هرباً من نهاية العالم.. رواج تجارة «المخابئ النووية» في الممكلة المتحدة

الحرب النووية - أرشيفية
الحرب النووية - أرشيفية


◄| توجد على عمق 15 قدمًا تحت الأرض ومجهزة بمراحيض وغرف مراقبة

 

◄| تعتمد التصميمات على مفهوم أنابيب القناة التي تستفيد من قوة الأرض كحاجز طبيعي

 

◄| بريطانيا: هياكل جاهزة للدفن في الحدائق مقابل 10 آلاف جنيه إسترليني

 

في ظل تصاعد التوترات الدولية والتهديدات المتبادلة بين روسيا والغرب باستخدام الأسلحة النووية، أصبح البحث عن الأمان مطلبًا ملحًا للكثيرين وسط تغيّر نمط الحياة وتزايد القلق العالمي.
أمام هذه التطورات المتسارعة عادت للواجهة تجارة «المخابئ النووية»، التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يعاد إحياء هياكل منسية من حقبة الحرب الباردة لتصبح سلعة باهظة الثمن ورمزًا للهروب من نهاية العالم.

 

◄ ملاذات الحرب الباردة

 

وفي بريطانيا، ارتفع الطلب على المخابئ النووية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تدافع المشترون للحصول على ملاذات قديمة بنيت خلال الحرب الباردة، وارتفعت أسعارها إلى أكثر من ثلاثة أضعاف قيمتها الأصلية، وفقًا لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية.

وفي خطوة لافتة، تحوّلت مواقع عديدة ببريطانيا إلى منصات لبيع هذه المخابئ، التي أصبحت الآن أكثر من مجرد هياكل أسمنتية، بل ضمانة للبقاء في ظلّ تهديدات اشتعال فتيل الحرب العالمية الثالثة.

بينما تصعّد روسيا خطابها الحربي ملوّحة باستخدام الأسلحة النووية، تعيش دول العالم حالة من الاستنفار.. تتحرك الحكومات والمواطنون على حدّ سواء للتأهب لـ «أسوأ سيناريوهات الحروب الحديثة»، حيث لم يعد مجرد الحديث عن نهاية العالم بالأمر البعيد، بل أصبح احتمالية تستعد لها بعض المجتمعات بكل ما أوتيت من موارد.

 

◄ مخابئ تحت عمق 15 قدمًا

 

مع إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين رسميًا تغيير العقيدة النووية، التي تدفع موسكو للنظر في استخدام السلاح النووي، تسود حالة من التآهب القصوى في أوروبا، حيث تتهيأ القارة لمواجهة شبح حرب شاملة.

وفي المملكة المتحدة، يتدافع السكان المذعورون للبحث عن ملاذ آمن يحميهم من هجوم نووي محتمل، وباتت المخابئ النووية التي بُنيت أثناء الحرب الباردة مطلبًا شديد الإلحاح، مع عروض مغرية على منصات عديدة، حيث تُباع هياكل جاهزة للدفن في الحدائق مقابل نحو 10 آلاف جنيه إسترليني.

فالمخابئ المصممة لحماية المراقبين تحت عمق 15 قدمًا باتت تجذب المزايدين، حيث تُباع الآن بأضعاف أسعارها الأصلية، هذه الهياكل، التي بُنيت لتحمّل أسوأ السيناريوهات، أصبحت اليوم جزءًا من سباق محموم نحو الاستعداد للمجهول، كما تشهد الشركات المتخصصة في بناء الهياكل النووية ارتفاعًا هائلًا في الطلب منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مقدمة خدمات بناء مخابئ مجهزة بالكامل، لكن يبقى السؤال.. هل هذه الاستثمارات الضخمة تضمن الحماية حقًا في حال اندلاع حرب نووية؟

ليست هذه المرة الأولى التي يعاني فيها البريطانيون من كوابيس نووية، فالمخابئ التي بُنيت لحماية الموظفين الأساسيين خلال الحرب الباردة لا تزال قائمة في جميع أنحاء البلاد، فهي تُباع تدريجيًا بعد أن أوقفت السلطات استخدامها مع انحسار التوترات بين الغرب والاتحاد السوفييتي.

