يحدث فى مصر الآن

«ثريا فى غيبوبة» رواية إيرانية مُعاصِرة

يوسف القعيد
يوسف القعيد


فهى تُصوِّر إيران، حياتها السياسية والثقافية بعد قيام الثورة فى 1979، وقد تكررت طبعاتها فى بلدها من شِدة الإقبال عليها

لا أعرف إن كانوا يُترجمون الأدب المصرى فى إيران عمومًا والأدب العربى خصوصًا. لكن بيدى كتاب يؤكد أن مصر أكبر من كل هذه التفاصيل. فهيئة الكتاب دار النشر الرئيسية فى مصر والوطن العربى، ويرأسها الدكتور أحمد بهى الدين، ترجمت رواية: ثريا فى غيبوبة، نشرتها فى سلسلة تهتم بالنصوص المتميزة والإبداع المعاصر من العالم كله. وهكذا كانت مصر على مر التاريخ منارة تستوعب كل الدنيا من دون تمييز ما عدا العدو الإسرائيلى. حتى هذا العدو نجد بعض الأعمال المترجمة عن العبرية.

وهيئة الكتاب تكتُب أن قراءة النص مسألة مهمة. حتى وإن كانت دولته فى خلافٍ معنا. والحركة الثقافية ممتدة ومتواصلة. قبل فترة اقتنيتُ كتاب ثريا فى غيبوبة للروائى الإيرانى إسماعيل فصيح. ترجمه وقدمه الدكتور محمد علاء الدين منصور. وراجعه وصدَّره الدكتور إبراهيم دسوقى شِتا.

من راجع ترجمة الرواية يصف الرواية بالعظيمة. وأنها تُمثِّل صفحة دقيقة تُضيف إلى معلوماتنا عن الأدب الفارسى العريق. وتُزيدها رغم تقصير البعض فى هذه المهمة. ومؤلف هذه الرواية لم يكن مشهوراً قبل روايته هذه. وربما كان الإبداع بعد نشاطه الهامشى إلى جوار عمله الأصلى كأستاذ فى جامعة النفط بعبدان. لكنه سرعان ما لمع فى الأدب الفارسى بعد إصدار هذه الرواية سنة 1984، التى طُبعت ثلاث طبعات فى خلال عامين. كما تمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية فى أواخر الثمانينيات.

وتدور الرواية حول محورين: إيران والثورة وما تُعانيه من مشكلات فى الداخل وهجوم فى الخارج، والإيرانيين المنفيين من الكُتَّاب والشعراء والفنانين من بلادهم، ويعيشون فى باريس. وهذا يجعل انفصالهم عن بلدهم أمراً مؤكداً بعد أن انهار العالم الذى مثلوه طويلاً وعبَّروا عنه فى علاقاتهم الشخصية وحياتهم الفارغة وانتماءاتهم الأجنبية، وانفصالهم مع بعض الشخصيات مما يؤدى إلى ضياعٍ وانعدام ثقة وتلاشٍ وذوبان وانصهار فى ثقافة غربية وحياة غربية.

كل هذا نجده فى الرواية البديعة التى ترجمها وراجعها أستاذان مصريان مرموقان فى الأدب الفارسى. ومؤلف هذه الرواية يقول عن نفسه إنه اكتسب مهارات من خلال تعليمه فى الولايات المتحدة الأمريكية، وترجمته لبعض الأعمال الأوروبية. وقد استحوذت هذه الرواية عندما قرأها للمرة الأولى عام 1986، وسيطرت عليه تماماً، وقرأها أكثر من مرة، وشدَّه إليها ذلك الشجن المدسوس بين طيَّاتها، وذلك الحُب الجارف منه لموطنه وثقافة موطنه، والبسطاء من المواطنين.

وقد أحس يومها بموقفٍ تجاه بعض الممارسات داخل إيران نفسها التى تُفرَض على الناس جميعاً حتى وإن كان ذلك يتم على حساب الإنسان. ولعل تلك النبرة قد وضحت فى هذه الرواية، وللكاتب روايات أخرى، إحداها عنوانها: خطاب إلى العالم. يتناول فيها البحث المُضنى لأمٍ أمريكية كانت متزوجة من إيرانى. وعاصرت إيران الثورة. ثم عادت إليها فى معمعة الحرب العراقية الإيرانية للبحث عن ولدها التى كانت قد تركته مع أسرة والده الذى فقد حياته فى أحداث الثورة.

إن كاتب هذه الرواية لا يزال يعيش خارج إيران مُتفرِغاً للكتابة بعد استقالته من الجامعة وأعماله ورواياته التى ترصد بدقة شديدة التغيير المستمر فى بنيان الشعب الإيرانى المختلفة.

إنه يشكو لنفسه وللقارئ أن رواياته طويلة. المقدمة تطول ولا تليق بعمل أدبى يتميز بالرُقى. وهذا بسبب موضوعاتها المتشابكة والمُعقدة، ويترك للقارئ أن يقرأها ويحكم عليه بنفسه.

أما روايته الحالية: ثريا فى غيبوبة، فهى تُصوِّر إيران، حياتها السياسية والثقافية بعد قيام الثورة فى 1979، وقد تكررت طبعاتها فى بلدها من شِدة الإقبال عليها. ولأن القُرَّاء مُهددون فى كل لحظة بسحبها من الأسواق، بسبب المناخ العام الموجود فى البلاد فى ذلك الوقت.

إنها أجواء إيرانية عاشها الكاتب إسماعيل فصيح، وكتبها وإن كان لم يُخبرنا هل صدرت فى إيران أولاً أم أنها نُشِرَت خارجها؟ ومن هذا الخارج أى المناخ الغربى أصبحت عندهم. ويبدو أن المؤلف قد توسع فى الكتابة عن الإحساس باليأس والضياع والغُربة الموجود فى النص منذ بداياتها لكى يُهيئ العقول لتقبُلها. فيقدم الحل الذى لم يستطع أن يصل إلى أفضل منه هو أو غيره رغم أنه يعيش مُغترباً ولا يبقى أمامه سوى تسجيل حياة الناس اليومية.