إذا كانت إسرائيل قد نجحت فى إضعاف المقاومة الفلسطينية المسلحة، فالمقاومة لها أشكال أخرى تتغير تبعًا للظروف وليست مجرد خيار، وهى نتيجة طبيعية للظلم الواقع على الشعب الفلسطينى، وحرب طويلة لن تنتهى بإسكات المدافع.
إسرائيل لا تتحمل «مقاومة النفس الطويل» مثل الضغوط الشعبية والإضرابات العامة والمظاهرات ومقاطعة الاحتلال اقتصاديًا، ولا المقاومة السياسية والدبلوماسية والثقافية والإعلامية، ولا المقاومة الالكترونية التى ظهرت حديثًا ضد الاحتلال.
أما المقاومة المسلحة فقد تهدأ بعد حساب خسائرها فى الجانب الفلسطينى، وخَلَّفت وراءها دمارًا هائلًا، وتتخذها إسرائيل ذريعة للتمادى فى عدوانها، وإلحاق أكبر قدر من الخسائر فى الجانب الفلسطينى، وبعد مرور ١٥ شهرًا منذ عملية السابع من أكتوبر التى أُطلق عليها «طوفان الأقصى»، لم تحقق المقاومة المسلحة أهدافها، ونجحت الدعاية الصهيونية فى تشويه صورتها وإظهار حماس فى صورة المنظمة الإرهابية التى تقتل النساء والأطفال وتهدد الإنسانية والحياة.
وكان من نتائجها حرب الإبادة والتصفية الجسدية ضد أهالى غزة، بدعم أمريكى كامل سياسيًا وعسكريًا، وتزداد المخاوف بعد تولى الرئيس ترامب الحكم، وتصريحاته التى يُفهم منها أن القادم ربما يكون أسوأ.
ربما كانت المقاومة المسلحة خيارًا إجباريًا فى فترات تاريخية معينة، لشعب يتعرض للإبادة منذ أكثر من ثمانين عامًا، ويضحى من أجل الحصول على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة، ويسقط منه عشرات الآلاف من الجرحى والشهداء، وتحولت إسرائيل من دولة إلى عصابة إجرامية ترتكب المذابح والتصفية العرقية، وتريد تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه ومحو قضيته من الوجود.
لم يرفض الفلسطينيون السلام فى أوسلو ومدريد وكوبنهاجن وغيرها، واصطدمت رغبتهم بتعنت إسرائيل وإفشالها كل الجهود، ولجوئها إلى ممارسة أقصى درجات العنف والقتل ضد المدنيين، ومنعت عنهم المعونات الدولية وبثت الوقيعة والفتن بين فتح وحماس.
ولم يرفض الفلسطينيون التهدئة ووقف إطلاق النار فى غزة، وأبدت حماس موافقتها على المبادرات المطروحة من مصر وقطر والولايات المتحدة، وعرقلت إسرائيل تبادل الأسرى والرهائن وأفشلت كل الجهود، ودفعت المقاومة الثمن تدمير أسلحتها واغتيال قادتها، وتحويل غزة إلى أكوام من الركام وجثث الضحايا والمقابر الجماعية، وأجيال كاملة من ضحايا الحرب والموت جوعًا والبحث عن خبز وماء.
السلام عند إسرائيل هو تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، واحتلال سائر الأراضى بعد إخلائها من سكانها، وترتيبات أكثر إهانة وظلمًا من الاستسلام، وإنهاء حلم إقامة الدولة الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرد مستعمرة تحت الاحتلال الصهيونى.
وماذا يفعل الفلسطينيون إزاء مجتمع دولى فقد الإحساس وأصبح متواطئا إزاء جرائم الحرب التى يمارسها نتنياهو، ويقف مجلس الأمن عاجزًا عن إصدار قرارات لحماية المدنيين ووقف إطلاق النار؟ وأصبح مفهوم حقوق الإنسان خدعة كبرى يتم توظيفها للضغط على الدول سياسيًا، وليس من أجل المفاهيم السامية التى تصون حياة الإنسان وكرامته وتحميه من القتل الممنهج؟
المقاومة ستستمر طالما استمر الاحتلال الإسرائيلى وتجاهل الحقوق الفلسطينية وسيتغير شكلها واستراتيجيتها وفقًا للظروف المحلية والإقليمية والدولية.