أنقذوا القاهرة الفاطمية

الشوارع القاهرة الأثرية تحت سيطرة البلطجية..والقصور الملكية «خرابات»

القاهرة الفاطمية    تصوير : محمد عادل حسني
القاهرة الفاطمية تصوير : محمد عادل حسني

شارع المعز لدين الله الفاطمي ، من أهم الشوارع التاريخية بوسط القاهرة التي تجسد لفترة حضارية من أهم فترات مصر التاريخية ، وهي فترة «الدولة الفاطمية».
 يضم هذا الشارع الذي يزيد عمره على ألف عام نحو 33 أثرا تتنوع ما بين مساجد ومدارس وأسبلة وبابين فى غاية الأهمية وهم باب الفتوح وباب زويلة ، بالإضافة للكثير من الآثار ، فقد تحول اكبر متحف مفتوح فى العالم حسب وصف المؤرخين له إلى مرتع للباعة الجائلين الذين استوطنوه وسط غياب الأجهزة المعنية بالرقابة على هذه المناطق التى تمثل المصدر الأول فى الدخل القومى لمصر.
 فمنذ ان تخطو بقدمك داخل شارع المعز وتبدأ فى «المعافرة» وسط زحام السيارات التى لا تتناسب مع ضيق الشارع ، فالسيارت تمر إلى داخل الشارع وسط زحام المارة ذهابا وإيابا ، بعد ان كانت هذه السيارات ممنوع دخولها تماما إلى داخل شارع المعز حتى كان الشارع يبدو كأحد شوارع اوربا ، بل واجمل فهو كــ«اللوحة الأثرية المرسومة» التى يتهافت السياح عليها ، كما استوطن الباعة ارصفة شارع المعز وافترشوا بضاعتهم وشوهوا المنظر الحضارى الذى تميز به هذا الشارع منذ القدم ، ارصفة المساجد الأثرية الموجودة بشارع المعز مكتظة ببضاعات الباعة، وانتشرت الورش المختلفة انتشارا كبيرا حتى إن الشارع اصبح يبدو كمنطقة صناعية وليست اثرية ، فقد اصبحت المساجد الأثرية الموجودة بمنطقة شارع المعز تستغيث من شدة الإهمال الذى اصابها وأحاط بجدرانها من جميع الجهات فمثلا جامع الغورى الذى يعد من اهم المساجد الأثرية استغل الباعة الجائلون ساحته فى عرض منتجاتهم وتعليقها.. وعرضها على المواطنين، ولم يختلف الحال كثيرا فى مسجد الفكهانى الذى طاله ما طال مسجد الغورى من إهمال واستهتار وفى شارع سوق المغربلين نجد جامع الصالح طلائع، وهو ثالث مسجد معلق فى العالم، وقد طالته يد الإهمال أيضًا، وتعرض للغرق فى المياه الجوفية، حيث تنضح المياه الجوفية من الحوائط وتخترقها، وتتسرب للخارج، وهو ما قد يهدد سلامة المسجد وينذر بسقوطه.
قايتباي مغلق بلا أمل .. والمحمودية تكسوه الشقوق .. و«جوهر الالا» تحاصره القمامة
مسجد المحمودية الذى أنشأه الوالى العثماني "محمود باشا" سنة 975هـ فى مصر، حيث ألحق به قبة ضريحية وسبيلا ، والمسجد معلق يصعد إليه بعدة درجات، خطوات وتدخل إلى ساحة الصلاة داخل الجامع عبارة عن قاعة كبيرة مربعة فى وسطها أربعة أعمدة من الجرانيت تحمل أربعة عقود كبيرة فى وسطها منور، وفى منتصف ساحة الجامع طرقة أرضيتها منخفضة قليلا عن أرضية الجامع وتصل بين الباب الجنوبى والباب الشمالى فانقسم الجامع بذلك إلى إيوانين وبالرغم من ان مسجد المحمودية يعد من المساجد التى حفت بتاريخ عريق إلا ان المسجد اصبح محاطا بالقمامة من كل جانب ، ليس هذا فقط فقد بدت التشققات والشروخ فى جدران المسجد واضحة.
اما مسجد قايتباى الرماح والمعروف بأنه مرسوم على العملة فئة « 200 جنيه » الذى تم بناؤه فى 908هـجريا ، والذى كان أحد أجمل جوامع القاهرة، وكتب على بوابته «أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة من فضل الله المقر الأشرف العالى المولوى السيفى قانى باى أميرآخور كبير أعزه الله تعالى»، واحتفل بافتتاحه وسط حضور كبار رجال الدولة.
