تشهد التجارة الأمريكية تحديا كبيرًا مع تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة على المكسيك وكندا، في ظل سياسته الجديدة التي باتت تهدد عقودًا من التعاون الاقتصادي و"التكامل" بين دول أمريكا الشمالية، تكاملٌ غيّر ملامح الاقتصاد في كل من أوتاوا ومكسيكو لتلبية احتياجات الولايات المتحدة، القوة الاقتصادية الكبرى.
تُعد اتفاقيات التجارة الحرة أحد أعمدة الاقتصاد العالمي، ويبرز منها اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي أُعيد التفاوض عليها في 2017، ورغم المكاسب الاقتصادية التي جلبتها هذه الاتفاقية، فإن الانتقادات المتجددة ضدها تثير قلق المدافعين عن استقرار التجارة الأمريكية، ما يفتح الباب لتساؤلات حول مصداقية الالتزامات الأمريكية.
اقرأ أيضًا| ديون أمريكا.. هل باتت عقبة تهدد طموحات ترامب الاقتصادية؟
وتظل تساؤلات عديدة حول كيفية تأثير سياسة ترامب الجمركية على استقرار العلاقات التجارية بين كندا والمكسيك والولايات المتحدة، فبينما تسعى التجارة الأمريكية إلى تعظيم مكاسبها، قد تؤدي توجهات ترامب إلى إعادة رسم خريطة التجارة العالمية.
فمنذ دخول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية حيز التنفيذ، شهدت كندا والمكسيك تغيرات جذرية في اقتصاداتها، وتحولت المكسيك من دولة نفطية متوسطة إلى قوة تصنيعية وسياحية تعتمد على التجارة والزراعة وتحويلات العاملين بالخارج، في المقابل، عززت كندا مكانتها كمصدر ضخم للهيدروكربونات، ما يوضح مدى تعقيد شبكة التجارة الأمريكية في القارة، وفقًا لصحيفة «ذا هيل» الأمريكية.
باتت سلاسل القيمة التي تربط اقتصادات أمريكا الشمالية، محورًا أساسيًا للصناعة، حيث تعتمد على إنتاج وتجميع الأجزاء عبر الحدود، بفضل استثمارات ضخمة في البنية التحتية مثل خطوط أنابيب الغاز والمناطق الصناعية، أصبحت المكسيك نقطة محورية في هذه السلاسل، لكن تهديد دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية قد يعرقل هذه الديناميكية التجارية التي تخدم التجارة الأمريكية بشكل كبير.
الغاز والطاقة.. شراكة حيوية قيد الخطر
منذ 2014، ارتفعت صادرات الغاز الطبيعي الأمريكي بشكل لافت، ووُجّهت غالبية هذه الصادرات إلى كندا والمكسيك عبر خطوط الأنابيب، ففي عام 2023، بلغت صادرات الغاز المكسيكية وحدها 2.24 تريليون قدم مكعب، أي تهديد لهذه التدفقات سيؤثر على قطاعات الطاقة التي تُعد العمود الفقري للتجارة الأمريكية مع دول الجوار.
الغذاء والزراعة
ساهمت اتفاقيات التجارة الحرة في تعزيز صادرات الولايات المتحدة من الأغذية والزراعة إلى كندا والمكسيك، ما أسهم في إنعاش المناطق الريفية، وفي 2023، بلغت قيمة هذه الصادرات 84.7 مليار دولار، لكن أي تصعيد في الحرب التجارية قد يُفقد المزارعين الأمريكيين أسواقهم الحيوية، ويفتح المجال أمام منافسين دوليين.
اقرأ أيضًا| الولاية الثانية لترامب| أجندة تغير وجه السياسة الأمريكية
هل ينقلب النجاح التجاري في عهد ترامب؟
رغم أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أعاد التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لتصبح اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، إلا أن سياساته الأخيرة، قد تهدد الإنجازات التي تحققت، فرض رسوم جمركية جديدة قد يُعيد شبح «حرب تجارية» تضر بالمزارعين، والصناعات، وحتى المستهلكين، ما يضع التجارة الأمريكية في وضع معقد.
وفقًا للصحيفة الأمريكية ذاتها، يُحذر خبراء التجارة من أن خرق الالتزامات التجارية لا يُضعف سمعة الولايات المتحدة فحسب، بل يهدد تحالفاتها الكبرى، أحد المفاوضين أشار إلى أن فرض شروط شبيهة بعصابات المافيا في التعامل مع الشركاء لن يعزز التجارة الأمريكية، بل سيقود إلى مزيد من الانقسامات الجيوسياسية والاقتصادية.
التفاوض بالتهديد.. سلاح ذو حدين
يرى النائب الديمقراطي، هنري كويلار، أن تهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تجاه المكسيك قد تدفعها للتفاوض، لكنه يشدد على أهمية التوازن، فيما يعتمد ميناء لاريدو، المسؤول عن 40% من التجارة الأمريكية - المكسيكية، على الشراكة لا على التعريفات الجمركية التي قد تؤدي إلى ردود فعل متبادلة تزيد من تعقيد العلاقات التجارية.
ونجح ترامب في 2019 باستخدام الرسوم الجمركية لإجبار المكسيك على تحسين قوانين الهجرة، لكن رئيسة المكسيك، كلوديا شينباوم ترى أن هذه السياسة غير فعالة، وبدلا من التهديد، دعت إلى التعاون لمعالجة تحديات مثل الهجرة واستهلاك المخدرات، محذرة من أن التعريفات المتبادلة قد تُعرّض التجارة الأمريكية والمكسيكية إلى خسائر كبيرة.
هل يمكن للصين أن تكون بديلاً؟
رغم أن المكسيك تُعد أكبر مستورد للسلع الأمريكية، فإن علاقتها التجارية الواسعة مع الصين قد تمنحها نفوذًا إضافيًا، ومع ذلك، يُشكك الخبراء في نجاح المكسيك في توسيع هذه العلاقات لتصبح بديلًا حقيقيًا لـ التجارة الأمريكية، نظرًا للصعوبات اللوجستية والتكاليف المرتفعة.
ويشير محللون إلى أن خروج الولايات المتحدة من اتفاقيات مثل «اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا» سيُحدث موجات صدمة تجارية عالمية، كما أضر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بها، فإن التخلي عن هذه الاتفاقيات سيُلحق الضرر بالشركاء التجاريين ويهدد استقرار الأسواق الدولية بشكل أوسع.
اقرأ أيضًا| للتصدي لقرارات ترامب.. ديمقراطي يقترح «حكومة الظل» كإدارة معارضة