لا أنسى أبدًا يوم ذهبت لإجراء حوار صحفى مع النائب العام المستشار عبد المجيد محمود أثناء أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ بدار القضاء العالى، ووجدت الطريق إلى مكتبه فى الدور الثانى يشبه يوم الحشر، حيث احتشد المتظاهرون والمحتجون فى كل مكان، وجلسوا على السلالم وفى الممرات وحاصروا مكتبه ومنعوه من الدخول، فى صورة همجية بشعة تجلب الهموم والأحزان.
حدث هذا مع نائب عام مصر والمدافع على هيبة القضاء والقانون، فى إطار الفوضى ومحاولات أخونة القضاء، واستخدام الجهاز القضائى لخدمة أجندة سياسية معينة، والسيطرة على مفاصل السلطة القضائية، بما يسمح بتوجيه الأحكام القضائية وتأمين النفوذ السياسى وإضعاف خصومهم.
كانت تصرفاتهم تؤدى إلى هدم السلطة القضائية العريقة واستبدالها بمحاكمات الشوارع والميادين، بدلًا من حماية حقوق الأفراد، وتغيير قانون السلطة القضائية بما يؤدى إلى توسيع صلاحيات المرشد، وتوجيه المحاكمات بما يخدم أهدافهم.
ولا أنسى يوم ذهب صلاح أبو إسماعيل لحصار المحكمة الدستورية العليا، ليعطى رسالة بأن القضاء تحت سيطرة المتظاهرين، ومنع القضاة الأجلاء من دخول مقر المحكمة.
وكانت انتفاضة القضاة ضد مؤامرات الإخوان أيام فخر، ومرحلة مهمة فى تاريخ مصر الحديث حيث برز دور المؤسسات المستقلة فى مواجهة محاولات الهيمنة السياسية، ورفض القضاة المساس بهيبتهم واستقلالهم، وأصدرت المحاكم أحكامًا أبطلت قوانين وقرارات أصدرتها الجماعة، بما فى ذلك إعادة مجلس الشعب الذى حُلَّ بحكم المحكمة الدستورية العليا.
أسهمت مقاومة القضاة وإصرارهم على استقلالية السلطة القضائية فى إفشال مخططات الإخوان للهيمنة على القضاء، وكانت جزءًا من ثورة الشعب التى أدت فى النهاية إلى إنهاء حكم الجماعة فى يوليو ٢٠١٣.
ووقف الجيش بجانب القضاء، ووفر مظلة لحماية المحاكم لتقوم بدورها فى أحلك الظروف، وساند الشرطة بعد هجوم الغوغاء على الأقسام وحرقها، وبعودة هذه المنظومة استعادت الدولة المصرية عافيتها وبدأت فى تثبيت أركانها.
استهدفت قوى الشر التى اجتاحت المنطقة تحت مظلة الجحيم العربى، ضرب المؤسسات الوطنية للدول، وفى صدارتها الجيوش لتتمكن من تفكيكها وتمزيقها، وتكرر نفس السيناريو فى العراق وسوريا واليمن وليبيا، ووصلت أنظمة الحكم فيها إلى نهايتها، بعد إثارة الفتن والانشقاقات وفقدان دروعها الواقية.
تحديث الجيش المصرى ورفع قدراته القتالية ليس رفاهية، ولكنه ضمانة أساسية لاستقرار الدولة وحماية المواطنين لتبقى مصر واقفة على قدميها، رافعة رأسها فى السماء، ولم تتفكك الدولة لأن الجيش هو الدرع الواقية، حين تكالبت الوحوش على الوطن، يدافع عن دولته ويحميها ويحقق الأمن للشعب، ويعيد بناء المؤسسات التى يحاولون النيل منها، وفى مقدمتها مؤسسات القضاء والشرطة.
الدول تحكم بهيبتها والدولة التى ندافع عنها لها هيبة وسطوة، ومؤسسات قوية وراسخة، وشعب يحترم القانون ويدعم أجهزة الحكم، فلم توجد لتتسلط عليه، وإنما السهر على خدمته، وتيسير حياته المعيشية.