تعرّض المسجد لعوامل الزمن التى لا ترحم، فدب الخراب فى جنباته وسقطت مئذنته فى عام 1870 نتيجة الإهمال، فى وقت غزت الدكاكين المنطقة المحيطة بالمسجد، فشوّهت جماله وضيعت ملامحه، إلا أن تدخّل لجنة حفظ الآثار العربية – التى لها الفضل فى الحفاظ على معالم القاهرة التاريخية – حال دون ضياع المسجد كله إلى الأبد، فقد بدأت اللجنة فى الحفاظ على المسجد بعملية ترميم كاملة أعادت له رونقه الغائب عام 1333هـ/1914. وفى عهد الملك فاروق أعيد بناء مئذنة المسجد الرشيقة عام 1358هـ/1939.
ومنذ إغلاق المسجد بعد زلزال 1992 الشهير الذى أصاب آثاراً إسلامية كثيرة بالشيخوخة من ضمنها مسجد قايتباي، انتظاراً للترميم الذى كان من المفترض أن يتم فى الأشهر القليلة المقبلة، وعندما قررنا زيارة هذا المسجد المغلق وجدنا حالة من الإهمال تضرب بأطنابها فى المكان، فالشبابيك الخشبية المصنوعة بأيدى محترفى فن الأرابيسك مهشمة
ومشربية المسجد آثار حريق سابق واضحة عليها، ناهيك بتشققات عرفت طريقها إلى جسد المسجد مهددة بأخطار قادمة إذا لم يتحرك المسئولون عن المسجد بالتدخّل لإنقاذه للمرة الأخيرة. لم يمنع ذلك من وقوع هذا الحادث المشين الأمر الذى يكشف عن غياب تام من ناحية الجهات المسئولة عن حماية هذه الآثار ، ومازال هذا المسجد مغلقا حتى الآن ، والله اعلى واعلم إن كان قد تم سرقة شيء اخر منه ام فلا نستبعد شيء بعد هذا الكم الهائل الذى رصدناه من الإهمال.
وعلى بعد امتار من مسجد قايتباى الرماح يوجد مسجد « جوهر الالا» مدرسة ومسجد الأمير جوهر اللالا أنشأهما الأمير جوهر الجلبانى نسبة إلى الأمير جلبان أو أحمد الجلبانى الحاجب المعروف باللالا أى “مربى أبناء السلطان” لم يختلف مسجد جوهر الالا كثيرا فى بؤس حاله عن بقية المساجد السابق ذكرها فالشروخ تملأ حوائط المسجد ، بعد ان تآكلت جوانبه من الخارج، أما الميضة وهى المكان المخصص للوضوء فتساقطت بعض الأحجار الخاصة بها، وانتشرت القمامة خارج المسجد الذى يوجد خلف قلعة صلاح الدين، فيما يحتاج الضريح إلى إعادة ترميم.
السلطان حسن يصرخ من الخفافيش والزواحف .. وشقوق بالقبة الضريحية
مأساة حقيقية تجدها هنا فى مسجد السلطان حسن الذى اطلق عليه المؤرخون « هرم العمارة الإسلامية » ودرة العمارة الإسلامية بالشرق فى كامل تألقه وعراقته حتى ان تعمقنا للداخل.
