سوريا ..زلزال سياسى وفرص ضائعة

إعلان سقوط نظام بشار الأسد
إعلان سقوط نظام بشار الأسد


لن نقول إن ٢٠٢٤ عام الانكسارات العربية، فما يحدث فى ملف الصراع العربى الاسرائيلى يمثل مرحلة من نضال طويل قد تكون اسرائيل قد حققت فيه نجاحات بشكل مرحلى وحققت فيه انجازات تكتيكية ولكنه جولة من مواجهة طويلة مستمرة منذ ٧٥ عاما.

وفى هذا الملف حول حصار عام ٢٠٢٤ الذى يغادرنا بعد أيام قليلة محاولة لرصد ما يجرى على صعيد عدد من الدول العربية وكلها ملفات مفتوحة مثل ليبيا التى عانت كثيرا من الانقسامات الداخلية ولكنها بعد حوالى عشر سنوات تسير باتجاه تحقيق مصالحة وطنية، وكذلك السودان الذى يعيش مأساة إنسانية حقيقية بعد الصراع العسكرى بين قوات الجيش الوطنى السودانى وقوات الدعم السريع يدفع ثمنها الآلاف من المدنيين.. ولا يختلف الأمر عن بقية الساحات الخمس فى فلسطين حيث اسرائيل مستمرة فى عدوانها على قطاع غزة حيث نالت الى حد ما من قدرات المقاومة الفلسطينية.

أما فى لبنان فقد شهدت جبهات المواجهة هدنة من طرف واحد مع حزب الله ولكن الطريق انفتح امام تنفيذ القرار الدولى ١٧٠١ وفى سوريا التى سقط فيها نظام بشار الأسد فى مفاجأة العام فقد استثمرت إسرائيل تلك الظروف لإنهاء قدراتها..وكذلك الوضع فى العراق واليمن.
وهذه محاولة لمزيد من التفاصيل..

اقرأ أيضًا | فلسطين ..عدوان مستمر والأمل فى حل الدولتين

«هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع تحدث فيها عقود».. مقولة شهيرة لفلاديمير لينين مؤسس وزعيم الاتحاد السوفيتى الأول، قالها فى العقد الثانى من القرن العشرين الماضى.. وإذا جاز لنا استعارة ما قاله الرجل عن عالم السياسة والإمبراطوريات، نجد أن كلماته تتطابق بعناية مع ما حدث فى سوريا مؤخراً خاصة خلال العام الحالى الذى يغادرنا بعد يومين، حيث تعرضت لزلزال سياسى غير مسبوق مع بدايات شهر ديسمبر الجارى، انتهى بسقوط نظام بشار الأسد الذى حكم البلاد لمدة 24 عاماً، وسيطرة أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام على مفاصل الدولة ونظام «سوريا الجديدة».

لم يكن هذا الزلزال السياسى وليد اللحظة، وإنما كان أحد تبعات حالة التوتر والاضطراب فى الداخل السورى منذ مارس عام 2011، حينما بدأت شرارة الثورة السورية احتجاجاً على نظام بشار الأسد، مطالبة بالحرية والكرامة ووضع حد للفساد والديكتاتورية، تلك التظاهرات السلمية قمعها نظام بشار الأسد بالسلاح، فسقط مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين نزوحاً فى الداخل السورى، ولجوءاً فى مختلف بقاع العالم، لتتحول سوريا إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.

وعلى مدار السنوات الماضية، استمر النظام السابق فى كبت شعبه متسلحاً بدعم لا محدود من إيران وروسيا، ظناً منه أنهما سيحمونه إلى الأبد، وفى المقابل كانت تنمو وتترعرع الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى الأراضى السورية، بتمويلات من دول غربية وإقليمية، فى انتظار اللحظة الحاسمة للانقضاض على السلطة، كما حدث منذ أسابيع.

