع بالذهب الفرعوني المعثور عليه ووجوب تكسير التماثيل الفرعونية لأنها من الأصنام  وأن ممتلكات باطن الأرض حق مكتسب لصاحب العقار.

ذلك الأمر دفع عدداً كبيراً من أفراد الشعب المصري للتنقيب عن الآثار رغبة منهم في الثراء السريع وذلك بالاستعانة بأجهزة حديثة؛ حيث تحولت صفحات التواصل الاجتماعي لمنصات ترويج تلك الأجهزة والتي يتم استخدامها من قبل المتخصصين بوزارات البترول والري والتعدين والشركات التابعة لها.

«الأخبار المسائي» رصدت عدداً من الصفحات علي مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة من أصحاب تلك الشركات لترويج تلك الأجهزة في ظل عدم تجريم استخدام تلك الأجهزة؛ حيث إن قانون الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010  لا يعاقب حامل الجهاز إلا لو قبض عليه داخل المناطق الأثرية ويساوي القانون بين الجهاز وأي معدة أخري.
ونص القانون بأنه لا يجوز للغير مباشرة أعمال البحث والتنقيب عن الآثار إلا تحت إشراف مباشر للهيئة عن طريق من تنتدبه لهذا الغرض من الخبراء والفنيين.

وبالمثل فإن هيئة الثروة المعدنية لا تجرم اقتناء الجهاز أو شرائه أو الإتجار به  ولا يحتاج إلي ترخيص أو تصريح لكن استخدامه في المناطق الصحراوية يحتاج لتراخيص خاصة بالحفر والتنقيب من هيئة الثروة المعدنية وفقاً لقانون المناجم والمحاجر 86 لعام 1956 ويتم التعامل معه مثل بقية معدات الحفر وتحتاج لترخيص فقط عند العمل لكن حمله لا يجرمه القانون.


