عصير القلم

الخير جمعية دايرة

أحمد الإمام
أحمد الإمام


‭..‬هل‭ ‬تذكر‭ ‬المرأة‭ ‬العجوز‭ ‬التي‭ ‬تركتَ‭ ‬لها‭ ‬مقعدك‭ ‬في‭ ‬القطار‭ ‬رغم‭ ‬إرهاقك‭ ‬وحاجتك‭ ‬للمقعد؟‭ ‬

هل‭ ‬تذكر‭ ‬دعوتها‭ ‬لك‭ ‬بأن‭ ‬يسخر‭ ‬الله‭ ‬لك‭ ‬أبناء‭ ‬الحلال؟‭ ‬

‭ ‬هل‭ ‬تذكر‭ ‬ذلك‭ ‬القط‭ ‬الجائع‭ ‬الذي‭ ‬منحته‭ ‬رغيفك‭ ‬رغم‭ ‬جوعك‭ ‬أنت‭.. ‬و‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الأعرج‭ ‬الذي‭ ‬حملت‭ ‬عنه‭ ‬حاجياته‭ ‬الثقيلة‭ ‬بالسوق؟

وتلك‭ ‬الفتاة‭ ‬اليتيمة‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬شرحت‭ ‬لها‭ ‬دروس‭ ‬الرياضيات‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭ ‬فكانت‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬يطيل‭ ‬في‭ ‬عمرك‭.. ‬وذلك‭ ‬الوعاء‭ ‬البلاستيكي‭ ‬الذي‭ ‬ملأته‭ ‬بالماء‭ ‬ثم‭ ‬وضعته‭ ‬لعصافير‭ ‬الشرفة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬حار‭.‬

وهل‭ ‬نسيت‭ ‬صديقك‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬أخبرته‭ ‬أن‭ ‬بذلته‭ ‬أنيقة‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬سمعت‭ ‬المدير‭ ‬يوبخه‭ ‬ويطلب‭ ‬منه‭ ‬ألا‭ ‬يأتي‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬بملابسه‭ ‬الباهتة‭.. ‬فقال‭ ‬لك‭ ‬‮«‬‭ ‬الله‭ ‬يجبر‭ ‬بخاطرك‮»‬‭.‬

‭ ‬وهل‭ ‬تذكر‭ ‬أيضا‭ ‬عامل‭ ‬النظافة‭ ‬المسن‭ ‬الذي‭ ‬ربت‭ ‬على‭ ‬كتفه‭ ‬ثم‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬كاذبًا‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬والدي‭ ‬عامل‭ ‬نظافة‭ ‬أيضًا‭.. ‬والسيدة‭ ‬الكفيفة‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬أقصى‭ ‬القرية‭ ‬لكنك‭ ‬لم‭ ‬تكف‭ ‬أبدًا‭ ‬عن‭ ‬زيارتها‭ ‬وإحضار‭ ‬الطعام‭ ‬لها‭.‬

وكذلك‭ ‬صاحبة‭ ‬محل‭ ‬الحلوى‭ ‬التي‭ ‬تشتري‭ ‬الحلوى‭ ‬منها‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬رغم‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تحب‭ ‬الحلوى‭ ‬ولا‭ ‬تأكلها‭ ‬لكنها‭ ‬أرملة‭ ‬تسعى‭ ‬لتربية‭ ‬وتعليم‭ ‬ابنتها‭.‬

هل‭ ‬تذكر‭ ‬القطار‭ ‬الذي‭ ‬انقلبوخرج‭ ‬عن‭ ‬مساره‭ ‬بعد‭ ‬مغادرتك‭ ‬له‭ ‬مباشرة‭.. ‬إنها‭ ‬دعوة‭ ‬الطفلة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬تشرح‭ ‬لها‭ ‬دروسها‭ ‬لك‭ ‬بأن‭ ‬يطيل‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمرك‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬أفهمتها‭ ‬معادلة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتفهمها‭ ‬وحدها‭.‬

