الزواج العرفي.. طريق ألغام قابل للانفجار

صورة تعبيرية لعقد زواج عرفي
صورة تعبيرية لعقد زواج عرفي


◄ «النجار»: الزواج العُرفي «حلال» إذا استوفى الشروط الشرعية 

 

◄ «كريمة»: يجب توثيق عقود الزواج في سجلات رسمية تابعة للدولة لحفظ الحقوق

 

في الوقت الذي يُعد الزواج العرفي خيارًا لبعض الأفراد، يتسبب في الكثير من الجدل والتساؤلات حول شرعيته وحفظ الحقوق. من جهة، يراه البعض خيارًا جائزًا شرعًا إذا استوفى الشروط المطلوبة، بينما يراه آخرون محفوفًا بالمخاطر نظرًا لصعوبة إثبات الحقوق القانونية الناتجة عنه.

«بوابة أخبار اليوم» استطلعت آراء الخبراء، حول قضية الزواج العرفي، من حيث حكمه في الشريعة الإسلامية، وما هى شروطه ليكون زواجاً حلالاً، وكذلك حكمه القانوني هل جواز معترف به أم لا؟ 

 

◄ الشروط الشرعية

 

من جانبه، أكد عبد العزيز النجار، وكيل وزارة الأزهر الشريف السابق، أن الزواج العرفي يمكن أن يكون شرعيًا إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية، ولكنه يُسمى بالزواج الشرعي غير الموثق. 
هذا النوع من الزواج جائز شرعًا، ولكن على المرأة أن تدرك أنه سيكون من الصعب إثبات حقوقها القانونية من خلال هذا الزواج.

وتابع: «إذا استوفى الزواج شروطه، وهي الإيجاب والقبول، والمهر، والإشهار، وحضور ولي الأمر أو موافقته، فإنه يُعد زواجًا شرعيًا صحيحًا. ولا يجوز لأحد أن يعتبره باطلًا أو غير صحيح. ومع ذلك، يجب على الزوجين إدراك أن إثبات الحقوق أو النسب أو أي متعلقات أخرى في حال حدوث نزاع سيكون أمرًا معقدًا قانونيًا، حيث لا يعترف القانون بهذا الزواج إلا من خلال قضايا إثبات الزواج والنسب وما إلى ذلك».

وأضاف أنه حال تنازل الطرفين عن حقوقهما، فلا إشكال في هذا النوع من الزواج، وهو منتشر أما الأنواع الأخرى من الزواج العرفي التي لا تستوفي الشروط الشرعية، فهي جميعها مخالفة للشريعة الإسلامية، وبالتالي تُعتبر حرامًا.

 

◄ زواج السر يعد من أشكال الزنا 

 

وأوضح أنه على سبيل المثال، إذا تم الزواج دون علم ولي الأمر أو دون إشهار، فهذا يُعد غير جائز، فإن الإشهار، وفقًا لتعريف مجمع البحوث الإسلامية والفقهاء، يعني علم شخصين على الأقل بالزواج. إذا كان الزواج يتم في السر بين الرجل والمرأة فقط دون علم أي طرف ثالث، فهذا لا يُعتبر زواجًا شرعيًا، بل يُعد شكلًا من أشكال الزنا.

 

◄ الإشهار 

 

وكشف عن أن الإشهار لا يعني علم الجميع بالزواج، بل يكفي أن يعرف البعض. أما مسألة وجود ولي الأمر فهي موضع خلاف بين الفقهاء، حيث يرى بعضهم ضرورة حضوره، بينما يرى آخرون ضرورة علمه فقط. إذا كان الزوج غير كفء للزوجة، فمن حق الولي فسخ العقد، لكنه في الأصل زواج صحيح وقت إنشائه.

وتابع: «يمكننا القول أن الزواج العرفي بين طرفين فقط دون استيفاء الشروط الشرعية يُعتبر باطلًا».

 

◄ الزفاف لا يؤثر على صحة العقد

من جانبه، قال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الزواج الصحيح يتطلب توفر عدة أركان أساسية، منها الإيجاب والقبول بين طرفي العقد، وتحديد المهر حسب الاتفاق، وشهادة الشهود بشرط أن يكونوا عدولًا. هذه هي المكونات الرئيسية التي لا بد من وجودها لصحة العقد.

