نجيب ساويرس يكتب عن: القانون الغائب وحوادث الطرق السريعة

أحيانا أفكر فى التوقف عن الكتابة لأنى أبدو كمن يؤذن فى مالطة.. فلا شئ يتغير ولا يوجد رد فعل لكتابتى أو نية خالصة لتغيير الواقع الأليم.. كتبت منذ عام عن حوادث الطرق ونزيف الدم..ومن سمع عن حوادث الطرق فى الأسبوع الماضى وقارنها بالعام الماضى يجد انه لم يحدث أى رد فعل أو تغيير..وعلى سبيل المثال نشرت المصرى اليوم فى الأسبوع الماضى تحت عنوان « حصاد الموت يتواصل على الطرقات» :ان 9 حوادث تصادم وانقلاب سيارات فى القاهرة والبحيرة والبحر الأحمر وسوهاج قد أسفرت عن مصرع 16 وإصابة 38 شخصاً!!!
شىء محزن ويدعو للأسى ألا تستطيع الدولة تطبيق القانون بصرامة والسيطرة على الفوضى والانفلات المرورى الذى يحصد الأرواح يوميا. وقد عبر الكاتب عماد الدين حسين عن تقاعس الدولة فى تطبيق القانون فى مقاله هذا الأسبوع بعنوان « الموت المجانى على الطرق السريعة « قائلا: القضية الأصعب ان القانون غائب تماما على هذه الطرق وكل سائق يمشى بالصورة التى يفضلها وكثيرون يدفعون حياتهم ثمنا لتهور وجهل وإدمان بعض السائقين وغياب كامل لسلطة القانون على هذه الطرق. لو ان الحكومة طبقت القانون والزمت سيارات النقل مثلا بالسير على الطرق فى الأوقات المحددة وبالسرعة المحددة وفى الحارات المحددة لأنقذنا ارواحا كثيرة، لو طبقت الحكومة القانون وسحبت الرخص من المخالفين فى كل الطرق لربما قل كثيرا حجم الدماء التى تسيل على الطرق خصوصا السريعة.
اسمحوا لى ان اعيد نشر مقالى الذى كتبته فى فبراير الماضى لعله هذه المرة يحظى بانتباه من بيدهم تطبيق القانون.
مصر تتصدر القائمة فى حوادث الطرق بـ 15 ألف قتيل و50 ألف مصاب سنويا
من الغريب ان نجد ان المصرى المغترب فى الخارج يلتزم بآداب وتعليمات المرور بل يقلق قلقا شديدا لمجرد رؤية عربة الشرطة! اما عندما يعود إلى مصر فنجده هو نفسه يتفنن فى كسر كل القواعد ويتحول بقدرة قادر إلى لاعب فى سيرك كبير اسمه الشارع المصرى كل من فيه يفعل ما يحلو له.
فما بين ركن مزدوج للسيارات على الجانبين من الشارع إلى القيادة عكس اتجاه الطريق.. يجد المشاة انفسهم محاصرين بعد أن اصبحت السيارات تشارك الباعة الجائلين فى احتلال الرصيف فينزلون مضطرين إلى نهر الطريق ليتلاحموا مع جميع أنواع المركبات ويسيروا بدورهم بعشوائية فى كل الاتجاهات مفضلين عبور الشارع من اقصر طريق دون التقيد بأماكن عبور المشاة ولا بإشارات المرور معتمدين على الله وعلى سرعتهم ومهاراتهم فى المناورة بين السيارات العابرة. هذا ناهيك عن الحوادث المرورية والخسائر البشرية والمادية اليومية نتيجة للمطبات الصناعية عشوائية التصميم والتنفيذ ورعونة سائقى النقل الثقيل المتعاطين للمخدرات وعدم الالتزام بالسرعة ولا الحمولة القصوى ولا بالصيانة الدورية للسيارات او تغيير الإطارات عند انتهاء عمرها الافتراضى... إلخ.
