صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الثامن عشر من سلسلة "مراصد" والتي تأتي بعنوان "الدولة والدين: إشكالية العلمانية في الفكر الإسلامي المعاصر - عبد السلام ياسين نموذجًا –".
وأعد السلسلة د.عبد السلام طويل؛ أستاذ العلوم السياسية، ورئيس تحرير مجلة الإحياء.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في الوعي بوجود تباينات نوعية داخل الفكر السياسي الإسلامي المعاصر نفسه، بخصوص الموقف من العلمانية وتعدد المفهوم والتصورات حولها، وإبراز موقف عبد السلام ياسين، وهو مرشد لواحدة من أكبر الجماعات الإسلامية بالمغرب "جماعة العدل والإحسان"، وذلك في سياق نقدي مقارن.
وتبدأ الدراسة بمفهوم العلمانية لدى عبد السلام ياسين الذي يميز بين علمانيتين؛ "علمانية كاشفة عن أنيابها" و"علمانية رقطاء"، محذرًا تحذيرًا خاصًّا من الثانية قائلاً: "الخطر العلماني الذي ينبغي لأهل الإيمان أن يترقبوه ويحترسوا منه أشد الاحتراس ليس العلمانية الكاشفة عن أنيابها، لكن العلمانية الرقطاء المتسربة إلى المسلمين، وهي لابسة ثوب زور. إنها علمانية "جغرافية الكلام" المستقبلية التراثية المتجددة. تلك التي تمجد الإسلام وتنتقد الماركسية والإمبريالية وتتزلف للمخزون النفسي الجماهيري".
وتتناول النقطة الثانية في الدراسة "الاجتماع السياسي الإسلامي" كما يعكسه الفقه السياسي لعبد السلام ياسين الذي لا يخفي أنه يسعى "لإقامة حكم إسلامي.. حكم يؤسس نظامًا اقتصاديًّا سياسيًّا أخلاقيًّا إنسانيًّا متجددًا بتجدد إيمان المسلمين، فاعلاً ناجحاً في إقامة صرح الإسلام من ركام الخراب الديني والمادي والنفسي الذي يعانيه المسلمون من جراء هزيمتهم التاريخية: "أمام ما ينعته بـ "الغزو الجاهلي الشامل الذي تتمثل صيغته الحالية في حقائق العولمة".










وفي النهاية يعترف الكاتب أنه بالرغم أن الخطاب السياسي لعبد السلام ياسين قابل لقراءة انتقائية من شأنها أن تجتزئ نصوصًا تبرزه مناصرًا للديمقراطية، وما يتصل بها من تعددية، ومعارضة، وتداول على السلطة، وإقرار بحقوق الإنسان؛ فإنه بشيء من التمحيص يتضح أن كل ذلك محكوم ببنية عقائدية أيديولوجية أرتودوكسية لا تطيق تعددية ولا اختلافًا ولا معارضة، ولا تداولاً للسلطة، بل ولا حقوقًا للإنسان خارج مرجعيتها الصارمة القائمة على مفهوم "الحاكمية" و"الولاية" و"المواطنة القلبية" و"الوطن الإيماني المشترك"، بعيدًا عن روح صحيفة المدينة التي أسست لتعاقد سياسي مدني اعترف باليهود والمسلمين باعتبارهم أمة من دون الناس.