وتابع: «أما المتممات التي لا تؤثر على صحة العقد، فهي مثل الزفاف والإعلان والوليمة. عندما نتحدث عن المكونات الأساسية للزواج، فإن وجود الإيجاب والقبول بين الرجل والمرأة، مع توفر الولاية عند جمهور الفقهاء – باستثناء الحنفية والظاهرية في بعض الحالات – وشهادة الشهود، يجعل العقد صحيحًا من الناحية الفقهية».

 

◄ توثيق الزواج للمصلحة العامة 

 

وأكد أن هذا النوع من الزواج كان معمولًا به في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي عصور المسلمين الأولى. ولكن مع مرور الزمن، ومع ظهور مشكلات كـ «الإنكار والغش والخداع»، رأى ولاة الأمور في العالم الإسلامي ضرورة توثيق عقود الزواج في سجلات رسمية تابعة للدولة، وذلك من باب تحقيق المصلحة العامة وحفظ الحقوق، خاصة حقوق المرأة.

وتابع: «لذلك، نحن ندعو الجميع إلى توثيق عقود الزواج رسميًا، لأنه أكثر أمانًا وضمانًا من  الزواج العرفي، الذي قد يؤدي إلى ضياع الحقوق. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك مناطق لا تزال تعتمد على الزواج العرفي بسبب طبيعة الحياة فيها، مثل المناطق البدوية في سيناء، وسيوة، ومطروح، وبعض مناطق إفريقيا».

 

◄ الشروط الفقهية

 

وأضاف أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أنه عندما نتحدث عن حكم الزواج العرفي، فإننا نتحدث من منظور فقهي عام وليس وفقًا لبيئة محددة أو ظروف خاصة. وهذا هو التحدي، إذ إن بعض الناس يميلون إلى انتقاء الأحكام وفقًا لظروف بيئتهم فقط، دون اعتبار للمنظور الفقهي الأشمل.

وأشار إلى أن الزواج العرفي الذي يستوفي الأركان والشروط هو صحيح من الناحية الفقهية، ولكن يجب الالتزام بطاعة ولي الأمر إذا رأى أن توثيق العقد هو الأنسب لحفظ حقوق جميع الأطراف.

اقرأ أيضا| عايدة رياض تكشف المستور .. وقصة زواجها العرفي 10 سنوات

وأشارت الصفحة الرسمية لمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية على «فيسبوك»، من خلال منشور يوضح حكم الزواج العرفى فى الإسلام، فهو من الأمور التي لا يستحسنها الشرع الحنيف ولا يدعو إليها، خاصة في هذا العصر الذي نعيش فيه؛ لما يترتب عليه من مفاسد وأضرار عظيمة، لا يمكن حلها إلا بتوثيق الزواج بالوثائق الرسمية. لأنه الوسيلة الوحيدة - في عصرنا - لإثباته، وعدم إنكاره والمحافظة على ما يترتب عليه من حقوق وواجبات لكِلا الزوجين، لأنه لا تُسمع عند الإنكار دعوى الزوجية إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية.

 

◄ الزواج العرفي وفقا للقانون

 

وأشار المنشور للمادة رقم 17 في الباب الثالث من القانون رقم 1 لسنة 2000م: ولا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية، والعقد العرفي قد تترتب عليه مفاسد عظيمة، منها عدم إثبات الزواج عند إنكار أحد الزوجين له؛ والتَّفلُّت من أعبائه وما يترتب عليه من حقوق وواجبات، ومنها - أيضًا - عدم تسجيل المواليد بأسماء آبائهم في السجلات الرسمية بدون الوثائق الرسمية للزواج، كذلك العجز عن رفع الظلم أو الاعتداء.إن وجد، إلى غير ذلك من الأضرار والمفاسد التي تترتب على مخالفة القوانينن، والأحكام المنظمة لأحوال الأسرة خاصة في هذا الزمان الذي فسد فيه كثير من الناس إلا من رحم الله.

وأوضح المنشور: لكنه متى صدر عقد الزواج مستوفيًا جميع أركانه وشروطه- والتي منها الولي والشهود والإيجاب والقبول- كان صحيحًا شرعًا وترتبت عليه آثاره، وعدم توثيقه يترتب عليه أضرار كثيرة لذلك نحن نحذر منه للضرر المتوقع، وهذا عملًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم« :لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، هذا إن كان الزواج كامل الأركان والشروط غير أنه غير موثق بالوثائق الرسمية.