ما شهدته الدولة السورية خلال العام الحالى، يتحمل نتيجته بشار الأسد دون سواه، فهو المسؤول عن إضعاف الجيش الوطنى السورى، وتنامى دور قوات عسكرية غير سورية لحماية نظامه، هو المسؤول عن تصاعد الغضب الشعبى تجاه «سلطانه» على مدار السنوات الماضية وعدم الاستجابة لمطالب المعارضة آنذاك حتى أنه استخدم «مسرحية» الانتخابات الرئاسية فى ١٥ يوليو الماضى بعد إقرار دستور عام 2012 وفوزه بنسبة 95.1٪، ليثبت شعبيته ونفوذه فى دولة تخلو من ملايين السوريين الذين فروا من بطش نظامه، وكان أمام الأسد فرصة فى هذه الانتخابات ألا يترشح ويترك بلاده لمصير ديمقراطى.

ومن الفرص الضائعة أيضاً التى فوتها بشار الأسد، عدم عنايته بقرار مجلس الأمن الدولى رقم 2254 المتخذ بالإجماع فى 18 ديسمبر عام 2015، والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية تشمل كافة الأطراف وفق حوار شامل للحفاظ على الدولة واستقرارها، برعاية الأمم المتحدة، وترك المعارضة بعيداً عن المشهد السياسى، لتنمو الفصائل المسلحة المتناحرة فى البلاد بشكل أكبر وبوتيرة أسرع بدعم خارجى ولم يشارك بإيجابية فى اجتماعات اللجنة الدستورية خلال اجتماعاتها مرتين، ولا «محادثات أستانا» لتحقيق السلام فى سوريا.

حتى الحضن العربى، ابتعد عنه بشار الأسد لقرابة 12 عاماً، ولم يستمع إلى الأصوات العربية ولم يستجب إلى مبادراتها، ومع إنهاء تجميد عضوية سوريا فى أوائل مايو من عام 2023 الماضى بقرار جماعى من وزراء الخارجية العرب، ومن ثم مشاركة بشار الأسد بعد أيام من القرار فى أعمال القمة العربية الثانية والثلاثين التى عُقدت فى مدينة جدة السعودية - ظلّ أمام الأسد العديد من الفرص لتعزيز علاقاته مع قادة الدول العربية والعودة مرة أخرى إلى الحضن العربى، إلا أنه لم يفعل، وعلى مدار 19 شهراً بعد عودة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية، لم يقم الأسد بزيارة لأى دولة عربية لتعزيز العلاقات الثنائية معها، سوى مشاركته فى القمة العربية الإسلامية الطارئة التى عُقدت فى السعودية خلال شهر نوفمبر من العام الماضى، وقمة البحرين خلال شهر مايو الماضى.

هذا هو حال سوريا طوال هذا العام الذى ينقضى بعد أيام أما عن سوريا الجديدة ما بعد بشار الأسد، فيسود المشهد الكثير من الضبابية بعد سيطرة أحمد الشرع على النظام السورى، إلا أن ثمة حالة من الاستقطاب باتت تستهدف الدولة، تجاوزت فى جوهرها الحالة الإقليمية نحو نطاق دولى أكثر اتساعاً، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً فى ضوء مرحلة انتقالية تشهدها البلاد ومخاوف كبيرة جراء فوضى محتملة، مع تدخلات مباشرة فى الشأن الداخلى تحمل فى جزء منها بعداً عسكرياً، فى إطار الهجمات العسكرية الإسرائيلية على الأراضى السورية والتى استهدفت تدمير القدرات العسكرية خلال الأسابيع الماضية.

وتبقى الكرة بين أقدام السوريين أنفسهم، فإما الانتصار لبلادهم أو مواصلة سياسة دفع الفواتير وتقديم فروض الولاء والطاعة للقوى الخارجية للحصول على قدر من الحماية، التى ستبقى مدفوعة الأجر من مقدرات وحقوق الشعب السورى وسيادة دولته، وربما تنال أيضاً من وحدة أراضيه.

فالفرصة مازالت سانحة أمام السوريين للتمسك بدولتهم، فى ظل المقاربة العربية التى تم طرحها فى اجتماعات العقبة الأردنية مؤخراً، والتى تعكس دعماً عربياً كبيراً للمرحلة الانتقالية.




