أصبح تلوث المواد البلاستيكية تحديًا بيئيًا خفيًا يُلقي بظلاله القاتمة على جمال البحار، وصحة الأنظمة البيئية العالمية، لكن لم يقتصر هذا التهديد المتزايد على تشويه الطبيعة، بل يمتد ليُحدث اضطرابات في التوازن البيئي، ما يؤثر على الكائنات البحرية وسلاسل الغذاء.
في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية، يلتقي ممثلون من 175 دولة لمناقشة أول معاهدة ملزمة للأمم المتحدة للحد من التلوث البلاستيكي، ويأمل العديد أن تكون هذه المعاهدة نقطة تحول رئيسية لمعالجة أزمة البلاستيك البيئية، ومع ذلك يبقى القلق من أن الاتفاقات قد تكون هشة أو تُؤجل، ما يعرقل تنفيذ الأهداف.
◄ مكافحة التلوث البلاستيكي
وفقًا لمجلة «Nature» البريطانية، وفي ظل الانتظار لاتفاق عالمي، تتبنى بعض الدول والمدن سياسات محلية لمكافحة تلوث البلاستيك بشكل فعال، وفقًا لعالمة الأنثروبولوجيا البيئية، تريسيا فارلي، قامت بعض البلدان بخطوات استباقية لمعالجة المشكلة، ما يظهر القدرة الفردية لبعض الدول في مواجهة هذه الأزمة البيئية العالمية.
ويصر العلماء على ضرورة توحيد الجهود العالمية لمكافحة التلوث البلاستيكي، كما يشير دوجلاس ماكولي من جامعة كاليفورنيا الأمريكية، إلى أن التنسيق بين السياسات المحلية والعالمية أمر أساسي، وإذ فشل العالم في ذلك، قد نعود إلى الوراء في حماية البيئة، بحسب المجلة البريطانية ذاتها.
◄ قوانين تقييد استخدام البلاستيك
فرضت أكثر من 90 دولة قوانين لتقييد استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، مثل الأكياس البلاستيكية، وهذه السياسات ساعدت في تقليص التلوث البلاستيكي، وفي الولايات المتحدة، أدت الحظرات إلى خفض استهلاك الأكياس البلاستيكية بنحو 6 مليارات كيس سنويًا، وفي بريطانيا، انخفضت الأكياس البلاستيكية على الشواطئ بنسبة 80%.
وفقًا للمجلة البريطانية، لضمان نجاح السياسات المتعلقة بالتلوث البلاستيكي، يجب مراقبتها وتحديثها بشكل مستمر بناءً على البيانات، كما أشارت الأبحاث إلى أن السياسات يجب أن تكون مرنة، قادرة على معالجة الثغرات المستقبلية، ولتحقيق النجاح المستدام، من المهم تبني سياسات شاملة ومتوافقة دوليًا ومحليًا للحد من التلوث البلاستيكي.
◄ إعادة التدوير
تفرض العديد من الدول، مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، على الشركات المنتجة للعبوات البلاستيكية دفع تكاليف إعادة التدوير وفي إسبانيا، على سبيل المثال، ارتفعت معدلات إعادة تدوير البلاستيك من 5% إلى 81% بفضل فرض الرسوم، لكن هذه السياسات تتطلب تحسينًا في التركيز على المواد بدلاً من الوزن فقط.
تحدث عالم البحار في جامعة بليموث البريطانية، ريتشارد طومسون، عن أهمية إدخال محتوى معاد تدويره في المنتجات كأداة فعّالة لمكافحة التلوث البلاستيكي، على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، تفرض الحكومة البريطانية ضريبة على العبوات البلاستيكية التي تحتوي على أقل من 30% من المواد المعاد تدويرها، مما يحفز الشركات على تبني حلول أكثر استدامة.
اقرأ أيضا| من بوسان للعالم.. تظاهرة للحد من تأثير البلاستيك على البيئة
مع ذلك، مثل أي سياسة، قد تؤدي بعض التدابير إلى آثار غير مرغوب فيها، فوفقًا لفاريلي، قد تتسبب بعض السياسات في زيادة الضغط على مراكز إعادة التدوير في مناطق مثل جزر المحيط الهادئ، حيث تفتقر إلى معايير السلامة الضرورية، وهذه السياسات قد تؤدي إلى زيادة معاناة العمال المحليين في تلك المناطق.
◄ تهديد بيئي غير مرئي
التلوث البلاستيكي لا يقتصر فقط على القطع الكبيرة من البلاستيك، بل يشمل أيضًا الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تتسرب إلى البيئة، وتأتي هذه الجسيمات من مصادر متنوعة مثل إطارات السيارات والمنسوجات ومستحضرات التجميل، ووفقًا للدراسات، تشكل هذه الجسيمات حوالي 15% إلى 31% من البلاستيك الذي يُلقى في المحيطات سنويًا.
فرضت العديد من الدول، بما في ذلك أكثر من 12 دولة، حظرًا على استخدام الحبيبات البلاستيكية الدقيقة في مستحضرات التجميل، مما دفع الشركات للتوقف عن استخدامها، كما أصبحت فرنسا أول دولة تفرض تركيب مرشحات للألياف الدقيقة في الغسالات الجديدة، وهي خطوة ستساعد في تقليل التلوث البلاستيكي في مياه الصرف الصحي بنسبة قد تصل إلى 75%.
رغم الجهود المبذولة، فإن المرشحات ليست الحل الأمثل لمشكلة الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، فحوالي نصف الألياف الدقيقة في الملابس تتساقط أثناء استخدامها، ما يضاعف من مشكلة التلوث البلاستيكي، كما يوضح طومسون، فإن معالجة هذه القضية تتطلب تغييرًا في طريقة تصنيع المنسوجات، وهو ما يتطلب تنسيقًا دوليًا للمضي قدمًا.