أوكرانيا بين مطرقة خفض سن التجنيد وسندان الأزمة الديموغرافية.. تحديات تهدد مستقبل البلاد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


تواجه أوكرانيا معضلة جديدة تضاف إلى سلسلة التحديات التي تواجهها منذ اندلاع الحرب مع روسيا قبل عامين، إذ تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطاً متزايدة على الرئيس فولوديمير زيلينسكي لخفض سن التجنيد من 25 إلى 18 عاماً، ما يثير مخاوف جدية حول مستقبل معدلات المواليد في البلاد التي تعاني أصلاً من أزمة ديموغرافية حادة، وسط تحذيرات أممية من تداعيات خطيرة على المدى الطويل.

 

صراع القرارات العسكرية والمستقبل الديموغرافي

كشفت صحيفة نيوزويك الأمريكية عن حجم المعضلة التي تواجهها القيادة الأوكرانية، حيث تحتاج البلاد إلى نحو 160 ألف جندي إضافي لتعويض الخسائر البشرية الفادحة التي بلغت 43 ألف جندي، وفي هذا الصدد يواجه الرئيس زيلينسكي ضغوطاً أمريكية متزايدة لخفض سن التجنيد، في محاولة لتعزيز القوة العسكرية للبلاد التي تضم حالياً أكثر من مليون مقاتل في صفوفها.

وقد أبدت واشنطن، وفقاً لتصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر التي نقلتها نيوزويك، استعدادها لتقديم الدعم اللوجستي والتدريبي للقوات الإضافية في حال وافقت كييف على خفض سن التجنيد.

غير أن زيلينسكي رفض هذه الدعوة بشكل قاطع، مؤكداً في تصريح له على منصة "إكس" أن الأولوية يجب أن تكون لتجهيز الوحدات العسكرية القائمة وتدريبها، وليس الدفع بالمزيد من الشباب إلى الخطوط الأمامية.

 

أرقام مقلقة تكشف عمق الأزمة السكانية

كشفت الصحيفة أن الأرقام التي أوردتها صحيفة نيوزويك عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حجم التحدي الديموغرافي الذي تواجهه أوكرانيا، إذ انخفض عدد سكان البلاد إلى 35.6 مليون نسمة، مقسمين بين 17.5 مليون رجل و18.1 مليون امرأة.

وتشير توقعات منظمة الصحة العالمية إلى المزيد من التراجع، حيث من المتوقع أن ينخفض عدد السكان بنسبة 15% ليصل إلى 32 مليون نسمة بحلول عام 2050.

والأكثر إثارة للقلق، وفقاً للتقرير، هو أن معدل الوفيات في أوكرانيا يتجاوز معدل المواليد بثلاثة أضعاف، مع انخفاض بنسبة 9% في أعداد المواليد خلال النصف الأول من العام الجاري مقارنة بالعام السابق، كما فقدت البلاد نحو 10 ملايين من سكانها منذ بداية الحرب في 2022، نتيجة مزيج من الوفيات ونزوح اللاجئين ومشاكل الخصوبة.

 

تحديات اجتماعية واقتصادية متشابكة

نقلت نيوزويك عن فلورنس باور، مديرة المكتب الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، تحليلاً معمقاً للوضع، إذ أوضحت أن معدل المواليد في أوكرانيا، الذي يقل حالياً عن طفل واحد لكل امرأة، يمثل أدنى معدل ليس فقط في المنطقة بل في أوروبا بأكملها.

وتواجه الأسر التي تعولها نساء، والتي تشكل 23% من الأسر الأوكرانية، تحديات معيشية استثنائية مقارنة بـ 14% فقط من الأسر التي يعولها رجال.

وحذرت باور من أن مشروع القانون 12076، الذي يدرسه البرلمان الأوكراني حالياً ويسمح بتجنيد النساء اللواتي يستوفين شروط الصحة والعمر، قد يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة بشكل كبير.

 

مستقبل مجهول وحلول مقترحة

وفقاً لتحليل المسؤولة الأممية الذي نقلته نيوزويك، فإن التداعيات طويلة المدى للأزمة الديموغرافية في أوكرانيا تمتد لتشمل جوانب متعددة. فمع تناقص عدد السكان وارتفاع معدلات الهجرة، تواجه البلاد تحديات جسيمة تتمثل في عدم الاستقرار الاقتصادي ونقص العمالة وضعف النظم الاجتماعية، مما يهدد قدرتها على التعافي والحفاظ على التماسك الاجتماعي.

وترى باور أن معالجة هذه التحديات تتطلب استراتيجية شاملة تستلهم تجارب دول أخرى مثل السويد، مع التركيز على ثلاثة محاور رئيسية وهم تعزيز المساواة بين الجنسين، وتوفير بيئة عمل داعمة للأسر، وتبني سياسات شاملة تشجع على تكوين الأسر، غير أنها تؤكد أن نجاح أي استراتيجية يظل مرهوناً بتحقيق السلام، الذي يعد شرطاً أساسياً لضمان مستقبل ديموغرافي مستدام.