 

◄ وسائل العيش تحت الأرض

 

تم تشييد هذه الملاجئ القياسية على عمق 15 قدمًا تحت الأرض، مجهزة بمراحيض وغرف مراقبة للانتظار في أمان حتى يمر الانفجار، واليوم، تعود هذه الهياكل لتصبح رموزًا جديدة لمخاوف حديثة في زمن تعيد فيه الحرب تشكيل الأولويات.

وتجاوزت المخابئ النووية القديمة في بريطانيا قيمتها التقديرية بأضعاف مضاعفة، ففي يوليو، تم بيع مخبأ في مقاطعة «كمبريا» بإنجلترا، بمبلغ 48 ألف جنيه إسترليني، رغم أن سعره الإرشادي كان 15 ألفًا فقط، وينجذب المشترين ليس فقط للسلامة التي توفرها هذه المنشآت، ولكن أيضًا للميزات الإضافية مثل الأراضي الخاصة، ومواقف السيارات الآمنة، وخدمات أساسية كخط هاتف أرضي وإمكانية توصيل النطاق العريض.

وفي مقاطعة «نورفولك»، سيُطرح قريبًا مخبأ تحت الأرض للمزاد العلني، بسعر متوقع بين 10 و20 ألف جنيه إسترليني، وهذا الملجأ، المصمم لإيواء 3 مراقبين خلال الهجمات النووية، ورغم أنه يفتقر إلى المياه الجارية والكهرباء لكنه يظل ملاذًا مثيرًا للراغبين في الاستعداد للمجهول.

وفي بلدة «بونتفراكت»، قام رجل الأعمال جون جريفز، بتحويل ملجأ عمقه 15 قدمًا إلى مساحة فريدة تضم أسرّة واستوديو تسجيل، مما جعله ملاذًا مريحًا من صخب العالم الخارجي، وهو يخطط الآن لبيع هذا الملجأ، كما بِيع أيضًا مخبأ آخر في مدينة بوكستون، بديربيشاير، في سبتمبر مقابل 36 ألف جنيه إسترليني، متجاوزًا سعره الإرشادي بكثير.

 

◄ تزايد الاهتمام بالمخابئ

 

وفقًا لجيم ديميتريو من شركة للمزادات بالمملكة المتحدة، أصبحت المخابئ النووية هدفًا لهواة التاريخ والساعين للأمان على حد سواء، لكن روس ماكلين، مؤسس شركة «يونيك بروبرتي بوليتن»، يرى أن بعض البائعين يستغلون مخاوف الناس، فمنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تلقت شركته أكثر من 3300 استفسار حول المخابئ، لكنها توقفت عن الإعلان عنها بسبب القلق من تحول الطلب إلى استغلال تجاري.

بالرغم من الاهتمام الكبير، يصف ماكلين شعور البعض تجاه هذه المخابئ بأنها «مثل دخول القبر مبكرًا»، خاصة لكبار السن، ومع ذلك، تظل المخاوف بشأن المستقبل النووي دافع الناس للبحث عن حلول تضمن سلامتهم وسلامة أسرهم، في وقت يُباع فيه مخبأ كل شهر تقريبًا مقارنة بواحد كل عدة سنوات في الماضي.

 

◄ بدائل حديثة لبناء المخابئ

 

تم ابتكار المخابئ لتأمين إقامة آمنة لثلاثة من أفراد فريق مراقبي ROC، حيث كانت مهمتهم تتضمن الإبلاغ عن أي انفجارات نووية أو سقوط هجمات، وتم تجهيز هذه المنشآت بمخزون يكفيهم لمدة أسبوعين من الطعام والماء، مع توفير خطوط اتصال أرضية وأجهزة لاسلكية لضمان التواصل.

اقرأ أيضا| لافروف: روسيا ملتزمة بمنع الحرب النووية مع الغرب

لم يعد البريطانيون بحاجة إلى الاعتماد على المخابئ القديمة، إذ باتت شركات عدة تقدم حلولًا مبتكرة لبناء ملاجئ حديثة تحت الأرض قادرة على مواجهة أي تهديدات نووية، أسعارها تتراوح بين 84,000 و143,000 جنيه إسترليني لنموذج بطول 16 مترًا يكفي لثمانية أشخاص، أما لمن يفضل الحلول الاقتصادية، فيمكنه شراء الهيكل الأساسي مقابل 19,500 جنيه إسترليني فقط.

