يقولون في الأمثلة: «إذا كذبت العنزة.. فإن قرنيها لا يكذبان»، ولأن المجرمون في حاجة دائمة إلى الكذب، لإنه إحدى شروط بقائهم، حافظت إدارة الاحتلال الإسرائيلي على سياسة الخداع والكذب وإدعاء المظلومية على مدار تاريخها، حتى نالت تعاطف العديد من دول العالم لسنوات وسنوات، حتى جاء يوم 7 أكتوبر من العام الماضي ليختلف وجه العالم وبصلته من يومها، فيتحول كل الدعم الدولي لإسرائيل إلى كره واضح، وهذه ما عكسته الأحداث الأخيرة في أمستردام وباريس والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهم من الدول، ومن قبلهم الإدانات والإجراءات التي انطلقت من مختلف دول العالم ضد الانتهاكات والمجازر والإبادة الجماعية التي ترتكبها إدارة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، ليبرهن كل هذا على مدى تصاعد موجة الغضب والكراهية عالميا ضد الإسرائيليين، جراء عدوانهم الغاشم والدموي المستمر على قطاع غزة على مدار أكثر من عام كامل.
الكذب الذي خلفنا والكذب الذي أمامنا لن يكون بذي أهمية إذا ما قورن بالكذب الذي يعشعش بين أروقة إدارة الاحتلال، والحقيقة لا نعرف متى ظهرت الفبركة في التاريخ، ولكن أغلب الظن أنها ظهرت بظهور إدارة الاحتلال الإسرائيلية، ولكن اليوم ليس كالبارحة، فشعوب العالم الآن أصبح لديها من الوعي ما يجعلها تعلم الصدق من الكذب والحقيقة من الزيف، خاصة أن كل جرائم الاحتلال موثقة الآن صوتا وصورة في ظل الإبادة الجماعية لأهالي فلسطين وفي القلب منهم أهالي قطاع غزة، مع أرقام مرعبة من الشهداء والمصابين، حيث أنه منذ العدوان الإسرائيلي استشهد أكثر من 43 ألف فلسطيني وأصيب أكثر من 110 ألف فضلا عن 10 آلاف مفقودين.
وكانت العاصمة الهولندية أمستردام شهدت أعمال شغب وعنف قام بها مشجعو نادي «مكابي تل أبيب»، كما قوبل عزف النشيد الإسرائيلي بصيحات استهجان وصفارات من قبل الجماهير في ستاد فرنسا قبل مباراة المنتخب الفرنسي أمام إسرائيل في دوري الأمم الأوروبية. إلى جانب ذلك، في الولايات المتحدة، أعلنت رابطة مكافحة التشهير «إيه دي أل» الأمريكية، في 6 أكتوبر من 2024، أن حوادث كراهية اليهود والإسرائيليين تحديدا، زادت ثلاث مرات خلال عام واحد، موضحة أن أكثر من 10 آلاف حادثة وقعت بين 7 أكتوبر 2023 و 24 سبتمبر 2024، مقارنة بـ3325 حادثة في العام السابق. كما أن صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، نقلت في 5 مايو 2024، مقالا كتبه أوريا شافيت رئيس مركز «دراسة يهود أوروبا المعاصرين» ومعهد «إيروين كولر»، قال فيه: «إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فسيسدل الستار على القدرة على عيش حياة يهودية في الغرب».. كل هذا يدفعنا للتساؤل هل انفجرت موجة الكره في وجه الإسرائيليين في مختلف دول العالم أم أن الأمر مدبر من قبل حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية لحث يهود الخارج على العودة، هذا ما نجيب عنه في السطور القادمة..
إبادة وكره أوروبي
د. صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني، أكد أن دولة الاحتلال أصبحت منبوذة في أوروبا وذلك لاستمرار ممارستها لجريمة الإبادة الجماعية بالغة الوحشية المستمرة للشهر الرابع عشر على التوالي في غزة، والتي تركت تداعيات كبرى على مستوى العالم، في إظهار السردية الفلسطينية الحقيقية وإظهار حقيقة دولة الاحتلال الإجرامية العنصرية والفاشية، وهذا جعل هناك موجة من الكره طالت الإسرائيليين في معظم دول العالم، ومن الطبيعي أن أي دولة ترتكب الإبادة الجماعية وهي الجريمة الأبشع في التاريخ الإنساني، أن تتعرض إلى مثل هذا النبذ والكره وخاصة من كل حر في هذا العالم، ورغم محاولات إسرائيل وبعض الحكومات وسم هذا الكره للاحتلال وللصهيونية بمعاداة سامية، إلا إن هذه الكذبة لم تعد تنطلي على أحد وباتت مفضوحة وتُستخدم لإرهاب المواطنين ومنعهم من حرية الرأي والتعبير ومساندة نضال وحقوق الشعب الفلسطيني وإدانة جرائم الاحتلال.
