شهد العالم فى السنوات الأخيرة صعوداً ملحوظاً للتيارات اليمينية فى العديد من الدول، حيث أصبح هذا الاتجاه يشكل علامة بارزة فى المشهد السياسى العالمى. تتجلى هذه الظاهرة مؤخراً فى فوز مستشار النمسا الجديد ذى التوجهات اليمينية واستقالة رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، الذى ينتمى إلى تيار ليبرالى تقدمى. يعكس هذا التغير رغبة متزايدة لدى قطاعات كبيرة من الناخبين فى دعم سياسات ذات طابع قومى أو محافظة، مدفوعة بمجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
من أسباب صعود التيارات اليمينية.. الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التى أدت إلى تصاعد البطالة وتفاقم الأزمات الاقتصادية وشعور قطاعات واسعة من الشعوب بعدم الرضا عن النخب السياسية التقليدية، مما دفعهم للبحث عن بدائل قادرة على تحقيق تغييرات جذرية.
كما لعبت قضايا الهجرة وتدفق اللاجئين دوراً محورياً فى تعزيز شعبية التيارات اليمينية التى ركزت على الدعوة لحماية الحدود وتعزيز الهوية الوطنية.
وباتت فئات واسعة من المجتمعات تشعر بأن العولمة والسياسات الليبرالية قد أفقدتها هويتها الثقافية والاقتصادية، مما زاد من تأييدها للأحزاب اليمينية التى تعد بالحفاظ على القيم الوطنية.
ويعتبر الدعم المتزايد لليمين تعبيراً عن حالة الإحباط من السياسات الليبرالية التى يراها البعض عاجزة.
تصاعد التيارات اليمينية سيؤدى إلى تغييرات جذرية فى السياسات الداخلية والخارجية للدول. فعلى المستوى الداخلى، ستشهد بعض البلدان سياسات أكثر صرامة تجاه الهجرة والتعددية الثقافية، وربما تقليص الحقوق المرتبطة بها. أما على المستوى الدولى، فقد يزداد التوتر بين الدول بسبب السياسات القومية التى قد تعرقل التعاون العالمى فى قضايا مثل المناخ والهجرة والاقتصاد.
صعود اليمين سيكون له تأثير كبير على العالم العربى، فمن المتوقع أن تشدد الحكومات سياساتها تجاه اللاجئين، مما سيؤثر بشكل مباشر على اللاجئين العرب الفارين من النزاعات. وقد يؤدى التركيز على المصالح الوطنية إلى تقليل دعم القضايا العربية، خاصة تلك المرتبطة بالصراع الفلسطينى الإسرائيلى وتعزيز العلاقات مع الأنظمة التى تحقق مصالح اقتصادية أو أمنية، مما قد يغير من طبيعة العلاقات السياسية مع بعض الدول العربية.
صعود اليمين فى العالم ليس مجرد ظاهرة سياسية عابرة، بل يعكس تحولات عميقة فى المجتمعات العالمية. وبالنسبة للعالم العربى، فإن تأثير هذا التحول سيتفاوت بين تحديات وفرص جديدة. يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الأنظمة العربية من التكيف مع هذا المشهد العالمى الجديد وتحقيق توازن يخدم مصالح شعوبها؟