قال الباحث الأثري أحمد عامر، إن جوهر الصقلي اسمه الحقيقي هو أبو الحسن جوهر بن عبد الله،ويعرف أيضاً باسم جوهر الرومي وكان أهم وأشهر قائد في التاريخ الفاطمي، وقد ولد جوهر في جزيرة صقلية الواقعة في البحر المتوسط حوالي "316 هـ/ 928 م" ونسب إليها وكانت صقلية في تلك الفترة إمارة فاطمية،تربى تربية عسكرية . 


كما انتظم في سلك الجيش وترقى فيه حتى أصبح بعد ذلك جوهر الصقلي قائد القوات الفاطمية في عهد المعز لدين الله وسرعان ما أثبت جوهر كفاءته بأن ضم مصر التي كانت تحت حكم الإخشيديين وسلطان العباسيين إلى سلطان الفاطميين،وحكم جوهر الصقلي مصر حوالي ثلاث سنوات من 969م/358هـ  إلي 972م/362 هـ كإحدي الولايات الفاطمية نائباً عن الخليفة الفاطمي المعز الله الفاطمي.


أما عن بدابة القاهرة الفاطمية فقد أشار "عامر" إلي أن الفاطميون حاولوا دخول البلاد حوالي ثلاث مرات سابقة سابقة حتى تولي الخلافة الفاطمية في بلاد المغرب الخليفة المعز لدين الله الفاطمي  سنة 341 هـ،وبدأ في تجهيز جيش ضخم ليفتح به مصر وصل عدده إلي مائة ألف جندي وولي علي قيادته جوهر الصقلي،وقد خرجت الحملة في 14 ربيع ثاني سنة 358 هـ/ فبراير 969م من مدينة القيروان بقيادة جوهر الصقلي ودخل الإسكندرية فسلمها أهلها بدون قتال وأدرك أهل الفسطاط أنه أنهم لن يستطيعون صد جيوش الفاطميين فأرسل الوزير جعفر بن الفرات رسولاً من العلويين إلي جوهر الصقلي يطلب منه الأمان ووافق جوهر وكتب عهداً بنشر العدل وبث الطمأنينة وترك الحرية للمصريين في إقامة شعائرهم الدينية، وفي 17 شعبان دخل جوهر مصر "الفسطاط" وخرج الوزير جعفر بن الفرات وسائر الأشراف والعلماء في استقباله ورحبوا به وعسكر جوهر في الموضع الذي بني فيه مدينة القاهرة،وهكذا انتهي سلطان الخلافة العباسية والحكم الإخشيدي في مصر بدون قتال ولا ضربة سيف واحدة و أصبحت مصر ولاية فاطمية في دولة تمتد من المحيط الأطلنطي غرباً إلي البحر الأحمر شرقاً واستمرت كذلك لمدة 200 عام.


وتابع "عامر" أن من أشهر أعمال جوهر الصقلي كانت تأسيس القاهرة رابع عواصم مصر الإسلامية،لتكون مقراً لحكم الخليفة الفاطمي في مصر،و كان مساحتها الأولية 340 فداناً علي شكل مربع طول ضلعه 1200 متر تقريباً،وكانت تمتد من منارة جامع الحاكم شمالاً إلي باب زويلة جنوباً ويحد من المدينة شرقاً تلال المقطم ومن الغرب الخليج الكبير ومن الجنوب مدينة القطائع،كما قام ببناء سور يحيط بمدينة الجديدة من الطوب اللبن له ثمانية أبواب هي باب زويلة وباب الفرج من الجنوب وباب الفتوح وباب النصر من الشمال وباب القراطين "باب المحروق" وباب البرقية من الشرق وباب القنطرة في الغرب،هذا بالإضافة إلي بنائه قصراً كبيراً لإقامة الخليفة الفاطمي وكان يقع بالقرب من السور الشرقي لذلك سمي بالقصر الشرقي،وكان يمتد من الموضع الذي يوجد به المشهد الحسيني الآن إلي الجامع الأقمر تقريباً وكانت له تسعة أبواب ففي الناحية الشرقية كانت توجد أبواب العيد والزمرد وقصر الشوك والناحية الغربية كانت توجد أبواب البحر والذهب والزهومة،والناحية الجنوب.


