اللغة العربية.. من سوق عكاظ إلى الذكاء الاصطناعي

الكاتب الصحفي حاتم نعام
الكاتب الصحفي حاتم نعام


رحلة مجانية وممتعة لا تتطلب انتقالًا من مكان إلى آخر.. تكفينا فيها الخلوة، لنرى بعيون الماضي ونسمع بآذانه لنتمتع بتاريخ لا يندثر، تاريخ ممتد لقرون من الزمان، عندما ندور حول أهم الأسواق الثقافية، حول الكعبة «سوق عكاظ» حيث الأدب والتجارة والحرب، في رحلة ليست للاستكشاف والمغامرة فقط لكن ربما هذا السفر يغير فينا انطباعًا ويبعث فينا همة كبيرة تجاه هويتنا ولغتنا العربية لغة القرآن الكريم.

 

اقرأ أيضًا| حاتم نعام يكتب: «عودة الكتاتيب» شعاع ثقافي وعقول بيضاء


من حظ قريش أنها كانت في مكة، ومكة البلد الحرام المعظم في الجاهلية والإسلام، كانوا يعقدون المواسم الثقافية في سوق عكاظ ، وفي سوق المربد في البلاد، ويأتي الشعراء، وعندما يأتي الشعراء في أمثال هذه المواطن يسعون إلى أن يحدثوا الناس بلهجة موحدة مشتركة، ويتركون كثيرا من كلمات القبائل الخاصة بهم عندما يعودون إلى مواطنهم، وهكذا وبهذا التجمع الذي يجمع الناس بدأنا نحصل على لهجة كبرى لتكون شائعة في جميع القبائل لأن شعرائهم عندما يجتمعون يستعملون اللغة التي يفهمها جميع الناس فوصلنا إلى لهجة عليا كبرى تتمثل في لهجة قريش وبعض المواطن في الجزيرة العربية، وأصبح عندنا لهجة إلى مستوى أكبر من كل هذه، وعنئذ بدأ الشعر يصاغ والشعر من أسباب حفظ اللغة العربية.

ويضاف إلى الشعر أسباب عديدة من أهمها أن القرآن الكريم نزل باللغة العربية فأعطاها قوة وقدرة على الحفاظ على نفسها وعلى مواجهة اللغات الأخرى والتغلب عليها.

كما أن العرب والمسلمين لم يقطعوا صلتهم بفكر العالم وعلم العالم ولذلك ترجموا إلى اللغة العربية علوم الأمم الأخرى جميعًا، يعني تراث الهند تراث فارس الإيرانية وتراث اليونان وتراث السوريان، الذين كانوا في الشام وتراث لاتيني وتراث عبري إذا كان موجودًا، كل هذا ترجم إلى اللغة العربية ونشأت بسببه علوم جديدة مثل الطب والفلك والكيمياء والصيدلة والجراحة ألخ، فاللغة تتوسع وتتمدد وتستعمل على الألسنة ثم تترجم هذه الكتب أو تنتقل بعد أن ترجمت علوم الآخرين متضمنة كل العلوم ثم أضافت إليها العبقرية العربية الإسلامية علما جديدا. انتقل هذا كله إلى أوروبا مرة ثانية وأصبحت اللغة العربية لغة العلم الأولى في العالم أكثر من خمسمائة سنة.

ويقولون في أوروبا أننا نستغني عن حضارة الصين وعن حضارة اليابان وعن حضارة هذه البلاد، لكن لا نستطيع ونحن نؤرخ لتاريخنا العلمي وتاريخنا الثقافي لا نستطيع أن نستغني عن المنجز العربي، لأنه الذي أوصلنا بعلومنا القديمة نفسها.

كما أنشأ الغرب في جامعاتهم أقسام اللغة العربية، في جامعات إيطاليا وفرنسا وغيرها من البلاد الأوروبية، لتعلم اللغة العربية لأسباب كثيرة، منها معرفة العلم ومعرفة طبيعة هذا الشعب الذي يصارعونه ويصارعهم ، فيتعلمون لغتنا حتى يفهموا سر قوة هذا المجتمع الذي استولى على تلك الأراضي كلها، وأزال اللغات التي كانت موجودة فيها وأحل محلها اللغة العربية التي أصبحت لغة العلم والثقافة في معظم أرجاء المعمورة.

وظلت اللغة العربية هكذا حتى أصابها الوهن لأسباب كثيرة ومتعددة منها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي خاصة بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، كذلك الحروب الكثيرة التي وجهت إلى العالم الإسلامي والحروب الصليبية الــ7 ، والتتار أو المغول،  وسقوط الدولة العباسية التي كانت تجمع شمل أكثر بلاد العالم الإسلامي، كل هذا أدى إلى نوع من الانحسار الفكري والتجمد الحضاري، للغة العربية.

والآن ولكي تعود اللغة إلى مكانتها فلابد أن يستمع الناس إليها في المدرسة وفي المسجد وفي الكنيسة بلغة عربية فصيحة سليمة سهلة ميسرة بعيدا عن الألغاز أو العقد والكلمات المعجمية أو التراثية أو التاريخية، فاللغة تعيش مع المجتمع، فهذا كله إذا لم يحدث فيمثل تحديات لهذه اللغة، لكن أن تعامل اللغة كأنها لغة أجنبية في داخل أوطانها العربية فهذه خطيئة كبرى.

ولمواكبة العصر ولأهمية الذكاء الاصطناعي، في توثيق اللهجات العربية والحفاظ عليها، كما أنه يساعد في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها باستخدام أدوات تعليمية ذكية، والفوائد التي يمكن أن تعود على اللغة العربية وعلومها في حال توظيف تلك التقنيات، فهي واحدة من أهم الوسائل التي إذا أحسن استثمارها فإنها ستساعد على نمو المحتوى المعرفي العربي على شبكة الإنترنت، وعلى أن يظل للثقافة العربية والتراث العربي مكانا بين الثقافات المعاصرة.