أصل الحكاية| تابوت غنم نخت.. بوابة العالم الآخر في الدولة الوسطى

 تابوت غنم نخت
تابوت غنم نخت


في أعماق جبانة "مير" المهيبة، التي تقع ضمن مواقع الآثار القديمة في مصر، تم العثور على تحفة نادرة تعود لعصر الدولة الوسطى، وتحديداً أواخر الأسرة الثانية عشرة. 

التابوت الخشبي الخاص بشخص يُدعى "غنم نخت"، المعروض حالياً في متحف المتروبوليتان بنيويورك، يعكس براعة الفراعنة في تصميم وتهيئة المتوفى للحياة الأخرى.

يتميز التابوت بتصميمه الفريد ودقة النقوش التي توثق رحلة الروح عبر العالم الآخر، ويظهر على التابوت بوابة "رستاو"، إحدى بوابات العالم الآخر في العقيدة المصرية القديمة، التي تتيح لروح المتوفى العبور بين عالمي الحياة والموت، يُعد هذا التابوت شاهداً على تطور الفن والاعتقادات الدينية في الدولة الوسطى.

أقرأ أيضا  | أصل الحكاية| «تمثال نيس-حور» تحفة فنية تشهد على عبقرية المصريين القدماء

جبانة مير: موقع الاكتشاف

1- موقع جبانة مير وأهميتها

تقع جبانة مير بالقرب من منطقة بني حسن في صعيد مصر، وكانت مركزاً جنائزياً هاماً خلال عصر الدولة الوسطى.

اشتهرت الجبانة بوجود العديد من المقابر التي تعود إلى شخصيات بارزة، مزينة بنقوش فنية تعكس حياة الأفراد ومعتقداتهم الدينية.

2- اكتشاف تابوت غنم نخت

اكتُشف التابوت في مقبرة تعود لغنم نخت، أحد الشخصيات المرموقة في تلك الفترة.

حالة التابوت الجيدة ونقوشه التفصيلية أثارت اهتمام علماء الآثار، حيث يُعد أحد أفضل الأمثلة على الفن الجنائزي في عصر الدولة الوسطى.

تصميم التابوت وزخارفه

1- المواد المستخدمة

صُنع التابوت من الخشب المصري المحلي، الذي عُرف بجودته وقابليته للنقش والتلوين.

الطلاء والزخارف التي تزين التابوت أُعدت باستخدام أصباغ طبيعية، ما ساهم في الحفاظ على جودتها عبر العصور.

2- بوابة "رستاو"

يظهر على التابوت تصميم بوابة "رستاو"، التي تمثل إحدى بوابات العالم الآخر.

تُعد البوابة رمزاً مهماً في المعتقدات المصرية، حيث تسمح للروح بالمرور بسهولة بين عالمي الأحياء والموتى.

3- العينان السحريتان

يحتوي التابوت على عينين مرسومتين في الجزء العلوي، تُعرف بـ"عيون الحراسة".

تُتيح هذه العينان للروح مراقبة عالم الأحياء والتفاعل مع الحياة اليومية، مما يعزز الاتصال بين الروح والأحياء.

بوابة "رستاو" ودورها في العقيدة المصرية

1- مفهوم بوابات العالم الآخر

كان المصريون القدماء يؤمنون بوجود بوابات متعددة في العالم الآخر، يجب أن تمر بها الروح للوصول إلى الأبدية.

بوابة "رستاو" كانت تُعد واحدة من أهم هذه البوابات، حيث تمثل طريق الروح بين الحياة والموت.

2- تصميم البوابة على التابوت

الزخارف التي تزين بوابة "رستاو" على التابوت تتضمن رموزاً سحرية ونصوصاً هيروغليفية تهدف إلى حماية الروح وتوجيهها.

التفاصيل الدقيقة للبوابة تعكس فهم المصريين للعالم الآخر وأهمية التجهيز للرحلة الأبدية.

عصر الدولة الوسطى: إحياء للفن والدين

1- تطور الفن الجنائزي

شهدت الدولة الوسطى (2055-1650 ق.م) تطوراً ملحوظاً في تصميم المقابر والتوابيت.

كان التابوت يُعتبر بيتاً أبدياً للروح، لذا أُولي اهتمام خاص بتزيينه ورسم النصوص الجنائزية عليه.

2- رمزية النقوش والتفاصيل

النصوص والنقوش التي تُزين التوابيت في عصر الدولة الوسطى غالباً ما تحمل تعاويذ من كتاب الموتى وأدعية لضمان حماية الروح.

المشاهد التي تصور رحلة الروح تُظهر فهم المصريين العميق للعالم الآخر.

تابوت غنم نخت: رمز للخلود

1. النقوش النصية

يحتوي التابوت على نصوص هيروغليفية تدعو الآلهة لحماية غنم نخت وضمان وصوله إلى الحياة الأبدية.

هذه النصوص تعكس المعتقدات الدينية الراسخة في تلك الفترة وأهمية الدين في حياة المصريين.

2. المشاهد الفنية

بالإضافة إلى بوابة "رستاو"، تظهر على التابوت مشاهد تصور الإلهة ماعت (إلهة الحق والعدل) وإله الشمس رع، مما يعكس أهمية التوازن والعدل في العالم الآخر.

الألوان المستخدمة تضفي جمالاً وتبرز التفاصيل الدقيقة للنقوش.

متحف المتروبوليتان ومقتنياته المصرية

1- عرض التابوت في المتحف

يُعرض تابوت غنم نخت حالياً في متحف المتروبوليتان بنيويورك، ضمن قسم الآثار المصرية.

يتيح العرض للزوار فرصة استكشاف تفاصيل التابوت ومشاهدة براعة الفنانين المصريين.

2- أهمية المقتنيات المصرية في المتحف

يضم المتحف مجموعة واسعة من الآثار المصرية، مما يُظهر الاهتمام العالمي بالحضارة المصرية القديمة.

تابوت غنم نخت يُعد واحداً من أبرز القطع التي تعكس تطور الفن الجنائزي.

الأهمية التاريخية والرمزية للتابوت

1- شهادة على الحضارة المصرية

تابوت غنم نخت يُعد مثالاً رائعاً على عبقرية المصريين القدماء في الدمج بين الفن والدين.

تصميمه يعكس فهم المصريين العميق للعالم الآخر وأهمية الاستعداد للرحلة الأبدية.

2- دور التوابيت في الثقافة المصرية

كانت التوابيت تُعتبر وسيلة لضمان حماية الروح وتوفير بيئة آمنة للمتوفى في العالم الآخر.

التفاصيل التي تزين تابوت غنم نخت تُظهر مدى اهتمام المصريين بالأبدية والعالم الآخر.

تابوت غنم نخت ليس مجرد قطعة أثرية، بل هو نافذة تُطل بنا على عالم المصريين القدماء ومعتقداتهم، من خلال تصميمه وزخارفه الفريدة، يقدم لنا هذا التابوت لمحة عن الحياة الدينية والثقافية في عصر الدولة الوسطى، بوابة "رستاو"، العينان السحريتان، والنصوص الهيروغليفية جميعها تعكس رحلة الروح وسعيها لتحقيق الخلود.

اليوم، يُعرض التابوت في متحف المتروبوليتان، ليظل شاهداً على عظمة الحضارة المصرية القديمة وإرثها الخالد الذي ألهم العالم عبر العصور.