لبنان ..واقع محفوف بالتحديات والمخاطر

مروي حسن حسين

سلسلة من الأحداث الدراماتيكية شهدها لبنان فى 2024، والتى غيرت ملامحه السياسية والعسكرية بشكل جذرى، بدأ بتصاعد الحرب الإقليمية مع إسرائيل، ثم الاغتيالات التى طالت قياداته البارزة فى حزب الله، وصولًا إلى توقيع اتفاق أمنى مثير للجدل مع إسرائيل وانهيار نظام بشار الأسد فى سوريا، كل هذا فى ظل تفاقم الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، مع فشل تعيين رئيس للبلاد بسبب الانقسامات الدائرة، ما أدى إلى شلل الحكومة منذ أكتوبر 2022.

فى بداية العام، دخل لبنان بشكل مباشر فى حرب إقليمية أُطلق عليها «حرب الإسناد»، حيث لعب حزب الله دورًا محوريًا لدعم غزة، بدأ التصعيد تدريجيًا، وسط تحذيرات دولية من خطورة الانجرار إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل.. وتلقت جماعة حزب الله اللبنانية إنذارًا إسرائيليًا يهددها بأنها إذا لم تنسحب على الفور من الحدود الإسرائيلية اللبنانية وتوقف هجماتها الصاروخية، فإن حربًا شاملة أصبحت وشيكة، وهو التهديد الذى سبق العاصفة.

فى اليوم التالى، تحولت النيران الإسرائيلية، التى كانت تقتصر على تبادل إطلاق النار عبر الحدود منذ 8 أكتوبر 2023، إلى الضاحية الجنوبية لبيروت لأول مرة. وبدأ الاحتلال هجماته، فاستهدفت طائرة بدون طيار إسرائيلية مكتبًا لحماس فى حارة حريك، مما أسفر عن استشهاد الرجل الثالث بحزب الله، صالح العارورى. وفى الوقت نفسه، زادت عمليات قتل قادة حزب الله فى جنوب لبنان بشكل كبير.. لكن تصاعدت المواجهات العسكرية بسرعة، وحافظ حزب الله على استراتيجية «الجبهات المرتبطة»، وأصر على أنه سيواصل هجماته حتى انسحاب الاحتلال من غزة، بينما أصرت إسرائيل على امتثال حزب الله للقرار 1701 وسحب قواته شمال نهر الليطانى.. وبين 8 أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024، شن حزب الله 1900 هجوم عسكرى عبر الحدود، بينما ردت إسرائيل بـ 8300 هجوم على جنوب لبنان، وقد تسببت هذه الضربات فى مقتل المئات ونزوح مجتمعات بأكملها فى جنوب لبنان وشمال إسرائيل.


وتصاعدت حدة المواجهات، حيث وسع الاحتلال نطاق غاراته وأهدافه إلى منطقة بعلبك، فى حين كثف حزب الله نطاق ضرباته لتتسع إلى مواقع عسكرية إسرائيلية عميقة.

ولم تسلم قوات اليونيفيل الدولية فى المواقع الأمامية من إطلاق النار المتبادل، حيث تصاعدت الهجمات بعد دخول قوات الاحتلال الإسرائيلى إلى مناطق عمليات القوة الأممية.

وبحلول منتصف يوليو، كانت السفارات الغربية فى لبنان تحث رعاياها على مغادرة البلاد فورًا، مدركة تهديد إسرائيل بتوسيع الصراع إلى حرب شاملة على لبنان.

وتكثفت الضربات الإسرائيلية على قيادة حزب الله، وبلغت ذروتها بقتل قائد فرقة الرضوان فؤاد شكر بجنوب بيروت فى يوليو. وفى اليوم التالى، تم استهداف رئيس المكتب السياسى لحماس إسماعيل هنية فى طهران، مما أدى إلى تفاقم التوترات بين إسرائيل وإيران.. وتعمقت الضربات الجوية الإسرائيلية عبر جنوب لبنان ووادى البقاع، فى حين وسع حزب الله هجماته إلى مستوطنات كريات شمونة وميرون وضواحى حيفا وصفد.


وفى 17 و18 سبتمبر، شن الاحتلال الإسرائيلى هجومًا منسقًا على آلاف أجهزة النداء واللاسلكى التابعة لحزب الله، مما تسبب فى انفجارات أسفرت عن مقتل 42 شخصًا وإصابة أكثر من 3500 آخرين، ورغم أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها، فإن الهجوم كان بمثابة تصعيد كبير.