وأوضح عبد العاطي، في تصريحات لـ «أخبار اليوم» من رام الله، أن ما جرى في إيطاليا وفرنسا وهولندا واليونان وغيرها من دول أوروبا يعكس إلى أي مدى هناك نبذ وكره لإسرائيل لممارستها جريمة الإبادة الجماعية عدا عن سلوك عناصر مشجعي الفرق الرياضية والإسرائيليين باعتبار أن هناك قانون تجنيد إجباري في الاحتلال وكل هؤلاء شاركوا في جيش الاحتلال وبالتالي هم ملطخة أيديهم بدماء الفلسطينيين، باعتبارهم عملوا إما كجنود احتياط إو جنود في جيش الاحتلال الذي على مدار تاريخ الصراع ومنذ 76 عاما يمارس جرائم ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فضلا عن جرائم الإبادة الجماعية وهذا الأمر يمكن أن يتمدد وبالضرورة كلما طال أمد هذا العدوان سيتوغل هذا الكره إلى بقية دول العالم لتصبح إسرائيل وشعبها منبوذين، ولماذا شعبها لأن قلة قليلة هي من تدين الإبادة الجماعية وتعد على الأصابع. وبالتالي الشعب باستطلاعات الرأي وغيرها مع إبادة الفلسطينيين وقتل الأطفال، بل هناك من يتفاخر بذلك من المستوى السياسي الرسمي والشعبي الإسرائيلي وحتى الإعلاميين.
عداء حقيقي
ورأي أن هذه الأحداث ليست مفتعلة، فالكره بات حقيقة واضحة في هذا المجال وإن كان العداء ليس لليهود وإنما العداء للإسرائيليين ومرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والمدافعين عنها، وهناك أعضاء كثيرين إسرائيليين يزورون أوروبا ولكنهم يعاملون باحترام لأنهم يدينون الاحتلال الإسرائيلي ويدينون ممارسات وجرائم بلدهم، وهناك أسماء لامعة فيها مثل جدعون ليفي وعميرة هارتس وغيرهم، إضافة إلى الكثيرين، ثم أن اليهود في أوروبا هم من أدانوا سلوك دولتهم بشكل كبير عدد كبير منهم في أوروبا وفي أمريكا وشاركوا في التظاهرات ضد جرائم الإبادة الجماعية.
وعن تأثير ذلك على القضية الفلسطينية، قال رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني، إنه إيجابي لدعم نضال الشعب الفلسطيني ولإبراز خطورة استمرار جريمة الإبادة الجماعية وانعكاساتها على دولة الاحتلال، ولكن يخشى أن تستخدم موجة الاعتداءات والكره في مواجهة الفلسطينيين بتشديد القيود على حرية الرأي والتعبير وعلى التجمعات السلمية وعلى إدانة أيضا المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، ولذلك لابد من التعاطي مع هذه الظواهر باعتبارها ردود أفعال على جريمة الإبادة الجماعية، والتي إذا أراد العالم إنهائها فعليه أن ينهي كل ذيول أو إنهاء الاحتلال الاسرائيلي ووقف جريمة الإبادة الجماعية حتى يرى العالم أن هناك مؤسسات ودول قادرة على القيام بسلوكها الأخلاقي والقانوني وعدم أخذ القانون باليد من أي طرف كان، ولكن ردود الأفعال لغاية الآن هي ردود تتعلق بردود أفعال على عدوان المشجعين الإسرائيليين من فريق مكابي الذي هم أيضا يفتعلون هذه المشكلات في داخل إسرائيل نفسها.