اذا تأملنا اخبار حوادث الطرق فى العشرة ايام الأخيرة سنجد ان الكوارث مازالت تتوالى وأن أرواح أبنائنا وذوينا مازالت تحصدها حوادث الطرق وقطارات الموت. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد لقى 7 أشخاص مصرعهم وأصيب آخرون فى حادث تصادم بين سيارة نقل محملة بالركاب وقطار قرب مدينة العياط أثناء قدوم القطار الذى كان يسير بالسرعة المسموح بها أثناء عبوره تقاطع «البليدة» الذى كانت حواجزه معطلة، فقد اقتحمت سيارة نقل تحمل عمال زراعيين التقاطع فى غفلة من حارسه ما أدى لوقوع الحادث. كما لقى 16 شخصا مصرعهم وأصيب 21 آخرون فى حادث تصادم 30 سيارة بسبب الشبورة فى الطريق الصحراوى الشرقى الكريمات !
فى أواخر عام 2014 صرح السيد سعد الجيوشى رئيس هيئة الطرق حينها « أن إصلاح الطرق ليس فقط هو الطريقة الصحيحة لتصحيح المرور فى الطرق خصوصا السريعة، بل يجب تحقيق انضباط السائقين بسياراتهم على الطرق لأن وجود طرق جيدة وسائق ردىء يسير بسرعة وتهور عليها يؤدى للحوادث» فهل شاهدنا تطويرا ملموسا لهذا المرفق او صدور قانون مرور جديد أشد صرامة يجبر السائقين على احترام إشارات المرور وعدم تجاوز السرعات المسموح بها ؟ هل تم ميكنة حواجز المزلقانات بالنسبة لقطارات السكة الحديد ام مازلنا نعتمد على عامل المزلقان الذى لا يفتش عليه احد فيترك المزلقان وينام او يعمل فى عمل آخر يدر عليه بعض الجنيهات القليلة تعينه على مواجهة الغلاء ؟.
إن 90 فى المائة من حوادث المرور هى نتيجة الاخطاء البشرية وغياب التشريعات فحوادث الموت فى طرقنا ليست قضاء وقدر بل لها أسباب وهى أسباب معروفة للجميع وأهمها :
عدم وجود سياسة ورؤية علمية شاملة تدير منظومة سلامة الطرق فى مصر وغياب التنسيق بين الجهات المعنية وذلك بسبب غياب الكيان المسئول عن سلامة الطرق.
    ضعف القوانين المنظمة للمرور، قانون المرور ومواصفات السيارات ومواصفات الطرق، وضعف تطبيقها وعدم ارتباطها ارتباطا قوياً بالسلامة على الطرق.
    ضعف نظام المسئولية المدنية والتأمين على السيارات لدرجة أنه لا يشكل رادع كافٍ.
    عدم وجود نظام متكامل لتحليل حوادث الطرق وجمع البيانات وتحليلها.
    غياب الوعى الكافى من مستخدمى الطريق بسلامة الطرق.
إن دولة ما بعد ٣٠ يونيو التى بدأت بالدعوة إلى المشاريع العملاقة.. أحرى بها ان تبدأ أيضاً فى محاكاة العالم كله فى الالتزام بالنظام والانضباط المفقود.. فلدينا أعلى نسبة حوادث فى العالم وشوارعنا يشبهها السياح بملاهى الأطفال التى يقود فيها الأطفال عربات تتصادم مع بعضها البعض من باب اللهو.
الحل فى رأيى المتواضع هو زيادة مرتبات رجال الشرطة حتى لا يلجأوا إلى مد اليد وتغليظ العقوبات على المخالفين مع الحسم فى توقيعها ومعاقبة محترفى الوساطة ومن يساعدونهم ، هذا طبعا بالتوازى مع التطوير العلمى وتحديث منظومة الطرق واشتراطات ومعايير السلامة.