وبحلول 27 سبتمبر، جاءت الضربة الكبرى باغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله فى عملية نوعية، فقد شكلت العملية زلزالًا سياسيًا وعسكريًا، وأتبعتها إسرائيل باستهداف خليفته هاشم صفى الدين، مما أدى إلى شلل فى قيادة الحزب وأضعف قدرته على التنظيم والرد. رافق ذلك قصف مكثف استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت ومنشآت الحزب فى الجنوب اللبنانى، ما خلف خسائر بشرية ومادية هائلة.

وبحلول الأول من أكتوبر، كثف الاحتلال الإسرائيلى غاراته، فدمرت المبانى السكنية وحتى المواقع الأثرية فى صور وبعلبك. كما بدأ الجيش الإسرائيلى هجومًا بريًا فى جنوب لبنان، ودمر قرى حدودية وقطع المعابر البرية مع سوريا لتعطيل خطوط إمداد حزب الله.

وسط هذه التطورات، وقّع لبنان فى 26 نوفمبر الماضى، اتفاقًا أمنيًا مع إسرائيل برعاية أمريكية، تضمّن الاتفاق تعديلات جوهرية على القرار الأممى 1701، أبرزها منح إسرائيل حرية التحرك داخل الأراضى اللبنانية لملاحقة عناصر حزب الله ومنع إعادة بناء منظومته العسكرية.

ورغم الجدل الكبير الذى أثاره الاتفاق باعتباره انتهاكًا للسيادة اللبنانية، فرض توازن القوى المختل تمريره وسط ضغوط دولية وميدانية. ومع ذلك، سبق الاتفاق تصعيد إسرائيلى هائل فى بيروت. ودخل القرار حيز التنفيذ، لكن على الرغم من وقف إطلاق النار، استمرت الانتهاكات.

وأوضحت الخارجية اللبنانية أن الخروقات الإسرائيلية مستمرة حتى الآن، وتشمل قصف القرى الحدودية وتفخيخ المنازل وتدمير الأحياء السكنية وقطع الطرق.

وأشارت إلى أن الخروقات الإسرائيلية تعرقل جهود لبنان فى تنفيذ بنود القرار «1701» وتضع العراقيل أمام انتشار الجيش فى الجنوب. ونبهت إلى أن تلك الخروقات تقوض مساعى التهدئة وتجنب التصعيد العسكرى وتمثل تهديدا خطيرا للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار.

وقدر وزير الاقتصاد اللبنانى أمين سلام، الخسائر الأولية بنحو 15 إلى 20 مليار دولار، مع فقدان 500 ألف وظيفة، وإغلاق الشركات على نطاق واسع، فيما أثر الدمار الزراعى على 900 ألف دونم من الأراضى الزراعية.

مع نهاية العام، جاء انهيار نظام الرئيس السورى بشار الأسد ليضيف بعدًا جديدًا لأزمة حزب الله، حيث فقد الحزب قنوات الإمداد الأساسية مع إيران، وتقلص الدعم السياسى والعسكرى الذى كان يحصل عليه عبر دمشق.. وأدى هذا السقوط إلى تراجع كبير فى نفوذ إيران فى المنطقة، ما منح إسرائيل وحلفاءها مساحة أكبر للتحرك بحرية، وزاد من عزلة حزب الله الذى أصبح يواجه تحديات داخلية وإقليمية غير مسبوقة.

لم تقتصر تداعيات 2024 على الصعيد العسكرى فقط، بل كشفت الأحداث عن هشاشة الوضع السياسى والاقتصادى فى لبنان. ففى منتصف ديسمبر 2023، أبلغت الدول المانحة لبنان بخطط لتقليص المساعدات للحماية الاجتماعية مع بداية عام 2024. وازدادت معاناة المواطنين بسبب الانهيار الاقتصادى والتدمير الذى طال البنية التحتية، بعد أن عانى بالفعل من الانهيار المالى فى عام 2019، خاصة مع فشل تعيين رئيس للبلاد.


ومع نهاية العام، أصبح واضحًا أن لبنان يمر بمرحلة مفصلية. وضعف حزب الله وفقدانه لنفوذه العسكرى يفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرة الدولة اللبنانية على استعادة سيادتها وبناء مؤسساتها، فى ظل أوضاع سياسية واقتصادية غير مستقرة.