فبعد مرور ما يقرب من 660 عاما على بناء مسجد السلطان حسن وصل المسجد لهذه الحالة السيئة حيث انطفأت زخارف المسجد وغطى التراب دكة «المبلغ» الموجودة فى الايوان الاكبر واصبح مظهرها سيئا جدا وايضا اصبحت الميضة الموجودة فى الفناء الاوسط المكشوف فى المسجد يغطيها التراب واصبحت غير مستخدمة الان ولا يوجد بها الصنابير واصبحت القبة الخشبية التى تغطيها عبارة عن خشب قديم يغطيه التراب وكذلك الحال على كثير من الاشياء الموجودة فى المسجد واصبح الجانب الخارجى للمسجد من ناحية شارع السلطان حسن مملوءا بالقمامة ، ليس هذا فقط بل ان ساحة ديوان القبلة التى كتب اعلى جدرانها بالخط الكوفى الجميل بداية سورة الفتح ، فقد رصدنا سقوط ثلاثة احرف فى ثلاث كلمات مختلفة من الآية ، التى اخبرنا احد مفتشى اثار المسجد انها تهالكت نتيجة لعوامل التعرية ، وطالبوا اكثر من مرة بترميمها ولن يفعل احد شيئا بالرغم من مهاجمة الإعلام لهم بهذا السبب لأكثر من مرة ، كل ما نحاول إبرازه من إهمال منذ بداية دخولنا لمسجد السلطان حسن ، هو مجرد إهمال ظاهرى فكلما حاولنا التعمق للداخل كلما ازداد الإهمال بروزا وتفحما ، فخطوات للداخل إلى القبة الضريحة التى تضم ضريح السلطان الشهاب احمد ابن السلطان حسن ، والذى يقصده السياح من بقاع العالم وهم يجيدون دراسة تاريخه جيدا ، فمنذ دخولك لساحة هذه القبة والظلام يزداد كلما تعمقت للداخل فإشاعة الشمس النافذة من الخارج هى مصدر إنارة المكان بالرغم من كونه اهم الأماكن التى تميز بها المسجد ، فقد امتازت هذه القبة التى يزيد عمرها على 650 عاما بزخارفها التاريخية المبهجة كما يوجد بها ايضا كرسى المصحف العظيم الذى لا يوجد مثله فى العالم اجمع ، بالإضافة لجدرانه التى رسم عليها بأكبر خط فى العالم الإسلامى كله ، فقد امتلأت القبة الضريحية بالشقوق ، وعتم الظلام على المكان بسبب إهمال إنارته ، وهذا بالرغم من كون هذا المكان خصيصا بالمسجد يقصده اغلب السياح ، فقد اخبرنا مفتشى الآثار ان عتمة المكان تثير غضب السياح وشكواهم فهم لا يستطيعون التمتع بمشاهدة الزخارف او حتى تصويرها ، الأمر المخجل للغاية بأن نملك مثل هذه الحضارة ولا نستطيع الحفاظ عليها او حتى إبرازها.
المدارس مغلقة
اما عن مدارس ومستشفى السلطان حسن فقد عرفت منذ تاريخ إنشائها بعظمتها ، فالمسجد يحتوى على 4 مدارس هى المدرسة المالكية والمدرسة الحنبلية والمدرسة الشافعية والمدرسة الحنفية لكل مذهب مدرسة ولكل مدرسة باب خاص بها مكتوب عليه اسم المدرسة وكان يدرس فيه ايضا علوم القرءان والفقه والحديث وتحفيظ القرءان وكان بجانب المسجد والمدرسة مستشفى ايضا لمسجد السلطان فكانت المفاجأة حين استطعنا بعد حيل الدخول لهذه المدارس المغلقة ، انها اصبحت مرتعا للحشرات والزواحف ، فهى اشبه بالخرابات التى نسجت العناكب خيوطها عليها وكنتها الخفافيش وامتلأت ارضها ببقايا الكراكيب التى تملؤها الزواحف ، حتى اننا كنا فى غاية الحرص والخوف معا اثناء التصوير ، فلم يستغل من المدارس الأربع سوى صحن واحد فى المدرسة المالكية ، ليس هذا فقط بل تهالك السلم المؤدى لأعلى سطح المسجد الذى تكسرت درجاته منذ ايام المماليك ولم ترمم حتى الآن ، فمهما حاولنا وصف المشهد من الداخل لن نستطيع إبراز حجم العراقة التى كساها الإهمال.
