تُعد قرية إدفينا، إحدى كبرى قرى مركز رشيد بمحافظة البحيرة، نموذجًا فريدًا يجمع بين عبق التاريخ وسحر الطبيعة، اشتهرت بالقناطر الشهيرة التي تحمي مياه النيل من الهدر، وبصناعة الفخار والقيشاني التي زينت منازلها ومساجدها الأثرية.
ومن أبرز معالمها مسجد سيدي عبد الرحمن الحلبي، الذي يحمل تاريخًا يمتد إلى العصر المملوكي، ليكون شاهدًا على إبداع العمارة الإسلامية وجمال الفن التقليدي.
◄ الطبيعة والتاريخ
إدفينا ليست مجرد قرية؛ إنها واحدة من أهم مراكز صناعة الفخار والقيشاني بوجه بحري، حيث يتجلى جمال ودقة الصنعة في تزيين المساجد والمنازل. كما تتميز بحدائقها البديعة التي أصبحت مقصدًا للزوار من جميع أنحاء الجمهورية، ومن أبرز معالمها قصر الملك فاروق والملك فؤاد، تحفة معمارية بنيت على الطراز الإيطالي في عصر أسرة محمد علي.
على أنقاض مسجد قديم بُني في العصر المملوكي، شُيّد مسجد سيدي عبد الرحمن الحلبي عام 1275 هـ (1858م)، المسجد يُخلّد ذكرى القاضي عبد الرحمن الحلبي، الذي جاء من حلب، وتعلم في القاهرة، ثم عُيّن قاضيًا بدمنهور، ليختار إدفينا مقرًا لإقامته حتى وفاته.
◄ مئذنة وقبتين
1. القبة الرئيسية: تُغطي ضريح الحلبى، وزُيّنت أبوابها بالطوب المنحوت بأسلوب فني مشابه لما هو شائع بمدينة رشيد، أما حجرات الضريح، فزُخرفت ببلاط القيشاني، المصنوع في مدينة كوتاهية، والذي يحمل تاريخ الصنع نفسه (1275 هـ).
2. القبة الصغيرة: تُعرف باسم قبة الأنصاري، وتغطي ضريحًا آخر داخل المسجد.
◄ قبة تاج الدين: امتداد للعمارة الإسلامية
يلاصق مسجد الحلبي من الجهة الشمالية قبة تاج الدين، التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر الهجري، أثناء ترميم المسجد، وُجدت كتلة خشبية تشير إلى أن البناء الأصلي يعود إلى نحو 850 عامًا، وكان قد شيده أولاد البنا وأولاد جدعان، أما الضريح، فقد أُضيف لاحقًا بناءً على وصية قاضي القضاة بدمنهور، ليدفن بجوار المسجد الذي يحمل اسمه اليوم.
اقرأ أيضا| جزيرة سهيل.. مقصد سياحي عالمي
يمثل مسجد سيدي عبد الرحمن الحلبي ليس فقط مركزًا دينيًا، بل أيضًا مقصدًا سياحيًا يعكس عبقرية العمارة الإسلامية، بجانب كونه رمزًا للتسامح والاندماج الثقافي، يظل المسجد شاهدًا على براعة الفنون التقليدية التي امتزجت بروح المكان.
مسجد وقبة ومئذنة الحلبى في إدفينا ليسوا مجرد معالم أثرية؛ إنهم نوافذ تطل على تاريخ عريق يجسد إبداع الأجيال الماضية، ويمثل إرثًا ثقافيًا ودينيًا نفخر به في حاضرنا.