مجرم الحرب نتنياهو أرجع القبول بوقف إطلاق النار فى لبنان إلى ثلاثة أسباب: أن جيشه منهك ويحتاج ـ كما قال ـ إلى «إنعاش»!! وأن ترسانة السلاح لدى إسرائيل تحتاج للدعم ـ ثم أنه يريد التفرغ لمواجهة إيران!!
الحقيقة الوحيدة فى كل ذلك أن جيشه منهك، وأنه فشل فى مهماته الأساسية على جبهة لبنان، وأنه بدلاً من السيطرة على الجنوب فى عدة أيام كما قيل فى بداية الحرب دفع ثمناً غالياً فى محاولاته للاقتحام البرى، وعجز عن مواجهة صواريخ حزب الله التى أصبحت زائراً دائماً لتل أبيب.
أما السلاح فما زال يتدفق على إسرائيل رغم ضغوط الرأى العام فى كل الدول التى تمد الكيان الصهيونى بالسلاح وأبرزها بالطبع الولايات المتحدة ثم ألمانيا وقد سارعت واشنطن إلى تأكيد أن الصفقة الوحيدة التى تم إرجاؤها «وليس إلغاؤها» تتعلق بالقنابل الثقيلة زنة ألفى رطل التى استخدمتها إسرائيل ـ بالمخالفة لكل القوانين الدولية وحتى الأمريكية ـ فى قصف المدنيين وقتل الأطفال.. لكن ربما كان هناك تلويح بتأخير شحنات الذخائر وبعض الأسلحة من ادارة بايدن مؤخرا للضغط من أجل اتمام الاتفاق حول انهاء الحرب فى لبنان، وعلى كل حال فقد تم التعويض فور توقيع الاتفاق بالكشف عن صفقة «سلاح جديدة» بقيمة ٦٨٠ مليون دولار.. وهى فى النهاية ـ رسالة سيئة حين تأتى مع استمرار حرب الإبادة والمذابح اليومية ضد شعب فلسطين!!
وليس بعيداً عن ذلك حكاية التفرغ لمواجهة ايران التى يعرف الجميع زيفها، والتى يفسرها أنصار نتنياهو وحلفاؤه من زعماء عصابات الإرهاب الصهيونى بأنها مجرد غطاء مضلل من أجل التفرغ لاستكمال حرب الإبادة فى غزة واستكمال مخططات إعادة الاحتلال وتهجير الفلسطينيين فى الضفة والقطاع معاً، وقطع الطريق تماما أمام أى فرصة لقيام الدولة الفلسطينية.. وكلها أهداف معلنة لحكومة مجرمى الحرب التى ترفض كل فرص السلام الحقيقى، والتى تمضى فى حرب الإبادة منذ أكثر من عام بدعم أمريكى كامل، والتى يصرح أهم وزرائها علناً بأن الهدف هو تهجير نصف الفلسطينيين خلال عامين!!
صفقة السلاح الأمريكية الأخيرة ليست الأكبر بين سيل الصفقات أثناء عام الحرب، التى رصدت لها واشنطن ما يقرب من ١٨ مليار دولار، لكنها ـ فى هذا التوقيت ـ لا تعنى إلا التشجيع على استمرار المذابح الإسرائيلية.. ولا يقلل من ذلك أن يتحدث الرئيس بايدن عن استئناف التفاوض من أجل وقف اطلاق النار فى غزة، وعن الأمل فى اتفاق يحدث قبل نهاية ولايته.. فهو يعرف جيدا أن الأمر يختلف عن جبهة لبنان، وأن الطريق إلى «السلام الممكن» الذى تحدث عنه لا يكون بالمزيد من السلاح، ولا بالمزيد من الوقوف إلى جانب إسرائيل فى مواجهة العالم وتعطيل كل أدوات الشرعية الدولية!!
كل دول العالم رحبت باتفاق ايقاف إطلاق النار فى لبنان، وكلها تأمل أن يكون بداية النهاية لهذا الجنون الإسرائيلى، وأن يكون إيقاف إطلاق النار فى غزة هو الخطوة التالية، وأن ينفتح الباب أمام سلام حقيقى لن يتحقق مطلقاً إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وقيام دولة فلسطين المستقلة على كامل حدود الرابع من يونيو ٦٧ وعاصمتها القدس العربية، وكل دول العال تأمل فى ذلك، والرئيس بايدن نفسه تبنى «حل الدولتين»، وإن كان لم يفعل شيئا حقيقياً لتحقيق ذلك طوال ولايته.
الوضع سيكون أخطر بكثير مع ولاية ترامب الثانية، ومع عودة الحديث عن فرصة إسرائيل فى تحقيق أهدافها من خلال الجزء الثانى من صفقة القرن، بعد اشارات ترامب «المرفوضة» إلى حاجة إسرائيل للتوسع، وحديثه «المشبوه» عن امتداد سلامه الإبراهيمى إلى ما قد يصل إلى ١٥ دولة عربية واسلامية تنضم لقافلة التطبيع المجانى على حساب فلسطين وخصماً من رصيد عربى كان من الممكن أن يوقف إسرائيل عند حدها، وأن يضع أى إدارة أمريكية أمام حقيقة أن مصالحها فى المنطقة لن تضمنها إسرائيل، وإنما يضمنها استقرار المنطقة ويؤمنها السلام العادل الذى لن يتحقق إلا مع الإقرار بحقوق شعب فلسطين الكاملة، ودولته المستقلة، وقدسه المحررة.
صفقة السلاح الأمريكية الأخيرة هى إشارة إلى استمرار الخطأ وتشجيع مجرمى الحرب على الاستمرار فى جرائمهم، مثلها مثل اشارات عديدة لمنع مجلس الأمن من إصدار قرارات تدين إسرائيل، أو اعلان الحرب على المحكمة الجنائية الدولية لأنها أمرت باعتقال نتنياهو لمحاكمته كمجرم حرب متهم بجرائم ضد الانسانية.
سياسة أمريكا لن تتغير إلا اذا وجدت أمامها موقفاً عربياً يخيرها بين الانحياز لإسرائيل أو الانحياز للشرعية الدولية، ويؤكد لها ـ وللعالم كله ـ أن الجميع ملتزم بالمبادرة العربية، وأن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة هو باب الحل الوحيد، وأن كل طريق آخر محكوم بالفشل!!