في يد القارئ الآن، وفي الذكرى الخامسة والأربعين على رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، وثائق بخط يده لم تنشر من قبل، وبعض من خطابات وكلمات نادرة ألقاها خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي والتي تختص بالعلاقات المصرية ــ الروسية، التي كان يكن لها كل احترام وتقدير.


الاتحاد السوفييتي لمصر آنذاك كان السند الوحيد لمصر خاصة بعد بعد عدوان 1967، بعد أن أدرك الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بوعيه الفطري والوطني المتميز أهمية التحرر الأفريقي والعربي من الاستعمار، ووضع هذا الهدف ضمن أولى أهتماماته لمواجهة العالم الرأسمالي وتعزيز التوجه الاشتراكي، ومن ثم بدأ في تدعيم علاقات مصر مع دول القارة الأفريقية وخاصة دول حوض النيل، ساعده في ذلك الوعي الأفريقي بدور مصر الفعال تجاه دعم القضايا الأفريقية، كان جمال عبد الناصر يعي تماماً أن الاستقلال الحقيقي لمصر لن يتحقق إلا باستقلال الدول الأفريقية والعربية المحيطة بمصر، وأدرك أن مساندة هذه الدول لنيل استقلالها هي أحد أهم أهداف ثورة يوليو، كما أدرك أن تعزيز التوجه الاشتراكي نحو الاتحاد السوفييتي ـ آنذاك ـ يكسر شوكة الدول الرأسمالية الإستعمارية.


وكعادتها كل عام فى ذكراه، ترسل د.هدى عبد الناصر إبنة الزعيم الخالد، لبوابة أخبار اليوم، الجديد عن عبد الناصر، من وثائق بيده، وكلمات وخطب نادرة تتحدث عن أن مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وكل مبادئ الاستقلال الوطني هي القادرة على المضي بنا إلى البناء.


في كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى ليننجراد بالإتحاد السوفيتى في 10/5/1958، قال، "أحييكم باسم شعب الجمهورية العربية المتحدة الذي يكن لمدينتكم كل تقدير وإعجاب.. ونحن نعرف أن مدينة ليننجراد هي المدينة الباسلة التى قاومت دائماً الظلم والطغيان والإقطاع، ونحن نعرف أن مدينتكم كانت دائماً مهد الثورة، وقد قاسينا فى بلادنا من الإقطاع والسيطرة وثرنا عليه. ونحن نعرف أيضاً أن مدينتكم هي المدينة الباسلة التي قاومت العدوان وأوقعت الهزيمة للمعتدين، ونحن نزوركم اليوم في صبيحة أعياد انتصاركم ونهنئكم بهذا النصر؛ فإن العدوان لا يحقق أي نتيجة، وإن قوة الشعوب وترابطها وتساندها لابد أن تهزم العدوان.

وفي كلمته بحفل الصداقة العربية – السوفيتية فى 15/5/1958، قال ناصر " لقد قاسينا من الاستعمار، وقاسينا من السيطرة الأجنبية.. وقاسينا من الاستعمار العثماني حوالي 500 عام، ثم قاسينا من الاستعمار البريطاني والفرنسي أكثر من 70 عاماً، وقاسينا من الإقطاع، والاستغلال، ومن التحكم، ومن السيطرة.. وقامت الثورة في بلادنا للتخلص من كل هذه الأسباب، وكانت الثورة فى هذا تعبر عن إرادة الشعب المكافح، الذي كافح طويلاً ضد الاستعمار وضد التحكم وضد السيطرة وضد الاستغلال..ونجحت الثورة، وكان فى بلادنا 80 ألفاً من جنود بريطانيا، وفقاً لاتفاق سابق ينص على بقاء عشرة آلاف جندي، وكان علينا أن نجلي المحتلين عن بلادنا، وكان علينا أن نثبت استقلالنا، وكان علينا أن نحقق استقلالاً اقتصادياً على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، ثم إقامة مبادئ الصداقة الاجتماعية، وإقامة جيش وطني قوي، وإقامة حياة ديموقراطية سليمة.. كانت هذه هى الأهداف التى قامت عليها الثورة، وكانت الأهداف التى عملت الثورة على تحقيقها. ومنذ أول يوم للثورة عملنا على إخراج قوات الاحتلال البريطانية التى قضت فى بلادنا 70 عاماً، وقد جلت هذه القوات جلاءً كاملاً عن بلادنا فى شهر يونيو 1956، ولكنها حاولت أن تعود مرة أخرى لبلادنا فى شهر أكتوبر من نفس السنة، فاستطاعت قوة الشعب وتصميم الشعب مع قوة الشعوب التى هبت، ومع تأييد الشعوب وتأييد الاتحاد السوفيتى وقوى باندونج، قوى آسيا وإفريقيا، استطاعت هذه القوة أن تهزم الجنود المعتدين، ونردهم على أعقابهم مرة أخرى، ولقد هزم العدوان فى بلدنا كما هزم العدوان فى كل بلد من بلاد العالم ".

