معبد تابوزيريس ماجنا.. أسرار العصر البطلمي المتأخر

معبد تابوزيريس ماجنا
معبد تابوزيريس ماجنا


شهدت منطقة تابوزيريس ماجنا غرب الإسكندرية حدثًا أثريًا هامًا بإعلان البعثة الأثرية المصرية الدومينيكية، برئاسة الدكتورة كاثلين مارتينيز، عن اكتشاف ودائع للأساس تحت الجدار الجنوبي للسور الخارجي للمعبد. 

بالتعاون مع جامعة “بيدرو إنريكيث أورينا” الوطنية، كشف هذا الاكتشاف النقاب عن مجموعة من اللقى الأثرية والقطع الجنائزية والطقسية التي تسلط الضوء على مرحلة هامة من تاريخ المنطقة خلال العصر البطلمي المتأخر.

تُعد هذه الاكتشافات خطوة جديدة لفهم أسرار منطقة تابوزيريس ماجنا ودورها التاريخي والديني، وهي تفتح آفاقًا جديدة لدراسة الحضارة المصرية في مرحلة التحول بين الحقبة الفرعونية والبطلمية.

 

◄ لمحة تاريخية

 

يقع معبد تابوزيريس ماجنا غرب الإسكندرية، وهو واحد من المعالم الأثرية البارزة في مصر القديمة. بُني المعبد في عهد الملك بطليموس الثاني، وكان مخصصًا لعبادة الإله أوزيريس. اشتُهر الموقع بأهميته الدينية والسياسية، حيث كان مركزًا للطقوس الجنائزية ومعبراً رمزيًا يربط بين الحياة والموت.

على مدار العصور، تراجع الاهتمام بالمعبد، وتحول إلى موقع أثري يحمل أسرارًا دفينة حول الحضارة البطلمية. كان الموقع أيضًا محور اهتمام البعثات الأثرية الحديثة، حيث يُعتقد أنه قد يحمل أدلة على موقع مقبرة الملكة كليوباترا السابعة.

 

◄ الاكتشاف الأثري الجديد: التفاصيل والمكونات

 

تمكنت البعثة من العثور على ودائع الأساس أسفل الجدار الجنوبي للسور الخارجي للمعبد. تتكون هذه الودائع من:

1. مجموعة من القطع الجنائزية: شملت تمائم، أواني فخارية، وقطعًا صغيرة تحمل رموزًا دينية.

2. أدوات طقسية: تضمنت أواني وأدوات ربما كانت تُستخدم في الطقوس الجنائزية أو في تقديم القرابين.

3. لقى أثرية متنوعة: تشمل قطعًا معمارية تحمل نقوشًا وزخارف تشير إلى الرمزية الدينية التي سادت تلك الفترة.

تشير هذه المجموعات إلى أن المعبد لم يكن مجرد مكان عبادة، بل كان مركزًا رئيسيًا للأنشطة الجنائزية والطقوس المرتبطة بالإله أوزيريس.

 

◄ أهمية الاكتشاف في دراسة العصر البطلمي المتأخر

 

يمثل العصر البطلمي المتأخر فترة تحولات كبيرة في مصر القديمة، حيث اندمجت العناصر الثقافية المصرية مع التأثيرات اليونانية. تقدم اللقى المكتشفة دليلاً هامًا على كيفية ممارسة الطقوس الدينية خلال هذه الفترة، وتظهر التداخل بين العقائد المصرية التقليدية والعناصر الهلنستية.

كما تسلط الضوء على الهندسة المعمارية البطلمية، حيث تُظهر ودائع الأساس كيفية بناء المعابد خلال تلك الفترة وطرق تثبيتها على الأرض.

 

◄ دور البعثة الأثرية المصرية الدومينيكية

 

تتميز البعثة الأثرية برئاسة الدكتورة كاثلين مارتينيز بالتركيز على كشف أسرار منطقة تابوزيريس ماجنا. ومن أبرز إنجازاتها:

- تحديد مواقع الودائع الطقسية والجنائزية.

- استخدام تقنيات حديثة مثل التصوير ثلاثي الأبعاد والمسح الجيوفيزيائي للكشف عن الطبقات الأثرية.

- التعاون مع خبراء دوليين، مما ساهم في إثراء البحث وتعزيز فهم الحضارة البطلمية.