وتعتمد تصميمات بعض المخابئ، على مفهوم أنابيب القناة التي تستفيد من قوة الأرض كحاجز طبيعي، مع استخدام هياكل بلاستيكية ملائمة لظروف التربة في المملكة المتحدة، وهناك شركات أخرى، تقدم خيار بناء ملاجئ مباشرة تحت المنازل، مع تجهيزها بأبواب مضادة للانفجارات، وأنظمة تبريد هواء، وخزانات للصرف الصحي، لحماية سكانها من الإشعاعات النووية.

ولمحبي الحلول الأقل تكلفة، يمكن البحث عن ملاجئ مستعملة، أحد العروض الحالية يطلب 9,250 جنيهًا إسترلينيًا لملجأ معدني كان يستخدم خلال الحرب الباردة، ويتميز الملجأ بسلالم تؤدي إلى الأرض، ويأتي مع وصف مبتكر يشير إلى إمكانية استخدامه كحانة أو غرفة خاصة.

 

◄ بدائل للأشخاص دون ميزانية

 

بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة بناء ملجأ، تظل هناك خيارات أخرى تتيح لهم البقاء آمنين في حال وقوع كارثة، ويشير دان، مؤسس Start Prepping UK، إلى أن العديد من المناطق في المملكة المتحدة لن تتعرض لأضرار مباشرة حتى في حال وقوع هجمات، ويؤكد أن النجاة ليست مستحيلة للأشخاص العاديين، مؤكدًا على أهمية التعاون المجتمعي لضمان حماية أكبر عدد ممكن من الناس.

واختتم دان حديثه قائلا: "الملجأ ليس مجرد ملاذ آمن، بل فرصة لبناء شبكة دعم بين الناجين، لأن العيش وحيدًا بعد الكارثة سيكون أصعب مما يمكن تخيله".

◄ التحضير للطوارئ ليس خيارًا 

يرى دان، أن التحضير للطوارئ ليس خيارًا ثنائيًا بين الجاهزية التامة أو عدمها، بل يكمن في تحقيق مستوى أفضل من الاستعداد مقارنة بما هو متوقع، ويشرح قائلا: "أفضل ما يمكنك فعله لجيرانك ومجتمعك هو تقليل العبء عليهم، إذا كنت مستعدًا بحيث لا تحتاج أنت وعائلتك إلى المساعدة، فإن هذا يفسح المجال لمن هم في حاجة حقيقية للحصول على الدعم".

كما يشجع دان على جمع الوثائق المهمة في مكان يسهل الوصول إليه، ليسهل إكمال مسار حياة الأشخاص بسرعة في حال الحاجة إلى مغادرة منزلهم، كما ينصح ببدء الاستعدادات من خلال التأكد من جاهزية المنزل ومراعاة أساسيات الحياة اليومية، مثل الملابس المناسبة للطقس والصيانة الجيدة.

ويضيف بنبرة مرحة: "الاستعداد ليس مجرد سكاكين ودراجات نارية فاخرة كما يظهر في الأفلام، ففي الواقع، معظمها أشياء عملية وبسيطة، بالنسبة للطعام والماء، يكفي أن تكون لديك إمدادات كافية لثلاثة أيام فقط، لكن بالنسبة لي، هذا يعني مجرد خزائن طعام مجهزة بشكل جيد!".

◄ تصاعد التوترات النووية

وعلى خلفية الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في فبراير عام 2022، وفي ظل الدمار الذي تتعرض له مناطق مختلفة من البلدان، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهديداته النووية ليذكّر العالم بقوة روسيا العسكرية، ومع بداية الحرب، وجه بوتين رسالة صارمة مفادها أن أي تدخل خارجي سيواجه «عواقب تفوق كل ما شهده التاريخ».

وصرح بوتين: "بأن لا أحد يجب أن يشك في أن أي هجوم مباشر على روسيا سيؤدي إلى دمار هائل وعواقب وخيمة للمعتدين، روسيا ليست فقط واحدة من أقوى القوى النووية، بل تمتلك ميزة خاصة في تطوير أسلحة متقدمة"، وفقًا لقوله.