مرة أخرى أكتب عن العاصمة الإدارية الجديدة التى وصفها أعضاء اتحاد الصحفيين العرب أثناء زيارتهم لها مؤخرا بأنها ستصبح «درة الشرق» فى غضون سنوات قليلة، وطرحوا سؤالا: كيف فعلتم هذا الاعجاز فى سبع سنوات فقط؟
العاصمة الإدارية و١٥ مدينة جديدة أخرى، ليست كإنشاءات ومبان وطرق رائعة، وإنما كمدن للمستقبل، تعلى شأن الإنسان وتحقق أعلى درجات الحياة الكريمة، وعندما أراد البارون إمبان البلجيكى الجنسية إنشاء حى مصر الجديدة، وكانت صحراء تستوطنها الذئاب والكلاب المسعورة، مدّ المترو من أمام دار القضاء العالى الآن، وحوله تم تخطيط حى سكنى هو الأرقى والأجمل فى القاهرة كلها.
وفى مصر الآن آلاف الطرق مثل ما فعله البارون إمبان، وكانت الدولة حريصة على تأمين الأراضى المحيطة بها، حتى لا يقتنصها أصحاب النفوذ وعصابات الأراضى، مثلما حدث فى بعض الطرق الصحراوية، الأرض لكل المصريين وليست لفئة واحدة، والخير الذى يعم على الجميع أفضل مليون مرة، ومضى عصر تنتفخ كروش بعينها بكل شىء، وتحرم الغالبية من أى شىء.
ليس المستهدف من إنشاء شبكة الطرق هو «فقط» أن تسير عليها السيارات وتسهيل حركة المرور، ولكن كل طريق يتحول إلى مجتمع عمرانى يستوعب عشرات الآلاف من المصريين، بعد أصبحنا كمن نعيش جميعاً فى شقة صغيرة، بينما نترك مساحة البلاد دون إشغال، فأصابتنا كل أمراض الزحام.
وأخطرها «التلوث الأخلاقى»، فالشاب الذى ينشأ فى مكان يشبه علبة سردين، تصيبه الأمراض العضوية والنفسية، وتنكسر فى أعماقه متعة الحياة، والبنت التى تطاردها عيون الجيران، لأن الشبابيك والبلكونات متقاربة جداً، تصيبها حمى التلصص وما وراءها من أعراض وسلوكيات غير سوية.
لم يكن غريباً منذ فترة أن تهيج الثعابين الكبيرة على اللودرات أثناء هدم أحد الأحياء الآيلة للسقوط فى المقطم، فقد كانت المنطقة التى يمتد تاريخها مئات السنين، تعيش فوق أنفاق للثعابين الساكنة تحت العشش السكنية، وحشرات أخرى ضارة كثيرة.
وهكذا أحياء كثيرة فى القاهرة يعيش الناس فيها وكأنهم فى الحشر، ومنازل متقاربة لا تدخلها شمس ولا هواء، وكأنه كتب عليهم الشقاء، والدولة العادلة هى التى ترعى جميع أبنائها، وإذا اختارت فليكن للمحتاج والفقير ومن ضاقت بهم سبل الحياة، وإذا جاملت فليكن للفقراء، وإذا منحت فليكن لمن يستحق وليس لصاحب سطوة أو نفوذ.
وانتقل قاطنوها من «العدم» إلى «الأمل»، ورغم ذلك سمعنا فى البداية من يحاول التهييج والتحريض، ويؤلب السكان لعدم الانتقال لمناطق أخرى نظيفة تشبه الأحياء الراقية، وعندما تكسر الدولة «خنقة الأماكن» المفروضة على مواطنيها، فهى تعيد «ترسيم جودة الحياة»، فمن حق الفئات الأكثر احتياجاً أن يكون لهم نفس الحق فى الحياة، وهو المعنى السامى لحقوق الإنسان.
المشروعات الكبرى تحقق نتائج أخرى غير مباشرة أبرزها توفير ملايين فرص العمل، وإعلاء شأن القيم الإنسانية، بجانب الهدف الأساسى من إنشائها وهو النمو الاقتصادى والتنمية المتسارعة.