تلك الشركات استغلت مشكلة غياب وجود نص قانوني يجرم تلك الأجهزة ووجود خلل قانوني وتشريعي سواء قانون المحاجر أو قانون الآثار أو قانون الاتصالات رغم أن بعض تلك الأجهزة متصل بشبكة الإتجار في الآثار الدولية وهي الثغرة التي تستغلها شركات الاستيراد التي تقوم بالتجارة فيها وبدأت في إنشاء  المئات من الصفحات علي التواصل الاجتماعي لبيع تلك الأجهزة فعلي سبيل المثال لا الحصر.. عبر الموقع الإلكتروني لإحدي الشركات جاء ذلك الإعلان: «إلي هواة البحث والتنقيب والبحث عن الكنوز والدفائن واكتشاف الدفائن الذهبية والدفائن الثمينة تحت الأرض, تريد أن تحصل علي كنزك أو هدفك بسهولة تامة دون أية متاعب أو مشاق بالعمل وخلال فترة قصيرة لا تتجاوز الـ 5 دقائق لتحصل علي صندوق مليئ بالذهب أو الحلي أو المجوهرات والألماس أو تماثيل أو جرات مليئة بالذهب, هذا الجهاز يقدم لك كل ما تتمناه من سرعة وقوة ودقة في الأداء والبحث تستطيع من خلال هذا الجهاز بكبسة زر يحدد لك عمق الكنز».
أما النموذج الثاني: (هل لديك دفينة أو كنز أو صندوق وتريد معرفة ما في داخلها ومحتواها من معادن ومجوهرات فهذا الجهاز يعطيك اسمها كل علي حدة علي شاشة.. هل لديك سرداب أو كهف أو فراغ وتريد معرفة ما في داخله بثوانٍ معدودة الجهاز يعطيك ما ضمن الكهوف والسراديب والفراغات.. هذا الجهاز صنع خصيصاً للمنقبين والباحثين عن الكنوز, ولقد حاز ذلك الجهاز علي الشهادات والاختبارات العالمية الدولية وللمعلومات أكثر يرجي الاتصال بقسم المبيعات بالشركة علي الأرقام التالية ...) . 
أعلنت الشركة التي وضعت عنوانها بالتفصيل عن جهازها للتنقيب عن الآثار.
شركة أخري عن جهاز يخترق التربة بأنواعها وأشكالها وبه نظام متخصص لكشف الذهب الخام وعروق الذهب والذهب الرملي وقابل للفك ليصبح في حقيبة حمل مصغرة ويتم شحنه بعد تفكيكه وسعره حوالي 6500 دولار, ويكتشف الأعماق حتي يصل لـ 6 أمتار ولديه بطارية قابلة للشحن وتعمل لمدة 14 ساعة متواصلة .
وهناك فيديو لتعلم كيفية عمل الجهاز وكتالوج باللغة العربية والإنجليزية وضمان لمدة 5 سنوات .
وعرضت الشركة جهازاً آخر أكثر حداثة وسعره 10 آلاف دولار ويتميز بسهولة في الاستخدام ودقة في الأداء وخفة في الوزن مع إمكانية الكشف علي المدي البعيد مع تحديد البعد المطلوب مع إمكانية تحديد عمق الهدف المكتشف ونوع المعدن المراد البحث عنه ويعمل 10 أمتار تحت الأرض ووزن الجهاز كيلو و400 جرام فقط.. ويتم ضبطه بواسطة مفتاح وعند التقاط أي إشارة سيقوم الجهاز بالالتفاف نحو الهدف تلقائيا.
وتعرض شركة أخري خاصة لتجارة وبيع أجهزة الكشف عن الكنوز والذهب والفراغات جهازاً حديثا تبدأ أسعاره من 9 آلاف دولار وهو جهاز مجرب علي مستوي العالم وتم إرساله لمصر عدة مرات ونجح في العثور والكشف عن المقابر الأثرية ويتم التواصل مع الشركة عبر البريد.
حيث يعمل الجهاز لعمق 20 متراً ويتم شحنه بحقيبة من البلاستيك المقوي تحتوي علي جميع اكسسوارات الجهاز ويشمل الوحدة الرئيسية وتتألف من مفتاح التشغيل وقضبان استشعارية ودليل المستخدم.
وشركة أخري أعلنت عبر صفحتها نظام كشف المعادن والفراغات والأجسام الغريبة ويعتبر النظام الأحدث في عالم التنقيب عن الآثار والدفع عند الاستلام.
المنطق السليم 
ومن جانبه يقول الدكتور محمد يوسف كبير الباحثين بوزارة الآثار إن المنطق السليم أن تبحث  الشعوب وتنقب في ذاكرة التاريخ عن ماض لها أو مجد لأجدادها تفاخر به غيرها  إلا أن الأمر في مصر اتخذ منحى مغايراً تماما؛ حيث أصبح التنقيب عن الآثار بطرق غير مشروعة هو أكثر الأنشطة التي يقبل عليها المصريون ويمارسونها بحب وشغف يماثل شغفهم بممارسة كرة القدم حتى أصبح الحديث عن الآثار هو الوجبة الرئيسية على موائد المصريين، وبطبيعة الحال تلقف المحتالون هذا الشغف وحلم الثراء السريع الذي يداعب الفقراء في ربوع مصر والمدهش أيضاً أنه يداعب الأثرياء أكثر وربما تقل هذه الدهشة إذا عرفنا أن أشهر المنقبين عن الآثار في التاريخ كان الخليفة المأمون وأحمد ابن طولون وقبلهما كليوباترا التي سرقت ذهب تابوت الإسكندر الأكبر. 