وذكر "عامر" أنه مع دخول الفاطميين إلي مصر عملوا منذ أول يوم لهم علي تحويل أهل مصر إلي المذهب الشيعي،ولكن بدون إجبار،فأمر جوهر الصقلي المؤذنين في المساجد بأن يؤذنوا بحي علي خير العمل بدلاً من حي علي الفلاح،وهو مذهب الشيعة في الآذان،كما أنشأ الجامع الأزهر ليكون مركزاً يتلقي الناس فيه عقائد المذهب الشيعي،والذي سعي إلي نشره بالطرق السلمية والترغيب،فكان يقوم بتعيين معتنقي المذهب الشيعي من المصريين في مناصب الدولة المهمة،وقد بدأ جوهر بناءه للمسجد الجامع،الذي سمي بعد ذلك جامع الأزهر،في أبريل سنة 970م/جمادي الآخر 359هـ، وأتمه في يونيو سنة 972م/361هـ، وكانت مساحة الأزهر عند بنائه نصف مساحته الحالية التي تبلغ الآن 12000 متراً مربعاً،وأقيمت في الجامع الأزهر أول صلاة جمعة يوم 6 رمضان سنة 361هـ،ولاحظ الناس أن الخطيب لم يدع للخليفة العباسي كما كان من قبل،وإنما دعي للخليفة الفاطمي المعز لدين الله،كما أمر جوهر بأن يقال في الخطبة "اللهم صل علي محمد المصطفي،وعلي عليٌ المرتضي،وعلي فاطمة البتول،وعلي الحسن والحسين سبطي الرسول،الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً،وصل علي الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله "،وقد اتبع الفاطميون وسائل مبتكرة في الترويج لمذهبهم الشيعي،فإلي جانب تعيين معتنقي المذهب في مناصب الدولة.

ولجأ الفاطميون إلي استحداث احتفالات دينية لم تكن موجودة من قبل،وربطها بمظاهر فرح وطقوس يغلب عليها البهجة والاستمتاع،وذلك لتحبيب الناس في المذهب الجديد،فمن تلك الاحتفالات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وليلة النصف من شعبان وعاشوراء واحتفالات شهر رمضان،وابتداع أكلات وأغاني مخصوصة لهذه الأعياد منها أكلات الكنافة والقطائف في شهر رمضان،وطبق العاشوراء في مولد عاشوراء،وأغنية وحوي يا وحوي التي يغنيها الأطفال وهم يخرجون بالفوانيس في ليالي رمضان.


ومن أهم آثار الدولة الفاطمية الباقية حتى الآن شارع المعز لدين الله الفاطمي وهو من أهم الشوارع التاريخية في مصر والقاهرة وعندما بنى جوهر الصقلي القاهره المعزيه عمل في سورها الشمالي بابين يبعدون عن بعض وهما باب النصر وباب الفتوح وفى السور الجنوبي عمل بابين متجاورين تم تسميتهم بباب زويلة وعمل شارع رئيسى من باب الفتوح إلى باب زويله وتم تسميه هذا الشارع ب شارع المعز لدين الله،مسجد الحاكم بأمر الله،قصر الأمير بشتاك،وجامع الأقمر،باب زويلة "بوابة المتولي"،باب النصر،مشهد الحسين بن علي بالقاهرة،حارة برجوان،الجامع الأزهر الذي بناه جوهر الصقلي،القبة الفاطمية بشارع الجمالية،مشهد كلثم بشارع الإمام الليثي بالقاهرة،مسجد اللؤلؤة بجبل المقطم،قبة أبو الغضنفر بالدراسة،قبة الشيخ يونس بقرافة باب النصر،قبة الجعفري بشارع الأشراف،قبة الحصواتي بالإمام الشافعي،قبة القاسم الطيب بن محمد المأمون بن جعفر الصادق،مسجد الصالح طلائع بباب زويلة،قبة يحيى الشبيه بن القاسم الطيب بالإمام الشافعي،مشهد السيدة رقية بنت علي بشارع الأشراف،باب الوزير ومدرسة خاير بك. 


وكانت نهاية الدولة الفاطمية وذلك بعد أن استأثر وزراء الدولة الفاطمية منذ النصف الثاني من القرن الخامس الهجري،حيث بدأ عصر الوزراء العظام يسيطرون علي مقاليد الأمور ويختارون ويستبدون بالأمر دون الخلفاء الفاطميين ويسيّرون شئون الحكم حسبما يشاءون،ويختارون خلفاء لا يحولون بينهم وبين تنفيذ مشيئتهم وكان من أبرز هؤلاء الوزراء الأفضل بن بدر الجمالي في عهد المستعلي بالله "495:487هـ"،والآمر بأحكام الله "524:495هـ"،وطلائع بن رزيق في عهد الفائز "555:549هـ"،وأسد الدين شيركوه، وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي في عهد الخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين "1167م/567هـ".