كفر الزغارى .. خرابة مهجورة
على بعد امتار من شارع المعز بعد ان تتجاوز العديد من المقاهى الموجودة على اطراف كل شارع تسير إليه ، يزداد الأمر ضيقا كلما ازدادت عمقا إلى الداخل حتى تصل إلى « كفر الزغارى » وربما تجد ان الأمر ازداد سوءا كلما حاولت التعمق ، فأكوام القمامة ترتفع شيئا فشيئا ، وتجاورها بقايا المنازل المهدمة فقد ينتابك شعورا بأنك فى احد الخرابات او الأماكن المهجورة فيصيبك القلق ، حتى تقع عينيك على احد السائحين الذى جاء متجولا قاصدا ، هذه الأماكن التاريخية التى يشهد كل جدار بها على عراقة كل من كان به ، ليفاجأ ان اصحاب هذا التاريخ العريق تركوه فريسة للخراب والإهمال ، فسرعان ما يتحول شعورك للحرج الشديد امام هؤلاء السياح الذين قطعوا مسافات طويلة فقط لزيارة هذه الأماكن التاريخية التى تحولت إلى مقالب قمامة ، فالسمة المميزة لكل منازل كفر الزغارى هى التهالك الشديد ، وذلك فى حالة وجود منزل ما زال محتفظا بكامل اجزائه ، بعد ان سقطت اغلب اجزاء المنازل الموجودة بالمنطقة ، وما زال سكانها موجودين بها حتى الآن ، فتشكو زينب منتصر بؤس حالها قائلة « تعبنا من كثرة الشكوى للحى والوزارة بشأن ترميم منازلنا التى تتساقط اجزاؤها يوما بعد يوم ، وبالرغم من ذلك فلا مجيب ، فقد ابدينا رغبتنا فى الانتقال إلى اى مكان توفره لنا الوزارة بديلا عن بيوتنا التى كادت جدرانها ان تسقط فوق رءوسنا .
اما مصطفى عبد الغنى فيقول « لقد انتابنى اليأس الشديد مما اراه فى هذه المنطقة التى نشأت فيها واعلم تاريخها جيدا ، حتى اننى بدأت افقد الأمل فى ان هذه المنطقة سوف تعود لمجدها مرة اخرى ، مضيفا « بقية المناطق التى يكسوها الإهمال قد لا تكون بنفس الوضع الكارثى الذى تشهده منطقة الجمالية وذلك لأنها منطقة اثرية كانت تمثل مصدرا اساسيا من مصادر الدخل القومى لمصر فى يوم من الأيام .
القصور الأثرية.. تستغيث !
الأهمال لم يتوقف عند المساجد الاثرية فنجدها ايضا فى احد أهم معالم الآثار المصرية العريقة التى كانت خير شاهد على تاريخ طويل يحكى عظمة من شيدو وعاشو فيه وهى القصور الاثرية .. كانت البداية من قصر «المسافر خانة» بحى الجمالية. هذا القصر المعروف بأنه تحفة معمارية فريدة ومميزة وصفه الكاتب الكبير جمال الغيطانى فى احد كتبه بأنه كان يضارع قصر الحمراء بإسبانيا وإيوان كسرى بفارس وطوب قابى سراى بإسطنبول كان يبلغ ارتفاع القصر ما يقارب 22 مترا وكان يضم العديد من التحف المعمارية الفنية فى ذلك العصر، بالإضافة إلى احتوائه على ثانى أكبر «مشرفية» فى العالم وهى مأخوذة من كلمة «شرفة» اى ما يشبه البلكونة فى العهد الحديث.
يقع قصر «المسافر خانة» على بعد خطوات قليلة من حى الجمالية حيث تقودك له حارة متعرجة لتجد نفسك امام اكبر مقلب قمامة بالمنطقة بعد ان كان اكبر مكان لاستقبال زوار مصر ، المشهد من امام القصر يوحى بكل معانى الحسرة ، فلا معالم لوجود قصر من الأساس ، لا ترصد عيناك سوى خراب لا ينتهى حيث تروى ام محمود عجوز فى الستينيات « هذا القصر كان من اجمل ما رأت عينى ومنذ ان تعرض للحريق الذى نعلم جميعنا انه كان محاولة لإخفاء سرقة القصر ولم يتم ترميمه حتى الآن ، مضيفة ان القصر ليلا يضم البلطجية وقطاع الطرق.
اختفت معالمه
والمعروف عن قصر السكاكينى انه عانى من عمليات نهب وسرقة وإهمال على مدار ما يزيد على 65 عاماً منذ تأميمه حيث آلت تبعيته لوزارة الآثار منذ اكثر من 20 عاما ، وبالرغم من اننا لم نستطع اختراق ابواب هذا القصر المغلق ، إلا ان جميع مظاهر الإهمال بدت واضحة من حديقته الخارجية وابوابه الحديدية التى تحيط بالحديقة ، فقد طمست معالم القصر بعد ان سرقت اغلب آثاره ومقتنياته على مدار تاريخه ، واهمل ما تبقى منها وتحول القصر إلى وكر للأشباح بعد ان أصبح مهجوراً لا تستفيد منه الدولة فى شيء ، وضاعت نقوشه الجميلة وتماثيله الأثرية التى كانت تحيط به من كل جانب تحت الأتربة المتكدسة عليه .