هل‭ ‬تذكر‭ ‬راتبك‭ ‬الذي‭ ‬أضعته‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬حصلت‭ ‬عليه‭ ‬لكن‭ ‬‮«‬ابن‭ ‬حلال‮»‬‭ ‬عثر‭ ‬عليه‭ ‬وأعاده‭ ‬لك‭ .. ‬إنها‭ ‬دعوة‭ ‬المرأة‭ ‬العجوز‭ ‬التي‭ ‬تركت‭ ‬لها‭ ‬مقعدك‭ ‬في‭ ‬القطار‭ ‬بأن‭ ‬يُسخِرَ‭ ‬الله‭ ‬لك‭ ‬أبناء‭ ‬الحلال‭.‬

هل‭ ‬تذكر‭ ‬تعثر‭ ‬أمر‭ ‬زواجك‭ ‬وعدم‭ ‬إيجادك‭ ‬لفتاة‭ ‬مناسبة‭ ‬تقبل‭ ‬وتقدر‭ ‬ظروفك‭.. ‬لكنك‭ ‬أخيرًا‭ ‬وجدت‭ ‬فتاة‭ ‬طيبة‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬نصف‭ ‬عمرها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تُشاك‭ ‬أنت‭ ‬بشوكة‭ ‬واحدة،‭ ‬إنها‭ ‬دعوة‭ ‬عاملُ‭ ‬النظافة‭ ‬لله‭ ‬إن‭ ‬يسعدك‭!‬

لعلك‭ ‬تذكر‭ ‬يوم‭ ‬أخبرك‭ ‬الطبيب‭ ‬بعقمك‭ ‬عندما‭ ‬شكوت‭ ‬له‭ ‬تأخر‭ ‬إنجابك‭.. ‬ولعلك‭ ‬تذكر‭ ‬ذهول‭ ‬الطبيب‭ ‬ودهشته‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬لقد‭ ‬ذهب‭ ‬عنك‭ ‬مرضك‭.. ‬هذه‭ ‬معجزة‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬أبدًا‭..‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬تذكرت‭ ‬إنها‭ ‬دعوة‭ ‬صديقك‭ ‬صاحب‭ ‬البذلة‭ ‬الباهتة‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬دعا‭ ‬لك‭ ‬بأن‭ ‬يجبر‭ ‬الله‭ ‬بخاطرك‭!‬

بائعة‭ ‬الحلوى،‭ ‬عصافير‭ ‬الشرفة،‭ ‬قط‭ ‬الشارع،‭ ‬والمرأة‭ ‬الكفيفة‭ ‬أقصى‭ ‬القرية‭.. ‬إحسانك‭ ‬معهم‭ ‬لم‭ ‬يذهب‭ ‬سدى‭ ‬ففوق‭ ‬السماواتِ‭ ‬رب‭ ‬رحيم‭ ‬يحب‭ ‬المحسنين‭.‬

من‭ ‬يقدم‭ ‬خيرًا‭ ‬يحصد‭ ‬خيرًا‭.. ‬ومن‭ ‬يزرع‭ ‬بذرة‭ ‬يحصدها‭ ‬شجرة‭.. ‬وكل‭ ‬خير‭ ‬تصنعه‭ ‬يجوب‭ ‬الطرقات‭ ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬إليك‭.. ‬في‭ ‬موقف‭ ‬صعب‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬مظلمة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬شربةِ‭ ‬ماءٍ‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬ظمأ‭ .. ‬إن‭ ‬صنع‭ ‬الخير‭ ‬أبدًا‭ ‬لا‭ ‬يضيع،‭ ‬فالخير‭ ‬جمعية‭ ‬دايرة‭ ‬ستدور‭ ‬وتتوقف‭ ‬أمامك‭ ‬عندما‭ ‬يحين‭ ‬دورك‭ ‬ويأتي‭ ‬وقتك‭ ‬في‭ ‬حصاد‭ ‬ثمرة‭ ‬الخير‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭.‬

الخير‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬ونسيته‭ ‬تماما‭ ‬،‭ ‬مكتوب‭ ‬ومدون‭ ‬عند‭ ‬رب‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬ولا‭ ‬يغفل‭ ‬‮«‬وماكان‭ ‬ربك‭ ‬نسيا‮»‬‭. ‬

;