دائما ما تحمل اسماء العمليات العسكرية الإسرائيلية دلالات دينية ومؤخرا أطلق جيش الاحتلال على عملية تدمير قواعد وأسلحة الجيش السوري والاستيلاء على المزيد من أراضيه اسم عملية "سهم باشان"..الاسم مستوحى من التوراة، حيث يشير إلى قصة دينية دارت أحداثها في المنطقة الواقعة جنوبي سوريا، حيث يقال إن ملك منطقة باشان كان اسمه «عوج»، وأصله من «العمالقة»، وفي العهد القديم نقرأ هذا النص عن سيدنا موسى يقول «ثُمَّ تَحَوَّلْنَا وَصَعِدْنَا فِي طَرِيقِ بَاشَانَ، فَخَرَجَ عُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ لِلِقَائِنَا هُوَ وَجَمِيعُ قَوْمِهِ لِلْحَرْبِ فِي إِذْرَعِي. فَقَالَ لِي الرَّبُّ: لاَ تَخَفْ مِنْهُ، لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهُ إِلَى يَدِكَ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ وَأَرْضِهِ، فَتَفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلْتَ بِسِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ سَاكِنًا فِي حَشْبُونَ. فَدَفَعَ الرَّبُّ إِلهُنَا إِلَى أَيْدِينَا عُوجَ أَيْضًا مَلِكَ بَاشَانَ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ، فَضَرَبْنَاهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَارِدٌ. وَأَخَذْنَا كُلَّ مُدُنِهِ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ. لَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ لَمْ نَأْخُذْهَا مِنْهُمْ".
و"باشان": اسم عبري معناه "أرض مستوية" أو "أرض ممهدة" وهي مقاطعة في أرض كنعان تضم سوريا الآن وتشمل حوران والجولان واللجاه، ويصفها القدماء بأن تربتها خصبة للغاية وماؤها غزير. وتم ذكر منطقة "باشان" نحو ستين مرة في الكتاب المقدس. ويرى اليهود أن النصرة على ملك باشان ليست أمرًا بشريًا طبيعيًا، بل إلهيٍا طلبه الله من موسى وأمره ألاَّ يخاف، فقد مكنه من الانتصار على الملك العملاق وجميع قومه وأرضه ودمروا كل قراهم واسلحتهم.. ولقد نسج بعض حاخامات اليهود قصصًا خيالية عن ضخامة جسم ملك شامان حتى صوره البعض أن طوله عدة كيلومترات!! لكنهم هزموه وقتلوه بسهم واحد!!
"سهم بشان" تلك العملية بالتحديد الوحيدة التي حملت مؤخرا دلالة توسعية تشير إلى التوسع الصهيوني بخلاف اسماء العمليات الأخرى التي كانت تحمل أسماء مثل "السيوف الحديدية" و"جز العشب" و"الحديد البنفسجي" وجميعها تحمل دلالات دينية انتقامية
وقد فتحت عملية التوغل الاسرائلية الأخيرة في سوريا شهية اليمين الإسرائيلي المتطرف لاستعادة الأمجاد وتوسيع الاستيطان اليهودي ليس في سوريا "أرض باشان" فقط ولكن لتحقيق حلم لا يتوقف وهو إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ..ويوم الأحد الماضي شاهدنا نتنياهو يقف على أرض الجولان ويسارع في الإعلان عن إلغاء اتفاقية فصل القوات مع سوريا لعام 1974 بعد احتلال منطقة جبل الشيخ ومناطق أخرى إثر سقوط نظام بشار الأسد وتحدث نتنياهو خلال محاكمته الثلاثاء الماضي عن هزة أرضية لم تحدث منذ مائة سنة ومنذ اتفاق "سايكس بيكو" عام 1916 واصفا نفسه بأنه رئيس الحكومة الذي وسع حدود إسرائيل مثل دافيد بن جوريون وليفي أشكول، وليس الذي قلصها مثل مناحيم بيجن وإسحق رابين وإيهود أولمرت وإيهود باراك.
