إذا عدنا بالزمن لرؤية كواليس زواج أجدادنا سنجد أن الأمر كان يطغى عليه البساطة والرضا ، بحصير وقُلة فى غرفة صغيرة تبدأ الفتاة حياتها وتبنى منها بيتاً مَلِيئاً بالسعادة والدفء، هذا الدفء لم نعد نشعر به سوى فى بيوت أجدادنا القديمة..
وأهم ما فى الأمر أنه غير مُكدس بالأجهزة الباهظة أو الإمكانيات العالية، فالسعادة تأتى بالمودة والرحمة والتفاهم وليس بالأثاث الفاخر، فماذا عن عادات وتقاليد اخترعها البشر لتكون عبئاً وحملاً فوق أكتافهم! لماذا يحتاج الأهل إلى تحمل نفقات فوق طاقتهم من أجل تجهيز ابنتهم! وماذا عن شاب يرغب فى أن يسلك طريق الحلال ولكن تأتى العادات والتقاليد لتعرقل خطواته! والسؤال هنا هو: ما تلك العادات وما أسبابها ؟
تروى لنا «ريهام» تفاصيل زواج الفتاة فى قرى محافظة «بنى سويف»، وقالت: إن الأهالى فى القرى يحملون حملًا كبيرًا فوق عاتقهم بسبب العادات والتقاليد، التى تجبر الأهالى على شراء أعداد مهولة من كل شيء حتى لا يُقال عن ابنتهم إنها أقل من أحد، وأضافت: أن من عاداتهم شراء ٣ غسالات بأنواع مختلفة وغير المقتدرين يقومون بشراء ٢ فقط، وكذلك لا يكتفون بشراء ثلاجة واحدة فقط بل اثنتين، ومن عاداتهم أن تشترى الفتاة عدداً ضخماً من المفروشات على سبيل المثال «50 ملاية»، وفى كثير من الأحيان يتجه الأهل إلى شراء الجهاز عن طريق القسط أو بالقروض وكتابة الكمبيالات وما إلى ذلك.
وعن رحلة الأهل فى تجهيز الفتاة قالت «أم أحمد» -45 عامًا- تعيش فى قرية دشطوط بمحافظة «بنى سويف»: إنهم لا يكتفون بشراء السجاد فقط، بل يشترون أيضًا حافظات للسجاد بالإضافة إلى الحصير، أما عن فوط الوجه فلا تقل عن 50 قطعة، وأكثر من ٤٠ طقم ملاءة سرير، وفى شق آخر بعض الفتيات يقبلن على شراء ملابس الأطفال قبل إتمام الزواج!
اقرأ أيضًا| فيديوجراف| مي حلمي تتصدر التريند بتصريحات مثيرة للجدل.. ما القصة؟
ولا ينتهِي الأمر عند إتمام الزواج وتجهيز الفتاة ، بل تبدأ رحلة أخرى تحت بند العادات والتقاليد بعد الزواج، هذا ما قالته «رنا» ابنة محافظة «الفيوم» ، ففى قرى المحافظة على وجه الخصوص يظل أهل الفتاة يحملون كل يوم أشياء كثيرة من الطعام ما بين كحك ولحوم بأنواعها وفواكه.. ويزورون ابنتهم كل يوم لمدة لا تقل عن 15 يوماً، وعلى الأهل أن يقوموا بشراء حوالى 100 كيلو من البسكويت والكحك وتقديمه لابنتهم فى بيتها الجديد.
ويظل حبل العادات يلتف حول رقبة الأهل بالديون والمصاريف إلى أن تلد الفتاة مولودها، فتقول «خلود» إحدى فتيات محافظة «سوهاج»: إن من عاداتهم أن يقدم الأهل لابنتهم عندما تلد سريراً لطفلها وغسالة أطفال وقطعة من الذهب سواء حلقاً أو خاتماً للصغير.
ولم يختلف الأمر كثيرًا فى «كفر الشيخ» عن باقى المحافظات، إلا أنه أكثر مبالغة، فمن بين عاداتهم أن تشترى الفتاة ما يقرب من 120 فوطة للوجه، ولا تكتفى بشراء مفرش أو اثنين للسرير، بل يجب أن يكون لديها ما يقرب من 6 أخرى للتبديل بينها، ومن الأشياء التى يشترونها بكثرة أطقم الحلل والتى قد تصل إلى 8 أطقم، ومن الأساسيات لديهم شراء قطعتين أو أكثر من كل قطعة أو طقم فى المطبخ، وذلك لكى يضعوا جزءاً خاصاً بالمطبخ وآخر للنيش، حسب ما قالته «وعد».
