عاطف الطيب.. مخرج الغلابة والواقعية

عاطف الطيب
عاطف الطيب


في ذكرى ميلاد المخرج المصري عاطف الطيب، الذي وُلد في سوهاج (جنوب مصر) في 26 ديسمبر 1947، نتذكر أحد أبرز صناع السينما الواقعية في مصر، والذي حوّل الكاميرا إلى نافذة تكشف أوجاع البسطاء وتفاصيل حياتهم. لقب بـ"مخرج الغلابة" لأنه لم يكن مجرد مخرج، بل صوتًا لمن لا صوت لهم.

ترك 21 فيلماً سينمائياً أولها «الغيرة القاتلة» عام 1982، وآخرها «جبر الخواطر» الذي عرض بعد وفاته عام 1996. وبين التاريخين قدم عدداً من الأفلام التي أصبحت علامة في تاريخ السينما المصرية والعربية من بينها «سواق الأتوبيس»، المدرج ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري، و«البريء» و«كتيبه الإعدام»، و«قلب الليل» و«التخشيبة» و«الهروب» و«ناجي العلي» و«ضد الحكومة» و«ليلة ساخنة»، وحصد العديد من الجوائز عليها.

عاطف الطيب قدّم أفلامًا جمعت بين العمق الفني والبساطة التي تخاطب الجميع، مما جعله قريبًا من قلوب المصريين. في أفلامه، مثل "البريء" و*"سواق الأتوبيس"* و*"كتيبة الإعدام"*. أجاد تصوير مشاعر الظلم، الغضب، والحلم بالعدالة بأسلوب يجمع بين الإحساس القوي والحرفية العالية.

إقرأ ايضا: بعد إنتهاء أزمة اسم المسلسل.. انطلاق تصوير «نص الشعب اسمه محمد»

الطريف والمميز:

ما يميز عاطف الطيب أنه كان يرى السينما كأداة لتغيير الواقع، ولكنه كان يفعل ذلك بحس فكاهي. في إحدى لقاءاته، قال إنه كان يستمتع بمناقشة الطبقات الشعبية مع فلاحين وسائقي الأجرة لجمع تفاصيل حياتهم ووضعها في أفلامه. حتى في المواقف الجادة، كان يتمتع بخفة دم تجعله محبوبًا من فريق العمل.

حبكات من وراء الكاميرا:

عاطف كان يؤمن أن التفاصيل الصغيرة هي ما تصنع الحكايات الكبيرة. خلال تصوير "سواق الأتوبيس"، طلب من النجم نور الشريف زيارة الميكانيكيين وسائقي الأتوبيسات في الجراجات ليعيش حياتهم. وعندما تأخر التصوير بسبب صوت صراخ أحد الأطفال، أصر عاطف على أن يُبقي هذا الصوت في المشهد، قائلاً: "الحقيقة أحلى من الفبركة".

في "البريء"، أثار الطيب جدلًا كبيرًا بسبب نهايته الأصلية، التي كانت تظهر الظلم بوضوح صارخ. لكن بعد تدخل الرقابة، اضطر لتغيير النهاية، فعلق قائلاً: "حتى الحقيقة لازم تمشي جنب الحيط!".

الطريف والمؤثر:

عاطف كان شخصية تمزج بين الجدية وخفة الظل. أثناء تصوير "كتيبة الإعدام"، اقترح أحد الممثلين مشهدًا كوميديًا لإضفاء بعض التنفيس وسط أجواء الفيلم الثقيلة. فرد الطيب: "أنت فاكرنا بنعمل اسكتش مضحك؟ دي كتيبة إعدام مش كتيبة ضحك!"

رغم موهبته الكبيرة، كان عاطف الطيب يرفض التكلف أو التصنع، ويفضل التصوير في مواقع حقيقية. في فيلم "الهروب", أصر على تصوير مشهد في أحد أسواق القرى، مما جعل الباعة يعتقدون أنه فيلم وثائقي، وتعاملوا مع الممثلين كزبائن حقيقيين!

واقعيته:

في كواليس تصوير فيلم "البريء"، أصر على تصوير مشهد السجن بواقعية شديدة، لدرجة أن أحد الممثلين قال له: "هو إحنا بنصور فيلم ولا بنعيش في السجن بجد؟"، فأجاب الطيب ضاحكًا: "الاتنين!"

الإرث الباقي:

عاطف الطيب ترك بصمة لا تمحى في السينما المصرية، فرحل في 23 يونيو 1995، لكنه ترك إرثًا فنيًا غنيًا يستحق الاحتفاء، وسينما حملت قضايا الغلابة إلى الشاشات الكبيرة ، ترك لنا أفلامًا تحمل نبض الشارع، تجعلنا نضحك، نبكي، ونتأمل. كان وسيظل صوت البسطاء الذي يصعب إسكاته.