مقلب قمامة
انتقالا لقصر «يشبك بن مهدى» المعروف بقصر «طوسون» والذى يقع على بعد امتار قليلة من ميدان صلاح الدين او فى شارع سوق السلاح تحديدا اشهر شوارع السيدة عائشة ، عرف قصر قوصون بأنه واحد من اجمل التحف الأثرية فى مصر ، شيده صهر الأمير سيف الدين قوصون ، أحد أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون وذلك فى عام 1238 ، فالبرغم من ان هذا القصر مازال محتفظا ببعض جدرانه إلا انه لا يمكن وصفه سوى بأنه احد خرابات مصر التى تجذب المدمنين واصحاب الكيف والأعمال المشينة ، فقد تحول هذا الكنز الأثرى إلى مرتع للبلطجية ومقالب القمامة والحيوانات الضالة ، فبعد ان تتخطى محيط القصر المليء بكل ما سبق وصفه ، تجد بابا متهالكا بدا عليه بقايا الحضارة ، ولافتة صغيرة على احد الجدران المجاورة للباب كتب عليها «اسم القصر وتاريخ إنشائه» وليتها توقفت عند هذا الحد.
امتار قليلة من قصر قوصون فى شارع سوق السلاح وتجد قصر «منجك السلحدار» تلك البوابة القابعة عند بدايته وهى من أروع الآثار التى يرجع تاريخها إلى العصر المملوكي، وأنشأها الأمير «سيف الدين منجك السلحدار» عام 1347، ولم يختلف الحال كثيرا عما تم وصفه من قبل فالسمة المميزة هى الإهمال والخراب باختلاف الأماكن واصحابها.
كفر الطماعين .. آيل للسقوط
على بعد امتار من شارع المعز يوجد « كفر الطماعين « وهو من اعرق احياء القاهرة الفاطمية ، سمى بهذا الاسم حيث كان يسكنه كل طامعى العلم والدين بمنطقة الجمالية التابعة لمحافظة القاهرة ، فهو إحدى المناطق الأثرية التى كانت تحظى بارتفاع كبير فى اعداد السياح والزائرين قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير ، فقد تحول إلى منطقة مهددة بالانهيار لا تختلف فى عشوائيتها عن المناطق المدرجة تحت قائمة عشوائيات مصر ، فقد تحولت هذه المنطقة الأثرية إلى منطقة تكسوها مقالب القمامة المنتشرة فى كل مكان من جوانب شوارع كفر الطماعين ، تتطاير منها الروائح الكريهة التى تملأ انفك بمجرد الدخول إلى احد شوارع كفر الطماعين ، لم تتوقف مأساة كفر الطماعين عند اتساخ شوارعه او حتى تكدس اكوام القمامة وانتشار الروائح الكريهة الناتجة عن ذلك ، والانقطاع الدائم للمياه ، بل هناك مأساة اكبر تهدد كفر الطماعين بأكمله وجعلت سكانه يستغيثون ، وهى تهالك مبانيه التى اصبحت تكسوها الشقوق ، وتخفى معالمها تماما ، فقد سقط الكثير من اجزاء البيوت الموجودة فى كفر الطماعين حتى ان احد البيوت اصبح بلا سقف ، واحدهم سقط احد جدرانه ، والباقى مهدد بالانهيار تماما ، فهم يعيشون داخل ممرات غريبة مليئة بالشقوق والشروخ والمبانى الآيلة للسقوط وآخرون يعيشون تحت اسقف بيوت مهدومة ومهجورة وكلها بمساحات كبيرة وآخرون يسكنون بممرات ضيقة الممر ويحتوى على اكثر من 22 غرفة كل غرفة مساحتها لا تصل مترين دون حمام وسط أكوام قمامة متراكمة.
وفى هذا الإطار يقول احد سكان كفر الطماعين « لدى 5 اولاد اعيش معهم انا ووالدى الذى تجاوز عمره 70 عاما ، وقد توارثنا المنزل منذ سنوات طويلة فقد شهد هذا المنزل ذكرياتنا جميعا ، وسجلت جدرانه كل لحظات فرحنا وحزننا وضيقنا ، حتى ان تشبعت هذه الجدران بتفاصيلنا فتهالكت وكستها الشقوق ، وباتت تهددنا بالسقوط على رءوسنا فى اى وقت ، وهو ما جعلنى دائما يتملكنى الرعب من ان اترك اطفالى بمفردهم فى البيت فأعود لأجد الجدران قد سقطت عليهم ، وبالرغم من ان منزلنا والمنازل المجاورة له مدرجة كأثر حيث تعدى عمرها المائة عام ، إلا ان وزارة الآثار لم تحاول ترميمه على الإطلاق .