اقرأ أيضا| العطور في مصر.. عبق التاريخ وسحر الاستخدام عبر العصور

◄ أسرار منطقة تابوزيريس ماجنا

 

يُعتقد أن المعبد يحتفظ بمزيد من الأسرار التي قد تغير فهمنا لتاريخ العصر البطلمي. من بين هذه الأسرار:

احتمالية العثور على مقبرة كليوباترا السابعة.

الكشف عن طقوس جنائزية جديدة.

التعرف على المزيد من العلاقات الثقافية بين المصريين القدماء واليونانيين.

 

◄ التحديات التي تواجه العمل الأثري

 

واجهت البعثة العديد من التحديات، منها:

1. تأثير الزمن: تعرض الموقع لعوامل التعرية، مما أثر على الهياكل الأثرية.

2. التنقيب الدقيق: يتطلب الكشف عن الودائع الأساس دقة عالية لتجنب إتلاف القطع.

3. التنسيق الدولي: تحتاج البعثة إلى تنسيق جهودها مع المؤسسات المختلفة لضمان استمرارية البحث.

◄ أثر الاكتشاف على السياحة والتراث

 

يشكل هذا الاكتشاف دفعة جديدة للسياحة الأثرية في الإسكندرية، حيث يُتوقع أن يجذب الموقع المزيد من الزوار والباحثين، كما يعزز مكانة مصر كوجهة عالمية لدراسة الحضارات القديمة.

إن الاكتشاف الجديد في معبد تابوزيريس ماجنا ليس مجرد كشف أثري، بل هو نافذة تُطل بنا على مرحلة غنية من تاريخ مصر، تُظهر القطع المكتشفة العمق الثقافي والديني للحضارة البطلمية، وتؤكد أهمية الحفاظ على هذا التراث الثمين، يمثل هذا الاكتشاف بداية لفصول جديدة من البحث والتعلم، ويعيد التأكيد على دور مصر كمهد للحضارة الإنسانية.

وأشار الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إنه من بين القطع المتميزة التي تم الكشف عنها تمثال صغير من الرخام الأبيض لسيدة ترتدي التاج الملكي وتمثال آخر نصفي من الحجر الجيري لملك يرتدي غطاء الرأس “النيمس،” منوهاً إلى أن الدكتورة كاثلين مارتينيز تعتقد أن تمثال السيدة المكتشف يخص الملكة كليوباترا السابعة، على العكس ما يراه العديد من علماء الآثار حيث إن ملامح وجه هذا التمثال مختلفة تماماً عن تلك الخاصة بالملكة كليوباترا السابعة لذلك فهو من المرجح أن يكون لأحد الأميرات. 

كما عثرت البعثة أيضاً على 337 عملة، تحمل العديد منها صورة الملكة كليوباترا السابعة، ومجموعة من الأواني الفخارية الطقسية، ومصابيح زيتية، وأوانٍي من الحجر الجيري لحفظ الطعام وحفظ أدوات التجميل، وتماثيل برونزية، وتميمة على شكل جعران منقوش عليها عبارة: “عدالة رع قد أشرقت" وخاتم من البرونز مكرس للإلهة حتحور، بالإضافة إلى مجموعة من الشقف والأواني الفخارية التي تؤرخ المعبد إلى العصر البطلمي المتأخر مما يوضح أن بناء جدران المعبد يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد.

وأوضحت الدكتورة كاثلين مارتينيز، أن البعثة عثرت البعثة أيضًا على بقايا معبد من العصر اليوناني يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، دُمّر في الفترة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد وبداية العصر الميلادي. 

يقع هذا المعبد بالقرب من نظام للأنفاق عميق يمتد من بحيرة مريوط إلى البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى العثور على مقبرة كبيرة تضم 20 سردابًا، إلى جانب مقبرة تحت فنارة تابوزيريس ماجنا القديمة بها ثلاثة غرف، تم العثور بداخل أحد هذه الغرف على تسعة تماثيل نصفية من الرخام الأبيض وعدد من القطع الأثرية.

وقد أسفرت أعمال التنقيب الأولية تحت مياه البحر المتوسط في هذه المنطقة حيث بقايا أجزاء معبد تابوزيرس ماجنا، عن اكتشاف هياكل آدمية، وكميات كبيرة من القطع الفخارية، مما يؤكد الأهمية التاريخية والثقافية للموقع.