ولرصد أسباب انتشار هذه الظاهرة وشيوعها بين كل طبقات المجتمع نجد أن هناك أسباباً كثيرة ربما لا يكون هذا مجالها وأن كان من بينها بل وأهمها تعمد بعض الأثريين إلى تسمية اكتشافاتهم بأسباب لها صبغة دعائية بعيداً عن الحقيقة العلمية كتسمية المدينة الذهبية أو وادي المومياوات الذهبية مما يثير شهية الباحثين عن الثراء في الثراء السريع، وأساليب المحتالين كثيرة ربما أشهرها كانت تلك الرسالة التي دخلت كل بيت والتي تبدأ بالجملة الشهيرة (ارجع يا محمد عمك لقى دهب وآثار)، وقد استجد على هذه الطريقة أساليب أخرى أكثر إقناعا وأصبح للمحتال مجموعة من المعاونين على رأسهم شخص يدعي أنه دكتور في الآثار وآخر يزعم أنه ضابط شرطة إضافة لشخص يحمل أموالاً كثيرة يلعب دور المنافس في عملية شراء الآثار لدفع الضحية على إنجاز عملية الشراء ثم يأتى دور الذي يدعى أنه ضابط شرطة والذي يعترض طريق الضحية ويقوم باسترجاع الآثار ليفر الضحية بنفسه ولا يستطيع  الإبلاغ أو محاولة استرداد أموالهِ.
ويؤكد الدكتور محمد يوسف أن من أحدث طرق النصب هو عملية أجهزة الكشف عن الآثار والتي لا تمت للواقع أو لعلم الحفائر بصلة، فالأجهزة المستخدمة في عمليات الحفائر العلمية هى أجهزة تساعد في عمل خرائط وقراءات لطبقات الأرض ولا يستطيع قراءة هذه النتائج سوي المتخصصون.
ومن أهم هذه الأجهزة جهاز الجيو رادار والذي يمكنه قراءة الفراغات الموجودة في الأرض المزمع حفرها لحصر عملية الحفر في أضيق نطاق والوصول إلى الأثر الذي يبحث عنه ويقوم الجهاز بعمل موجات وانحناءات تتم قراءتها عن طريق متخصصين وبعملية دقيقة ومعقدة ويعتبر جهاز (trimble R 8) هو أحدث الأجهزة وأغلاها ثمناً للإمكانيات الجبارة التي يمتلكها الجهاز ولغلاء ثمنه لا يمكن لأفراد اقتنائه وربما لا يوجد في مصر  أكثر من جهاز لدى شركات مقاولات كبرى.
وقد عملت بهذا الجهاز في حفائري بمنطقة اللشت بالعياط في بعثة مصرية أمريكية كانت برئاستي وعالمة الآثار الفضائي الأمريكية سارة باركاك.
ومن جانبه حذر الأستاذ الدكتور خالد غريب رئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بكلية الآثار جامعة القاهرة من استخدام تلك الأجهزة للكشف والتنقيب عن الآثار، واصفا الأمر بأنه في منتهي الخطورة.
متسائلا بقوله: من أصدر ذلك الأمر, هل هي جهة رسمية, هل هي جهات معترف بها دوليا؟!
ويدق خالد غريب ناقوس الخطر من ذلك بقوله هل تلك العملية بداية لفكرة التنقيب عن الآثار أو الاستمرار في عمليات التنقيب بشكل عشوائي أو بشكل غير منظم أو غير قانوني.
مضيفاً بقوله إنه لا بد حين التحدث عن تلك الأجهزة المعروضة للبيع علي صفحات التواصل الاجتماعي أن تكون محمية تلك الأطر لأننا نعلم أن البعثات الخاصة بالحفائر والتي تقوم بعملية التنقيب عن الآثار والكنوز لها وتمتلك مجموعة من الأجهزة المعترف بها دولياً من جانب منظمة اليونسكو ومن الجهات الأخري المنوط بها حماية التراث الإنساني علي مستوي العالم.
ويتساءل الأستاذ دكتور خالد غريب رئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بجامعة القاهرة هل تلك الأجهزة المعروضة للبيع علي صفحات التواصل الاجتماعي تم فحصها للتأكد من عدم وجود مواد إشعاعية تسبب أضراراً أثناء القيام بعملية التنقيب علي الآثار والكنوز وأثناء عملية المجسات.
وهل هي كمجس تسبب أي ضرر وتلك مشكلة كبيرة ومن الذي سمح بذلك الأمر الخطير ومن تلك الجهة هل هي الدولة أم مجموعة شركات خاصة لا يهمها سوي عملية الربح والبيع فقط ولا يهمها الحفاظ علي الآثر.. واصفاً تلك العملية بأنها غير مقبولة, وطالب غريب بضرورة تدخل الجهات المعنية وعلي رأسها مباحث الآثار.
وأكد الدكتور خالد غريب أن الشخص الذي يقوم باستخدام تلك الأجهزة أثناء عمليات التنقيب لا يعلم مدي أهمية تلك الحفائر الأثرية ولا يعلم قيمتها الكبيرة فحينما يجد تمثالاً صغيراً لا يعرف قيمته ويقوم بتكسيره باعتباره غير نفيس ولا يعلم مدي أهميته وذلك مكمن الخطورة وتلك مشكلة كبري.

حبس شخص بتهمة التنقيب عن الآثار بالقاهرة