كل تلك الدلالات تشير إلى أن تل أبيب لن تفرش الورود أمام الحكومة السورية الجديدة بل ستسعى بكل قوتها لتفتيت سوريا وزيادة التناحر بين المليشيات والطوائف المختلفة..وحدة سوريا تعني المطالبة بالاراضي المحتلة التي حتما ستملئها إسرائيل فورا بالمستوطنات كعادتها كما أنها الطريق الى نهر الفرات بالعراق ..أن أحلام الغزو والتوسع الإسرائيلي على حساب الدول العربية وليس فلسطين فقط أصبحت متاحة اليوم بشكل لم يحدث منذ عام 1967..الأمن القومي العربي يواجه كارثة كبرى تتطلب موقفا عربيا موحدا ضد أطماع اليمين المتطرف الذي يقود المنطقة لحافة الانهيار.. العالم يمر بمتغيرات متسارعة وخطيرة وسيكون لها من التداعيات التي ستعكس مزيد من الصراعات في السنوات المقبلة.
وعندما سألوا مجرم الحرب الهارب نتنياهو عن أسباب موافقته على وقف الحرب على لبنان والانسحاب من جنوبه بينما يرفض المثل في غزة وخاصة من محور صلاح الدين "فلادلفيا" أجاب بأن في لبنان كان الهدف هو تقليص قوة حزب الله، وأشار إلى أن إسرائيل قادرة على منع الأسلحة من دخول لبنان عبر سوريا من خلال قصف سوريا موضحا ف أن إسرائيل "لا تستطيع أن تفعل الشيء نفسه مع غزة، لأن لديها اتفاق سلام مع مصر التي تحد قطاع غزة من الجنوب"…هذا التصريح هو دلالة تشير إلى الكثير فليس ما يمنع نتنياهو في الحقيقة هو اتفاقية السلام مع مصر كما يزعم ..فكم من اتفاقيات دولية ومعاهدات وقررارت أممية ضربت بها اسرائيل عرض الحائط بل وتم دهسها أمام العالم أجمع . ما يمنع إسرائيل من تنفيذ مخططها للتوسع في نطاق الحرب في غزة هو امتلاك مصر قوات مسلحة قوية وقادرة على حماية حدودها وإذا لم نكن كذلك لاقدر الله فلنعلم تماما أن رفح المصرية وسيناء كانت ستكون هدفا قويا لاحتلالها.
وليس هناك أبلغ من كلمات الرئيس الراحل محمد أنور السادات عندما ذهب إلى الكنيست الإسرائيلي قائلا في جزء من خطابه الشهير "والحق أقول لكم، إن السلام لن يكون اسمًا على مسمّى، ما لم يكن قائمًا على العدالة، وليس على احتلال أرض الغير. ولا يَسُوغ أن تطلبوا لأنفسكم ما تنكرونه على غيركم.وبكل صراحة، وبالروح التي حدت بي على القُدوم إليكم اليوم، فإني أقول لكم، إنَّ عليكم أن تتخلّوا، نهائيًا، عن أحلام الغزو، وأن تتخلّوا، أيضًا، عن الاعتقاد بأن القوة هي خير وسيلة للتعامل مع العرب.
إنَّ عليكم أن تستوعبوا جيدًا دروس المواجهة بيننا وبينكم، فلن يجيدكم التوسع شيئًا. ولكي نتكلم بوضوح، فإن أرضنا لا تقبل المساومة، وليست عُرضة للجدل. إنَّ التراب الوطني والقومي، يعتبر لدينا في منزلة الوادي المقدس طُوى، الذي كلَّم فيه الله موسى - عليه السلام. ولا يملك أي منّا، ولا يقبل أن يتنازل عن شبر واحد منه، أو أن يقبل مبدأ الجدل والمساومة عليه".