أحداث مفتعلة
زيد تيم أمين سر حركة فتح في هولندا، قال إن كرة القدم شئ أخلاقي لأن الرياضة أخلاق ومثلها الموسيقى والكثير من الدول تتداول ذلك بأخلاقية عالية، ولكن أصبح وجود أي صهيوني مهما كان في مجال الموسيقى أو الرياضة يخلق توتر بأوروبا أو بقية دول العالم، وهذا الشئ جاء كنتاج طبيعي لكل ما قامت به إدارة الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
وأضاف تيم، في تصريحات لـ «أخبار اليوم» من أمستردام، أن العالم أصبح اليوم قرية صغيرة، وكل شئ يتم توثيقه الآن، وهناك تضامن غير مسبوق مع فلسطين من كل أنحاء العالم وخصوصا على الساحة الأوروبية وأمريكا وأستراليا وكل المناطق في العالم، مشيرا إلى أن هذا التوتر غير المسبوق لم يشهده التاريخ على الإطلاق في ظل حرب الإبادة الجماعية، وبوجود فريق مثل مكابي تل أبيب - الذي يعد فريق عنصري يتعامل بعنصرية - لأنه يقوم بسب الإسلام ويمزق العلم الفلسطيني ويعتدي على الهولنديين وسائقي الأجرة هنا، فكان من الضروري بمكان أن يدافع الهولنديون عن القانون، وفي أمستردام مارسوا كل أشكال العنصرية وكان هناك ترتيب لذلك، وإلا لماذا لم يحضر المباراة سوى 16 ألف متفرج في حين أنه يحضر المباراة عادة أكثر من 80 ألف متفرج.
وأوضح أنه بشكل عام العرب والفلسطينيين ضد أي عمل أو شكل من أشكال العمل غير القانوني، مؤكدا أن العنف والتحريض وخطاب الكراهية والعنصرية والهتافات التي تمت كلها كان من جانب الذي أتوا مع فريق مكابي تل ابيب إلى أمستردام، لافتا إلى أنهم كعرب ضد العنصرية لأنهم يعانون منها أصلا، كما أنهم ضد كل أشكال العنصرية بما فيها معاداة الفلسطينيين وكراهية الإسلام ومعاداة السامية، وعلى العموم يجب إثبات الحقائق والتحقق من كل شئ بشكل كامل ومحاسبة أولئك الذين ينتهكون القوانين ويشمل ذلك الأحداث المؤسفة التي شهدتها امستردام أو باريس.
الأوروبيون سئموا
ولفت إلى أن ما يحدث في فلسطين سواء في الضفة أو غزة وحرق الناس في الخيام وأعداد الشهداء الذين وصولوا إلى أكثر من من 43 ألف شهيد وأكثر من 110 ألف مصاب وجريح وأكثر من 10 آلاف مفقود وعدم إدخال المساعدات الغذائية على مرأى ومسمع من الجميع، أثر على المجتمع الأوروبي، الذي أصبح كاره لأي صهيوني أو أي إنسان يأتي من هذه المنطقة، وأصبح من الواضح جدا أنهم غير مرغوب في تواجدهم بأوروبا لأن الناس سئمت من حرب الإبادة ومن المحرقة التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني.
وأكد أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة، وعلى رأسها نتنياهو، تحاول تسييس أي حدث، وهذا ما ظهر في أحداث أمستردام والتي بالتأكيد كانت مفتعلة، لأنه حين يطلب المنظمون في افتتاحية مباراة مكابي تل أبيب وأياكس الوقوف دقيقة صمت على أرواح الذين ماتوا في فيضان أسبانيا، وهم أناس أوروبيون ولم يقفوا لهم، ثم يبدأون بعد ذلك في سب العرب ويصيحوا ويصدروا أصواتا غريبة في إشارة لعدم احترام هؤلاء الناس وهؤلاء الأوروبيين، وذلك لأنهم اعترفوا بدولة فلسطين، مؤكدا أن نتنياهو نعم أراد تسييس هذا الموضوع، وهؤلاء الرياضيين هناك منهم جنود أصلا في قوات الاحتلال قاتلوا كجنود احتياط وقاتلوا مع هذا الجيش الذي يمارس كل أشكال الإرهاب والعنصرية، موضحا أن المواطن الأوروبي سئم من الخطابات الكاذبة، كما أنه تابع محكمة العدل ومحكمة الجنايات وتابع نتنياهو وتابع غيره وهو يتحدث على عدم احترامه لا للقانون الدولي ولا القانون الدولي الإنساني.
