إنها مصر

«الطوعى» بديل للتهجير «القسرى» !

كرم جبر
كرم جبر


لا أتحدث عن «نظرية المؤامرة» حين أقول إن خطة إسرائيل لتهجير الفلسطينيين لا تزال مستمرة، هى «مؤامرة» بالفعل وتأخذ أشكالًا جديدة، لخصها وزير المالية الإسرائيلى المتطرف سيموتريتش بإعادة احتلال غزة وتهجير نصف سكانها «طوعيًا» خلال عامين.

الحصار حتى الموت أو الهروب، والحياة المستحيلة واستكمال الإبادة الجماعية وتدمير المرافق الحيوية، ومحطات المياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات والطرق والكبارى وغيرها، ونشر الفزع والخوف والرعب بين السكان، فيضطرون إلى الهجرة الطوعية.

وفى أحسن التقديرات فإن إزالة الركام فى غزة تستغرق خمسة عشر عامًا على الأقل، ويحتاج الإعمار إلى مئات الآلاف من الدولارات، لإعادة الأوضاع إلى ما قبل السابع من أكتوبر، والأخذ فى الاعتبار أن التمويل سيكون شحيحًا جدًا، ولا عودة لصندوق إعمار غزة كما كان فى المرات السابقة.

فشلت خطة التهجير إلى سيناء، ومحاولات ودفع السكان للاندفاع إلى الحدود المصرية، والتكدس أمام معبر رفح، وتوجيه المساعدات لهذه المنطقة، لجذب مزيد من المهجرين ودفعهم لاختراق المعبر.. ولكن التآمر لا يزال قائمًا وتعمل له مصر ألف حساب.

وحتى الآن تتجه مواقف أمريكا والغرب إلى رفض التهجير القسرى ووقف قتل المدنيين، ويصطدم خيار حل الدولتين بعراقيل كثيرة، أهمها موقف الرئيس الأمريكى ترامب الذى يعتبر نفسه أفضل صديق لإسرائيل، وقد يشجعها على اتخاذ خطوات لتنفيذ التهجير الطوعى، مما يجعل إقامة الدولة الفلسطينية غير قابلة للتطبيق.

كان نتنياهو يفكر فى اللعب مع مصر فى بداية الحرب، وإمكانية تكرار ما حدث عام  ٢٠٠٨، وتعديل الخطة الفاشلة فى ذلك الوقت بمكونات جديدة، وكانت إسرائيل قد ارتكبت مجزرة فى غزة راح ضحيتها حوالى ألف قتيل وخمسة آلاف جريح، واندفع السكان بمئات الآلاف إلى المعبر، وقامت إسرائيل بقذف السياج العازل على الحدود، وأحدثت ثغرات تدفق منها الآلاف إلى سيناء.

وتسلحت مصر فى ذلك الوقت بأقصى درجات الحكمة، وسمحت بدخول الفلسطينيين وعدم التصدى لهم وتقديم المساعدات الإنسانية، وإعادتهم مرة أخرى بعد هدوء الأوضاع، وهو ما حدث بالفعل استطاعت أن تستوعب الأزمة وتعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه.

وتغيرت الأوضاع كثيرًا عما كانت عليه عام ٢٠٠٨ فى ظل التبجح الإسرائيلى غير المسبوق، والدعم الأمريكى سياسيًا وبالأموال والأسلحة والذخيرة، وعدم قدرة المجتمع الدولى وعجزه وتخاذله، ونجاح إسرائيل فى تحويل الاهتمام من وقف إطلاق وتبادل الرهائن فى غزة، إلى وقف إطلاق النار والاتفاق بشأن الحل فى جنوب لبنان.

للأسف هذا هو الموقف فى غزة، ونقطة الضوء الوحيدة وسط الظلام، هى الجهود الكبيرة لمصر وبعض الدول العربية، لإعادة إحياء القضية الأساسية، ووقف توسيع الصراع واستعادة الهدوء فى منطقة مهددة بالانفجار.