واضاف محمد محفوظ عجوز فى السبعين « لقد تهالكت بيوتنا واصبحت غير صالحة للحياة الآدمية ، والمشكلة ليست فىَّ او فيمن يقاربنى فى السن ، فإن كنا سنحيا اليوم على اى حال لن نكمل الأيام القريبة الآتية ، بينما المشكلة الحقيقية فى ابنائنا فلا بديل لديهم عن هذا المنزل الذى ولدوا وتربوا فيه فهم ابناء هذه المنطقة ، ويتمنون ان يكملوا بقية عمرهم فيه مثلما فعل اجدادهم من قبل ، فأين سيكون مصير كل هذه الأسر بعد سقوط البيوت ، ليس هذا فقط فنحن نعانى من الإنقطاع الدائم للمياه الذى دائما ما يؤرقنا.

قبة الرفاعى تنهار والأمطار أتلفت السجاد والحمامات مراحيض عمومية
الإهمال لم يتوقف عند القاهرة الفاطمية وشوارعها فقط بل انه طال المساجد الأثرية العريقة ايضا ، التى لها تاريخ تقص جدرانها الشامخة عظمته وعمقه ، فمن يصدق ان الإهمال يصل إلى صروح بحجم مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعى ، فبالرغم من ان جولتنا كانت فى عدد قليل من المساجد إلا اننا بعد ما رأيناه كنا على يقين بأن الخراب هو السمة المميزة لكل المساجد الأثرية الموجودة لدينا . جولتنا للمساجد الأثرية كانت عقب ما رصدناه من هلاك فى مساجد القاهرة الفاطمية فقررنا زيارة كبرى مساجد القاهرة لعلنا نجد ما يمحو ما رأته أعيننا من قبل او حتى يعطينا الأمل فى ان مازال لدينا ما يحتفظ بتاريخه.
بدأت الجولة من مسجد الرفاعى الذى يعد من اعرق مساجد القاهرة وهو مقصد للسياح بمختلف اجناسهم ويتميز المسجد بالتفاصيل الدقيقة فى الزخارف على الحوائط الخارجية والعمدان العملاقة عند البوابة الخارجية .. المشهد من امام مسجد الرفاعى يوحى بالعراقة ولكن مجرد ان تدخل قدميك إلى هذا الصرح العظيم ، سرعان ما تبدأ عيناك فى رصد مخلفات الإهمال شيئا فشيئا ففى الساحة الواسعة التى تفصل بين الصرحين العظيمين انتشرت الكلاب الضالة والقطط يمينا ويسارا وكأنك بأحد الشوارع تترك هذه الساحة وتصعد سلم مسجد الرفاعى لتصاب بالحسرة فالسلم يمتلئ بالشقوق ، تدخل صحن المسجد لتجد السجاد الأثرى الذى تميز به مسجد الرفاعى والذى تجاوز عمره المائة عام ، بدا متهالكا تراكمت عليه الأتربة وذابت انسجته المتينة وسط تراكم جميع انواع الإهمال عليه ، المشهد الذى بدا عليه السجاد الأثرى ادلى بكارثة اكبر اكتشفناها فور دخولنا لساحة مسجد الرفاعى ، وهى تشقق قبته التى هى من اهم السمات المميزة له ، حيث كست الشقوق قبة المسجد حتى نفذت منه اشعة الشمس واضحة وتعامدت على السجاد الذى يغطى ارضيته ، بالإضافة للأتربة التى ملأت السجاد حتى كادت معالمه ان تختفى لم تكن تشققات قبة الرفاعى وتهالك سجاده الأثرى هى كل مظاهر الإهمال الموجودة به ، بل ان هناك ما هو ابشع من ذلك فقد حاولنا الدخول إلى احد حمامات المسجد فدلنا الموجودون عن الحمامات المتاح استخدامها للوضوء وقضاء الحاجة ، وإذا بهذه الحمامات لا تختلف فى منظرها عن المراحيض العمومية فى الشوارع ، فقد تهالكت اجزاؤها بعد ان تراكم عليها الصدأ ، واكلتها العفونة وتطايرت منها الروائح حتى انك تشم رائحة الحمامات على بعد امتار قبل ان تصل قدماك إليها ، التقينا فى طريقنا بأحد عمال النظافة الذى بدت على وجهه علامات الإرهاق الشديد ، يحمل بيده مقشة لا تختلف كثيرا فى إرهاقها عن وجه العامل الذى يحملها ، يتنقل فى المسجد الواسع يمينا ويسارا بمقشته المتهالكة كالذى يحمل وردة هزيلة يريد زرعها فى صحراء جرداء شاسعة المساحة .