وأشار إلى أن الشعب الأوروبي الآن أصبح فاهم اللعبة جيدا، ففي السابق كان هناك تضليل ومكينة إعلامية كبيرة، أما اليوم لم يعودوا قادرين على ترويج أكاذيبهم وإقناع الشعب الأوروبي بها، موضحا أن ما شهدته أوروبا يخدم القضية الفلسطينية بشكل إيجابي، لأن الإسرائيلين بخلاف ما يرتكبوه من انتهاكات وبحرب إبادة جماعية في فلسطين، تركوا هنا أيضا صورة سلبية عنهم وعن أخلاقهم، ولم يعد هناك استغراب بين الأوربيين من أفعالهم، لأن من يقوم بحرب إبادة جماعية يمكنه أن يقوم بأي شئ أخر، في ظل أنهم أتوا إلى هولندا وخربوا وعاثوا فسادا في أمستردام، والأوروبيون يجب أن يفيقوا ويروا الحقائق رأي العين، ويجب أيضا أن يسمعوا استغاثات الأطفال والنساء الذين يلاقون الأمرين في فلسطين، مضيفا أنه أصبح هناك احترام وتقدير وتضامن مع الشعب الفلسطيني، والدليل على ذلك حركة التضامن الكبيرة جدا في أوروبا التي تتزايد يوما بعد يوم مع الفلسطينيين.
جذور العداء
الدكتور عامر الربيعي رئيس مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية العربية الأوربية في باريس، قال إن هناك جذور لعداء بين اليهود وشعوب أوروبا، وهذا بالطبع يعود إلى أسباب عقائدية ودينية، وأخرى لأهداف جيوسياسية وجيواقتصادية قامت على اثر استئثار النازية والفاشية بالساحة في أوروبا، وكما هو معلوم إن قانون «تجريم معاداة السامية» موجود في دساتير دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فهذا لم ياتي من فراغ، وإنما لتظافر عوامل جيوسياسية وجيواقتصادية متحركة وفق إرادة رأس المال الصناعي الذي ينتج رأس المال المالي، ويفرض أولوياته على الساحة العالمية.
وأكد الربيعي، في تصريحات لـ «أخبار اليوم» من باريس، أن موجة الكراهية التي تجتاح أوروبا سواء تلك الناتجة في ساحة هولندا من جراء تصرفات غير اخلاقية من جمهور الكيان الصهيوني ، او ما جرى في الساحة الفرنسية في نفس السياق الرياضي ، والتي سارعت بدورها إلى اتخاذ التدابير للحيلولة دون توسع نطاق الصدام بين الساحة الاجتماعية الشعبية الفرنسية الرافضة من الأساس لإقامة هذه المباراة ، وبين جمهور فريق الكيان الذي ينتمي إلى ثقافة زرع القتل والقبح والاستكبار في فلسطين ولبنان ، يدل تشابك المواقف بين ساحة هولندا وفرنسا على وحدة المجتمع الإنساني أخلاقيا وقيميا، مشيرا إلى أن الأسباب الجوهرية الكامنة وراء ظهور الكيان بهذه الصفة المنحرفة في الساحات الدولية من دون إعطاء قيمة للدولة المضيفة، يأتي ضمن حركة الكيان الصهيوني ككل، و«هذه الشريحة جزء من كل» قائم على استثمار الهيمنة المالية ووجوده الجيوسياسي وطرح نفسه محور يجب أن تخضع له الجغرافيا المحيطة به وفق ضروراته وهذا كان بارزا في الساحة الأوروبية الضخمة الخاضعة لقانون معاداة السامية، وحاضرا في غزة عندما قام بتعطيل المؤسسات الدولية كالأونروا واليونيفيل في لبنان، وذهب أبعد من ذلك أن فرض منع زيارة جوتيريش نفسه للكيان.
