رغم الضجة الكبرى التي أثارتها فضيحة تسريبات بنما، والتي كانت سببا في هز عروش فتح تحقيقات مع أكبر الرؤوس في بعض الدول، بل والإطاحة ببعض الحكومات، كما حدث في أيسلندا، رغم كل ذلك إلا أن الشبهات الكثيرة التي أحاطت بهذا التسريب، والذي وصف بأنه الأكبر في التاريخ، فتحت الأبواب حول كثير من علامات الاستفهام التي لازالت تبحث عن إجابة حول الهدف منه وتوقيته ومن يقف وراءه.. والسؤال الأهم.. لماذا لم تضم قائمة المتورطين في الفضيحة أي أمريكي؟.

بداية يمكن التأكيد على أكثر من حقيقة، أولها أن التسريب جاء قبل انتخابات برلمانية وتليها انتخابات رئاسية في روسيا، وبعد نجاحات لا يمكن إنكارها تمكن الرئيس الروسي من تحقيقها على الأرض في سوريا قالبا موازين القوة بشكل كامل.
كذلك فإن عملية استقصاء البيانات التي بلغت 11 مليون وثيقة من قبل حوالي 400 صحفي حول العالم، وعلى مدار أشهر يحتاج لتمويل ضخم. حقيقة أخرى أن الأسماء الكبرى التي وردت في القائمة كانت انتقائية إلى حد كبير، فقد خلت من أسماء زعماء أمريكيون أو إسرائيليون أو أوربيون كبار، فبما عجت بالأسماء «المحروقة» أو المعروفة بفسادها أصلا، وأسماء أخرى تتمركز في منطقة الشرق الأوسط، فيما كان التركيز الأكبر على روسيا والصين.
كل هذا يثير التساؤلات السابق ذكرها والذي يؤدى البحث الجيد عن أجوبة محتملة لها إلى مسار واحد لخصه موقع ويكليكس، عندما قال إن «واشنطن وملياردير أمريكي شهير يقفان وراء تسريبات بنما وأن الهدف الرئيسي منها هو هز صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإطاحة بشعبيته ، ثم الإطاحة به في الانتخابات القادمة».
الأسباب الخبيثة
بحسب ويكليكسن فإن المسئول الحقيقي عن التسريب هو «مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد» أو (OCCRP)، والذي يستهدف روسيا وبوتين، وأن من قام بتمويل هذه العملية هو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والملياردير الأمريكي الشهير جورج سوروس، مؤكداً في نفس الوقت على إن تمويل الحكومة الأمريكية لمثل هذا الهجوم يعد ضربة خطيرة لسلامة أمريكا. وموسكو أعلنت عددا من المنظمات التابعة لسوروس كيانات «غير مرغوب فيها في روسيا. وأصدر مكتب المدعي العام الروسي قرار بمنع المواطنين والمنظمات الروسية من المشاركة في أياً من مشاريعها.
والحقيقة كما يقول الصحفي الألماني ارنست وولف إن الحكومة الأمريكية ، إلى جانب هدفها الرئيسي بالتخلص من خصمها القوى بوتين، تنتهج سياسة زعزعة الاستقرار في جميع أنحاء العالم، وهذا التسريب يخدم هذا الغرض بشكل جيد سبب آخر أشار إليه الصحفي الألماني أرنست وولف في حديث لشبكة «روسيا اليوم»، وراء استخدام تلك التسريبات، يكمن في محاولة أمريكا توجيه هذا المال من جميع أنحاء العالم إلى ملاذات ضريبية جديدة على أراضيها.
فالولايات المتحدة يتهددها أزمة مالية كبيرة عظمى، وهى تريد كل هذه الأموال في خزائنها الخاصة وليس في خزائن دول أخرى «. هذا التلميح أشارت إليه عدد من وسائل الإعلام التي تحدثت عن أمريكا بصفتها الملاذ الضريبي الجديد ، مثل صحيفة الجارديان التي قالت « انسوا بنما: من الأسهل إخفاء المال في الولايات المتحدة من أي مكان آخر» وصحيفة «ان دبث» التي قالت، إن الولايات المتحدة أصبحت واحدة من أكبر الملاذات الضريبية في العالم».
القادم أسوأ
المخيف كما تقول صحيفة «ذا اكسبلاينر» الاليكترونية هو أن ما كشفته وثائق بنما، ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل تسريبات لشركات «الأوف شور» لأسباب منطقية منها أن شركة «موساك-فونسيكا» بطلة التسريبات الأخيرة ليست سوى واحدة من مئات الشركات المماثلة والمتخصصة في إدارة ما يسمونه بـ «المال الأسود» أو Black money. ناهيك عن أن بنما نفسها هي واحدة من ٨٠ ملاذا ضريبيا يختبئ به ما يقرب من نصف ثروات العالم.
حجم المال الذي تتعامل فيه هذه الملاذات بعيدا عن الأنظار طبقا لتقديرات تعود لعام 2013 ما بين 21 إلى 32 تريليون دولار. وإذا وضعت هذه التقديرات في إطار تقديرات البنك الدولي لإجمالي الناتج العالمي والذي يقدّر بـ 62 تريليون دولار نجد أن حجم هذا الاقتصاد الموازى أو كما يسمونه «اقتصاد الظل» الذي يملكه نسبة لا تتجاوز الـ 1% من إجمالي سكان العالم يتراوح ما بين ثلث إلى نصف إجمالي دخل العالم .
وفى حين من الصعب تقدير إجمالي الخسائر التي يتكبدها العالم سنوياً بسبب الملاذات الضريبية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن التكلفة السنوية للتهرب من دفع الضرائب في جميع أنحاء العالم تقدّر بأكثر من 3 تريليون دولار سنوياً، فيما يقول تقرير لمنظمة التجارة والتنمية صدر عام 2014 أن مقدار خسائر الدول النامية بسبب التهرب الضريبي الذي تتيحه هذه الملاذات الضريبية يتراوح بين 66 إلى 84 مليار دولار سنوياً .
والمؤسف أن هذه الخسارة التي يتسبب فيها 1% من إجمالي سكان العالم مع انخفاض في الإيرادات الحكومية حول العالم بسبب إخفاءهم لأموالهم وتهربهم من الضرائب تعوّضه الحكومات بشكل غير مباشر من الفقراء، كما تقول «ذا اكسبلاينر»، حيث تضطر إلى الاعتماد بدلا من ذلك على الضرائب غير المباشرة مثل تلك الموجودة على استهلاك السلع والخدمات - وكلاهما يمس بشكل أكثر مباشرة وإضرار الطبقات الأكثر فقراً».
شركات الأوف شور
شركة موساك- فونسيكا، هي واحدة من 7 شركات تمثل مجتمعة أكثر من نصف الشركات المسجلة في بنما. وتصنّف الشركة رابع أكبر شركة في مجال خدمات الاوف شور أو ما وراء البحار حول العالم. وقد ورد أن الشركة تعمل لحساب أكثر من 300 شركة، نصفها مسجّل في الملاذات الضريبية تابعة لبريطانيا. فمن هي الشركات الثلاث التي تسبقها في القائمة؟
طبقا لتصنيف مجلة « ذا لوير» المتخصصة في مجال الخدمات القانونية، لعام 2015، تحتل شركة «مابلز اند كالدير» Maples and Calder، المركز الأول لقائمة أكبر شركات الاوف شور القانونية لعام 2015.. وفي المركز الثاني جاءت شركة «ابل بى» Appleby وفى المركز الثالث جاءت شركة « مورانت اوزانس» Mourant Ozannes .