وعن شعب فلسطين وإيمانه بالقضية الفلسطينية قال "قد قامت حروب بين الدول، وأنتم واجهتم الحرب وواجهتم العدوان، ولكن المأساة التى واجهناها فى بلادنا العربية لا يمكن أن تقارن بأى حرب أو عدوان؛ فإن هذه المأساة هى عبارة عن إبادة شعب عربى وطرده من وطنه واغتصاب أمواله.. لقد قامت حروب فى العالم وفى جميع الأرجاء فى آسيا وإفريقيا، ولكنها لم تنتهى مثلما انتهت هذه الحرب بإخراج شعب فلسطين من أرضه، وإقامة شعب آخر مكانه، واستيلائه على أملاكه.. واليوم تحتفل إسرائيل بمرور عشرة سنوات على إقامتها، وأحب أعرفكم أن هذا الاحتفال إنما هو احتفال على أشلاء دماء مليون عربى كانوا يقيمون فى هذه البلاد وطردوا من بلادهم. إن هذا أبشع أنواع السيطرة وأبشع أنواع الاستعمار، ويتكلم العالم عن السلام وعن حقوق الإنسان، ولكن يتناسون دائماً حقوق مليون عربى أخرجوا من بلادهم، ووفرت الوسائل للمعتدين ليعيشوا ويستولوا على أموالهم ".



عندما خرجت قوات الاحتلال والاستعمار من بلادنا، بدأت اعتداءات إسرائيل على حدودنا حتى ننضم إلى الأحلاف، ونطلب من الدول التى تنادى بالأحلاف فى الشرق الأوسط أن تحمينا من عدوان إسرائيل. فى عام 1955 أعلن حلف بغداد، وأعلن منظموه أنهم يسعون لضم جميع دول الشرق والدول العربية إلى حلف بغداد. ورفضنا، وقاومنا حلف بغداد؛ لأننا كنا لا نريد أن يخرج الاحتلال من الباب ليعود من النافذة تحت اسم جديد وبشكل جديد، وأعلنا أن الدفاع عن منطقتنا ينبثق من منطقتنا بدون الاشتراك مع أى دولة من خارج المنطقة.

وفي كلمة الرئيس جمال عبد الناصر خلال زيارته لأزربيجان والت التى رد بها على تحية رئيس جمهورية أذربيجان فى 5/5/1958، قال " لقد أثبتت فرص التعاون بين شعب الاتحاد السوفيتى وشعب الجمهورية العربية المتحدة أن هذا التعاون تعاون مبنى على الاخلاص المصلحة، وأن هذه الصداقة صداقة عميقة، لا تبغى إلا الخير وكل الخير؛ فعندما هوجمنا من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل كان لتأييدكم الكبير، وكان لتدخل الاتحاد السوفيتى أكبر الأثر فى نفوس شعب الجمهورية العربية المتحدة.. وإن الشعب العربى لن ينسى أبداً هذا الموقف الذى وقفه الاتحاد السوفيتى وشعب الاتحاد السوفيتى ضد العدوان وضد مؤامرات الاستعمار تأييداً للشعب العربى ".

وفي كلمتة بمدينة كييف عاصمة أوكرانيا فى 8/5/1958، قال، " إن هذه الزيارة إلى الاتحاد السوفيتي والالتقاء بالشعب السوفيتي؛ إنما هي من أجل التعايش السلمي، ومن أجل تدعيم السلام العالمي، ونحن نؤمن أن الصداقة بين الشعوب إنما هي عامل من عوامل التطور لخير الإنسان، وعامل من عوامل المحافظة على السلام وتدعيمه ومنع الحروب.... إن الدول العربية في الشرق الأوسط تسعى إلى التخلص من الاستعمار والسيطرة الأجنبية، وإلى تطوير اقتصادها تطويراً يمكن من رفع مستوى المعيشة فيها؛ حتى يقترن الاستقلال السياسى باستقلال اقتصادى وتطور اقتصادى لمصلحة الشعب، ونحن نؤمن أن التعاون المبني على الصداقة إنما هو فائدة للشعوب العربية في الشرق الأوسط، كما هو أيضاً لفائدة العالم أجمع، وللمحافظة على السلام العالمي".

وفي كلمته عند استقبال الرئيس خروشوف ببور سعيد فى 19/5/1964، قال، "نرحب بك في أرض البطولة، التي مازالت تذكر لشعوب الاتحاد السوفيتي ولحكومته، ولك شخصياً، موقفكم جميعاً منها؛ في الوقت العصيب الذي كانت فيه تواجه العاصفة الاستعمارية الحاقدة، وتقاتل دفاعاً عن شرفها، وشرف وطنها، وشرف أمتها العربية، وشرف حرية الشعوب.. ولسوف يمضي زمان طويل، وقصة معركة السويس الخالدة حديث الناس وحديث التاريخ؛ ملحمة نضالية، ودرس عميق، ونقطة تحول بارزة الأثر والخطر، وما أظننا - أيها الصديق العزيز - فى حاجة إلى الانتظار طويلاً لكى تظهر أمامنا الأبعاد الواسعة للمعركة التى دارت على هذه الأرض؛ سواء فيما يتعلق بمصير وطنها وأمتها، أو ما بعد ذلك من أثر على مصير حركة التحرير الوطنية كلها، بل على الموقف العالمي كله في زمننا الحديث".