أما الصورة التي تقع بين البعض من أن يلتقي الرجل بالمرأة ويقول لها: زوجيني نفسك، فتقول زوجتك نفسي، ويكتبان ورقة بذلك، ويعاشرها معاشرة الأزواج بحجة أنهما متزوجان زواجًا ‏عرفيًا، فهذه الصورة ليست زواجًا لا عرفيًا ولا غيره، بل هي محض زنًا؛ لأنها تمت دون وجود لأركان العقد وشروطه من ‏ولي وشاهدين، وعلى من فعل ذلك التوبة إلى الله – تعالى.

 

◄ حكم القانون

 

ومن جانبه، أوضح محمود البدوي، المحامي بالنقض والخبير الحقوقي، أن الزواج العرفي هو عقد زواج يتم بين رجل وامرأة بالغين راشدين، بحضور ولي المرأة، ويشمل جميع أركان وشروط الزواج الشرعي المتعارف عليها. يُتفق فيه على المهر «مقدم ومؤخر»، وكافة تفاصيل الزواج العادي، ويتضمن الإيجاب والقبول وشهادة الشهود، لكنه لا يُوثق في الجهات الرسمية، مثل مصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية.

وتابع: «عادة، يتم عقد الزواج العرفي دون تدخل المأذون الشرعي الذي يقوم بتسجيل العقد رسميًا في السجلات المعتمدة، والتي تُرسل إلى المحكمة ومصلحة الأحوال المدنية. ومع ذلك، يُشترط في الزواج العرفي الإشهار وحضور الولي، بحيث يكون معلوماً لأهل الزوجة وأهل الزوج وأفراد المنطقة المحيطة. هذا النوع من الزواج قد يكون خيارًا لبعض الحالات، مثل الأرملة التي ترغب في الاحتفاظ بمعاش زوجها السابق مع الزواج في الوقت نفسه. ورغم أن هذا الزواج شرعي ومستوفي الشروط الشرعية، إلا أنه غير موثق رسميًا».

 

◄ الزواج السري

 

وأشار إلى أن الزواج السري، فهو مختلف تمامًا. يُطلق عليه أحيانًا «الزواج على ورقة سوليفان»، حيث يتم الاتفاق بين الرجل والمرأة على الزواج دون إشهار أو حضور ولي، وغالبًا ما يكون بدون مهر أو مقدم ومؤخر صداق. يتم توثيق هذا الزواج على ورقة بين الطرفين، وأحيانًا بشهادة شهود غير معروفين. هذا الزواج يفتقد الإشهار، الذي يُعد شرطًا أساسيًا في الزواج الشرعي، وبالتالي لا يُعتبر زواجًا شرعيًا وفقًا للشريعة.

وأكد أنه من الناحية القانونية، الزواج السري لا يوفر للمرأة أي حماية قانونية، فهي لا تستطيع المطالبة بالنفقة، أو المتعة، أو المؤخر، أو حتى إثبات الزواج في المحكمة. ومع ذلك، يمكنها رفع دعويين فقط:

1. إثبات نسب الأبناء في حال وجود أطفال.

2. الخلع لإنهاء العلاقة، وهو ما أتاحه القانون المصري لتيسير خروج المرأة من هذا النوع من العلاقات وذلك لأن عندما نظر المشرِّع في هذا الأمر، وجد أنه خلال الفترة التي تم فيها إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، والذي تضمَّن المادة 20 المعروفة بـ«قانون الخُلع»، كان انتشار الزواج العرفي أو الزواج السري ظاهرة شائعة. وقد ترتب على ذلك العديد من الإشكاليات التي كانت تنجم عن هذه الأنواع من الزواج.

 

◄ التشريع والحماية القانونية

 

وأوضح أنه في القانون المصري، الزواج الرسمي المُوثق هو الذي يضمن الحقوق الكاملة للزوجة. يتم فيه تسجيل جميع الحقوق والواجبات في وثيقة رسمية، مثل المهر والنفقة والنسب، والتأكد من خلو الطرفين من الأمراض، مما يضمن حقوق الزوجة والأبناء. كما يتيح لها المطالبة بالنفقة، والمؤخر، ونصيبها في الميراث حال وفاة الزوج.

وتابع: «أما الزواج غير الموثق، سواء كان عرفيًا أو سريًا، فلا يعترف به القانون، ولا يتيح للمرأة أي حقوق قانونية أو مالية. لذلك، يُنصح دائمًا بالزواج الرسمي المُوثق لتفادي المشكلات وضمان الحقوق».