خواطر الإمام الشعراوي| الجهاد فى القرض الحسن

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى


يبدأ الشيخ الشعراوى فى خواطره حول الآية 244 من سورة البقرة حول قوله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» بقوله: إنه الأمر الواضح بالقتال فى سبيل الله دون مخافة للموت. لماذا؟ لأن واهب الحياة وكاتب الأجل سميع عليم، سميع بأقوال من يقاتل وعليم بنواياه.

وكان الجهاد قديما عبئًا ثقيلا على المجاهد؛ لأنه كان يتحمل نفقة نفسه ويتحمل المركبة حصانًا أو جملا ويتحمل سلاحه، كان كل مجاهد يُعِدّ عدته للحرب، فكان ولابد إذا سمح لنفسه أن تموت فمن باب أولى أن يسمح بماله، وأن يجهز عدته للحرب، وعلى ذلك كان القتال بالنفس والمال أمرًا ضروريًا. وقوله تعالى: «وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ» أى قاتلوا بأنفسكم ثم عرج إلى الأموال فقال فى الآية 245: «مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» ساعة تسمع «يُقْرِضُ الله» فذلك أمر عظيم؛ لأنك عندما تقرض إنسانا فكأنك تقرض الله، ولكن المسألة لا تكون واضحة، لماذا؟ لأن ذلك الإنسان سيستفيد استفادة مباشرة، لكن عندما تنفق فى سبيل الله فليس هناك إنسان بعينه تعطيه، وإنما أنت تعطى المعنى العام فى قضية التدين، وتعاملك فيها يكون مع الله. كأنك تقرض الله حين تنفق من مالك لتعد نفسك للحرب.

اقرأ أيضًا  | خواطر الإمام الشعراوي| صلاة الخوف

والحق سبحانه وتعالى يريد أن ينبهنا بكلمة القرض على أنه يطلب منا عملية ليست سهلة على النفس البشرية، وهو سبحانه يعلم بما طبع عليه النفوس. والقرض فى اللغة معناه قضم الشيء بالناب، وهو سبحانه وتعالى يعلم أن عملية الإقراض هى مسألة صعبة، وحتى يبين للناس أنه يعلم صعوبتها جاء بقوله: «يُقْرِضُ»، إنه المقدر لصعوبتها، ويقدر الجزاء على قدر الصعوبة. «مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا».

وما هو القرض الحسن؟ وهل إذا أقرضت عبدًا من عباد الله لا يكون القرض حسنا؟ أولا إذا أقرضت عبدًا من عباد الله فكأنك أقرضت الله، صحيح أنت تعطى الإنسان ما ييسر له الفرج فى موقف متأزم، وصحيح أيضا أنك فى عملية الجهاد لا تعطى إنسانًا بعينه وإنما تعطى الله مباشرة، وهو سبحانه يبلغنا: أن من يقرض عبادى فكأنه أقرضني.

كيف؟ لأن الله هو الذى استدعى كل عبد له للوجود، فإذا احتاج العبد فإن حاجته مطلوبة لرزقه فى الدنيا، فإذا أعطى العبد لأخيه المحتاج فكأنه يقرض الله المتكفل برزق ذلك المحتاج. وقوله تعالى: «يُقْرِضُ الله» تدلنا على أن القرض لا يضيع؛ لأن القرض شيء تخرجه من مالك على أمل أن تستعيده، وهو سبحانه وتعالى يطمئنك على أنه هو الذى سيقترض منك، وأنه سيرد ما اقترضه، لكن ليس فى صورة ما قدمت وإنما فى صورة مستثمرة أضعافا مضاعفة، إن الأصل محفوظ ومستثمر، ولذلك يقول: «مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً» إنها أضعاف كثيرة بمقاييس الله عز وجل لا بمقاييسنا كبشر.

والتعبير بالقرض الحسن هنا يدلنا على أن مصدر المال الذى تقرض منه لابد أن يكون من حلال، ولذلك قيل للمرأة التى تتصدق من مال الزنا: (ليتها لم تزن ولم تتصدق).

وقيل: إن القرض ثوابه أعظم من الصدقة، مع أن الصدقة يجود فيها الإنسان بالشيء كله، فى حين أن القرض هو دين يسترجعه صاحبه، لأن الألم فى إخراج الصدقة يكون لمرة واحدة فأنت تخرجها وتفقد الأمل فيها، لكن القرض تتعلق نفسك به، فكلما صبرت مرة أتتك حسنة، كما أن المتصدق عليه قد يكون غير محتاج، ولكن المقترض لا يكون إلا محتاجًا.

والقرض من المال الذى لديك يجعل المال يتناقص، لذلك فالله يعطيك أضعافا مضاعفة نتيجة هذا القرض، وذلك مناسب تمامًا لقوله تعالى: «يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ» التى جاء بها فى قوله تعالى: «والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» أى ساعة تذهب إليه ويأخذ كل منا حقه بالحساب أى أن المال الذى تقرض منه ينقص فى ظاهر الأمر ولكن الله سبحانه يزيده ويبسطه أضعافا مضاعفة وفى الآخرة يكون الجزاء جزيلا.