رئيس قطاع الآثار : المسئولية مشتركة مع الأوقاف وليس لدينا إمكانيات لترميمها
بعد كل هذا الكم الهائل من الإهمال الذى رصدناه كان علينا ان نواجه الجهات المخول لها الحفاظ على هذه الآثار ، حيث تقسم المسئولية بين اربع جهات اساسية ، وهى وزارة الآثار ووزارة الأوقاف والمحافظة وشرطة السياحة.
حيث اكد سعيد حلمى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار « ان اغلب المشكلات الموجودة التى تواجه الآثار المدنية والإسلامية والقبطية سببها الرئيسى هو ضعف الإمكانيات المادية فبالنسبة للمساجد مثلا يعتبر مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعى من اكبر واهم المساجد الأثرية لدينا التى تحظى بكامل الإهتمام فبالنسبة لمسجد السلطان حسن فالشقوق الموجودة بالقبة الضريحية بسيطة ولا ضرر منها ونحن نتابعها باستمرار اما الإنارة فهى مسئولية وزارة الأوقاف ، وبالنسبة للمدارس فقد فتحنا المدرسة المالكية كنموذج وليس لدينا إمكانيات لفتح بقية المدارس. واوضح رئيس قطاع الآثار «ان المفقودات الخاصة بمسجد قايتباى الرماح مبلغ بها فى الإنتربول الدولى ، كما تم مخاطبة الأوقاف اكثر من مرة لترميم المسجد ولكن لا إمكانيات للترميم ولذلك فالمسجد مغلق، وبالنسبة لمسجد جوهر الالا فحالته المعمارية جيدة ومشكلته فى دورة المياه وقد تمت المخاطبة بين الآثار والأوقاف وتمت الموافقة بالفعل. وصرح مصدر مسئول بمشروع تطوير القاهرة التاريخية « بان هناك قرارا من رئاسة الوزراء بتشكيل لجنة من 8 وزراء لدراسة حالة القصور الأثرية بمصر ومن ثم إعادة الاستغلال والتوظيف ، مشيرا إلى ان اللجنة ضمت نحو 37 قصرا اغلبها من القصور الحديثة ولم تشمل الدراسة سوى قصر السكاكينى من القصور السابق ذكرها وبدأت اللجنة عملها منذ اسبوعين ، اما بقية القصور فهى تحتاج لملايين عديدة للدراسة والتمويل والوزارة تعانى من عجز شديد فى الميزانية ، اما عن وزارة الأوقاف فبشأن المساجد الأثرية التى تم رصد مظاهر الإهمال بها خاصة مسجدى السلطان حسن والرفاعى باعتبارهما من اهم المساجد الأثرية لدينا بالإضافة لكونهما مزارات سياحية.
حيث يقول د. اسامة إسماعيل مدير عام أوقاف القاهرة « ان وزارة الأوقاف تختص فقط بالدور الدعوى فى المساجد الأثرية الذى يتمثل فى تنظيم الخطابة واعمال النظافة ، مشيرا إلى ان مسجدى السلطان حسن والرفاعى يحتوى على مكتب اثار موجود بهم وذلك باعتبارهما مزارا سياحيا ، وبعد عرض ما تم رصده من تجاوزات خاصة بالمساجد خاصة مسجدى السلطان حسن والرفاعى فأوضح « اى ملاحظات خاصة بتشققات فى الجدران او القبة او المئذنة او غير ذلك فهى مسئولية وزارة الآثار التى يتسنى عليها رفع مذكرة لوزارة الأوقاف ومن ثم تقوم الأوقاف برفع مذكرة للإدارة الهندسية لتوفير المبلغ المطلوب ومن ثم الترميم بالتعاون مع وزارة الآثار.