وقالت «أميرة» صاحبة الـ 55 عامًا: إن متوسط تكلفة تجهيز الفتاة فى محافظة «أسيوط» يتراوح ما بين 500 ل 600 ألف جنيه، وأقل عروس لديهم لابد أن يُزف جهازها فيما لا يقل عن 10 عربات، هذه عاداتهم ويسعون دائمًا إلى تحقيق هذه التقاليد حتى لا يُقول الناس إنهم غير قادرين على تجهيز ابنتهم، وأضافت أيضًا: أن من بين عاداتهم عندما يتقدم الشاب لخِطبة فتاة وتنال إعجابه يعبر عن ذلك بوضع 10 آلاف جنيه وخاتم من الذهب على صينية التقديم.
وعلى الجانب الآخر عرقلت العادات والتقاليد مسيرة الشباب نحو الزواج، فقال «محمد» صاحب الـ 29 عامًا: إن من بين عاداتهم أن يُقدم للفتاة شبكة باهظة قد تصل إلى 150 و200 جرام من الذهب ..
وتختلف هذه النسبة من عائلة لأخرى، بالإضافة إلى التكاليف المختلفة والتى على رأسها الفرح: فمن المتعارف عليه فى المنيا ذبح المواشى لتقديم واجب الضيافة للمعازيم، ولدى بعض العائلات تظل مائدة الإطعام لديهم ليومين أو أكثر وكذلك يفعلون أهل الفتاة.
لم يكن يعلم أن أمر الزواج سيحتاج منه كل هذا العبء، عندما قرر علاء صاحب الـ 27 عامًا الزواج فقد وجد نفسه داخل مجموعة من العادات والتقاليد وعليه أن يجاريها جميعها، وقال: إن وقت زواجه طلب منه والد العروس أن يتحمل تكاليف غرف النوم والصالون، بالإضافة إلى 100 جرام ذهب وإعطاء العروس مبلغاً من المال لكى تشترى جميع الملابس التى تحتاجها، وبالتأكيد أن يمتلك شقة، مشيراً إلى أن هذه العادات معروفة لديهم فلم يتفاجأ حينما سمعها، ولكن هذا لا يعنى أن عليه قبولها، خاصة أن كثيراً من الشباب لم يكن لديهم المقدرة على هذا الكم من الطلبات.. وبعض الأهالى لا يقبلون بالتنازل حتى لا يُقال عنهم إنهم لا يعززون ابنتهم!
وعن الجانب النفسى لمثل هذه العادات.. قال د.جمال فرويز استشارى الطب النفسي: إن هؤلاء الأشخاص لديهم اضطراب نفسى لأن نسبة كبيرة منهم يجهزون بناتهم بأعداد كبيرة ومبالغ خيالية عن طريق الدين والأقساط.. وهم مدركون تماماً أنهم غير قادرين على التسديد، واستشهد على ذلك بموقف حدث معه حينما قرر هو وبعض زملائه مساعدة سيدة فى شراء جهاز ابنتها..
وعند سؤالها عما ينقصها اشترطت عليهم أنواعاً معينة من الأجهزة باهظة الثمن، حينها انسحب الجميع وقرروا عدم المساعدة ، فهم يحبون المساعدة ولا يحبون الاستغلال، وأكد فرويز على ضرورة نشر الوعى بعدم مساعدة من يسعون للنصب على المتبرعين مستغلين حبهم للدين، ودعوة الأشخاص إلى النظر لوضعهم المادى قبل اتباعهم للعادات والتقاليد.
ومن جانبها قالت د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس: إن هذه العادات والتقاليد أدت لخلق ظاهرة الغارمات.. وهى بالفعل موجودة مُنذ سنوات طويلة..
ولكن زاد انتشارها فى الفترة الحالية بشكل كبير، وهنا يأتى الدور المهم لوسائل الإعلام فى التوعية، واستغلال جميع المسلسلات والأفلام والأغانى والبرامج فى التنويه عن خطورة هذه الظاهرة، ودعوة الأهالى إلى تجهيز بناتهم فيما يتناسب مع إمكانياتهم المادية دون المبالغة، وأشارت خضر إلى أنه على المنظمات الثقافية والمجلس القومى للمرأة دور مهم للتوعية بضرورة الحد من هذه الظاهرة.