منظومة المواطن الأوروبي
وتابع: «إذن نحن أمام دولة قزم تدعي الاضطهاد التاريخي، وإنها بعد معاناة في ساحة أوروبا تريد أن تصل إلى الخلاص في ساحة غرب آسيا، ولأجل هذا الخلاص مسموح لها كل شيء، وأن يعم الدمار وتزهق الأرواح، ويعطل المجتمع الدولي ومؤسساته الدولية، لأجل الخلاص من التيه، وكل ذلك يحدث بعنف في فلسطين منذ أكثر من عام مر، ولم يجد المجتمع الدولي حلا، فانتقل العنف إلى لبنان، حلقة تتمدد تطال كل المؤسسات الدولية، وهكذا بالنسبة للفيفا، وكرة القدم التي تعتبر من المحافل الدولية لبناء جسور التواصل والمحبة بين المجتمعات والشعوب، تم استثمارها من قبل جمهور هذا الكيان بزرع الكراهية والقبح، مبينا أن المواطن الأوروبي يتحرك وفق منظومة مكونة من اضلاع عدة، أبرزها المنظومة الفكرية التي يقف عليها جهاز الدولة، والنظام السياسي المغذي لهذا الجهاز، والذي يعلن أنه يتبنى الديمقراطية والحرية والأخوة والمساواة من جهة، ونظام اقتصادي ذو طابع رأسمالي - اشتراكي، من جهة ثانية، تهيمن فيه الشركات المتعددة الجنسيات، التي تمارس دورا في إحداث الانقلابات الجيواقتصادية الهادئة لتنقل البلاد من الاشتراكية إلى التبعيّة الرأسمالية.
وبين أن النظام السياسي في معظم دول الاتحاد الأوروبي يربي أجياله منذ عشرات السنين على قوانين عديدة بعضا منها يدخل في تأنيب الذات من جراء مفرزات الحرب العالمية الثانية وما قامت به النازية ومعاداة السامية احداها، أخذ حيزا واسعا من ثقافة المواطن الأوروبي، الذي أخذ بدوره يعمل على عدم تكرار هكذا انحراف وانحدار أخلاقي تاريخي، وهذا المواطن الكادح الذي ينتمي للطبقة الوسطى، المسلح بالديمقراطية والحرية والعدالة بدأ ومن خلال ما تتعرض له غزة منذ أكثر من عام يرى أنه يتعرض لتهديد في الوعي ومن خلال نفس الشعارات التي تربى عليها، وأن مفهوم الحرية يتم حشره ضمن أدوات النيوليبرالية فقط، وتغير دوره الذي أصبح اليوم تقييد المجتمعات، وعلى أساسه استثمرت هذه الأدوات المفهوم، حيث اصبح هناك معبء برؤية عن حقوق الإنسان، أو تفسير جيوسياسي لمفهوم الحرية الاقتصادية، وتفسير وظيفي لمفهوم العدالة لصالح النيوليبرالية، هذه الأزمة التي خلقتها الأدوات الوظيفية النيوليبرالية، والتي تتعارض مع الفطرة الإنسانية، زادت من وعي الإنسان الأوروبي، الذي وصل إلى حقيقة أن المعين الذي تتغذى عليه الدولة الديمقراطية أو دولة الرفاهية، إنما هي قائمة على التغاضي عن سلب الأرواح في جهات عديدة من العالم وأبشعها في فلسطين ولبنان، والتغاضي عن تعطيل دور المؤسسات الدولية لأجل تفكيك قواعد القانون الدولي، والإنسان الأوروبي كغيره من شعوب العالم، خلق بفطرته يحب الجمال، يبغض القبح، واليوم من يحمل القبح ويفسره عمليا هو الكيان الصهيوني وجيشه في فلسطين، وهذا الموضوع ليس اختياريا أو عفويا وإنما تم حفره بذاكرة الإنسانية بدماء أطفال غزة .
تعود البربرية
ويرى أن ما حدث في هولندا هو تمادي وتعود البربرية والوحشية من قبل جمهور الكيان، وفضحوا أنفسهم أمام وسائل التواصل الاجتماعي، وبما أن المباراة مع فرنسا كانت بعد عدة أيام، فكانت الخطورة أكبر على الكيان، على اعتبار أن فرنسا قلب الاتحاد الأوروبي، وتم استثمار الرعونة في هولندا إلى ترميم القبح في فرنسا، من خلال حضور رؤساء الجمهورية السابقين، رافعين بكل غباء قانون معاداة السامية ضد القيم والأخلاق والأهم ضد دماء أطفال فلسطين، ليبرز بشكل لا يقبل الشك الدور الوظيفي للطبقة السياسية الفرنسية الذين تلاحقهم قضايا فساد واختلاس مالي.
وأكد في النهاية الربيعي، أن القضية الفلسطينية أصبحت قضية عالمية إنسانية أخلاقية تشير بالأصبع إلى المجرم وتفضحه كل يوم وما صحوة الشرائح الاجتماعية والحقوقية واليسارية والشعبية في أوروبا إلا استشعار لهذا الانحراف الاخلاقي الخطير المناقض للديمقراطية.