بدون استشارة طبيب يذهب مواطن إلى الصيدلية، ليحصل على باقة من المضادات الحيوية والمسكنات، يتناول أقراصاً بشكل عشوائي، وهو لا يدرك خطورة ما يفعل، وفى ظنه أنه يعالج نفسه دون الحاجة للذهاب إلى طبيب..
أسباب كثيرة من بينها: الفقر والجهل جعلت المواطن يغامر بحياته فى سبيل توفير ما يحتاج إليه أطفاله من قوت ضرورى ضارباً عرض الحائط بأهمية علاج المرض بطريقة آمنة وصحيحة حتى لا تجعل مرضه يتطور .. ويؤدى فى النهاية إلى هلاكه.. بينما اللافت وجود أشخاص حصلوا على درجاتٍ عالية من التعليم يفعلون ذلك دون حتى استشارة جوجل!.. يبدو أن المشكلة ليست فى مصر وحدها، ولكن أغلب المواطنين على الكرة الأرضية يتصرفون بتلك الطريقة الخاطئة.
مما جعل منظمة الصحة العالمية، تطلق حملة الأسبوع العالمى للتوعية بالمضادات الحيوية، للحد من ظهور أشكال العدوى المقاومة للأدوية ومحاصرة انتشارها، ويتم الاحتفاء به فى الفترة من 18 إلى 24 نوفمبر من كل عام.. المنظمة العالمية تشير إلى أن مقاومة مضادات الميكروبات تحدث عندما لا تبدى البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات استجابة للأدوية، فتصبح المضادات الحيوية غير فعالة ويصبح علاج العدوى صعباً بل ومستحيلاً، وهو ما يزيد مخاطر انتشار الأمراض التى قد تؤدى للوفاة.
اقرأ أيضًا| استشاري مناعة وتغذية.. تحذز من تناول تلك الاطعمة مع المضادات الحيوية
الخبراء: ظاهرة خطيرة وقاتلة للمناعة
ولكن لماذا يفعل الناس ذلك؟.. يقول خالد حسن - تاجر - إنه تعود منذ صغره على استخدام المضادات الحيوية كلما داهمه البرد، فهو يعرف حالته جيداً ولا يحتاج لاستشارة طبيب، وهو قادر على علاج نفسه بنفسه.
وتحكى سماح عبد الله - محاسبة - أنها عادة ما تعتمد على خبرات شقيقتها الكبرى فى تربية الأطفال وتسألها عن أنواع مضادات حيوية مناسبة لابنتها البالغة من العمر 3 سنوات عندما تُصاب بنزلة برد قوية أو ترتفع حرارتها وتشترى الدواء من الصيدلية.. وفور تحسن الطفلة توقف الدواء دون الحاجة لمراجعة طبيب متخصص إلا فى حالة لم يفعل الدواء أى شيء وساءت حالة ابنتها، وقتها فقط تقرر زيارة عيادة طبيب الأطفال المُكدسة بالمرضى طوال فصل الشتاء.
قاتلة للمناعة
تقول د. نهلة عبد الوهاب رئيس قسم البكتيريا والمناعة الحيوية بمستشفى جامعة القاهرة: إن المضادات الحيوية أصبحت تُستخدم بطريقة عشوائية للأسف الشديد، فالناس يتداولونها فيما بينهم دون الرجوع لرأى الطبيب، وهو ما يُعتبر تصرفاً كارثياً لأنه ينتج عنه تكوين ونمو أنواع من البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية .. ولا يؤثر فيها بعد ذلك أى شيء، بالإضافة إلى ظهور الكثير من الأمراض التى لن نتمكن من القضاء عليها، مما يترتب عليه عدم الوصول للشفاء إلا بعد تناول عدة أنواع من المضادات الحيوية التى ستؤثر بشكلٍ كبير على مناعة الجسم وتضر بها، وشددت على ضرورة استشارة الطبيب وعمل مزرعة قبل تناول أى مضاد حيوي.
تأثيرات مدمرة
ويحذر د. رمضان الماكن إخصائى أمراض الباطنة بمستشفى الأقصر الدولى من الاستخدام العشوائى للمضادات الحيوية ويُحصى أمراضاً عديدة منها: ضغط الدم والتأثير بالسلب على الكلى لمن يتناولها من أشخاصٍ ليست لديهم دراية بالأعراض الجانبية لمثل هذه الأدوية، مؤكداً على أن المضاد الحيوى قد تسبب بالفعل فى وفاة بعض الأشخاص، مشيراً إلى أدوية يُحدث تفاعلها داخل الكلى تأثيراً مدمراً، وأخرى تؤثر بالسلب على الكبد.
وينصح بعدم اللجوء إلى استخدام أى علاج دون استشارة طبية والابتعاد عن نصائح الأشخاص غير المُختصين، فقد تختلف حالة عن أخرى، وضرورة استشارة الطبيب فى حالات ارتفاع درجة الحرارة ، ويجب إخبار الطبيب والصيدلى عن كل العقاقير التى تتناولها والمشاكل الصحية التى تسببت فيها.
ويشرح: «مع الاستخدام الدائم للمضادات الحيوية يقوم الجسم بعمل قوة دفاعية فيصبح غير مستجيب لتأثيرها الدوائى، مما يضطر المريض لأن يتناول جرعة أكبر أو أنواعاً أكثر قوة، وبعض الأشخاص يتناولون المضادات الحيوية دون داعٍ ودون أن يكون جسدهم فى حاجة لها مما يجعلهم غير مستجيبين لمادته الفعالة عندما يكونون بالفعل فى حاجة له».
ويؤكد: «الطبيب وحده من يستطيع تحديد نوع المضاد الحيوى المناسب للمريض وفقاً للعمر والجنس والوزن وحالة أعضاء الجسم وخاصة الكلى والكبد والجهاز المناعى للمريض وخطر تفاعلات الحساسية الناجمة عن استعمال بعضها».
ويربط بين الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية والعادات الغذائية الشائعة كضرورة تناولها بعد وجبة كاملة، وإغفال تداخلات الأدوية مع الأطعمة بما يقلل أو يزيد من امتصاص الجسم لها وهو ما ينطبق أيضاً على تناولها مع الألبان والعصائر.
ويشير د. رمضان إلى أن تناول الأدوية بشكل عشوائى ظاهرة تجتاح العالم، فأغلب الناس يلجأون إلى استخدام المضادات الحيوية كعلاج لنزلات البرد، رغم التحذيرات المتكررة من خطورة تناولها بدون استشارة الطبيب.
خطأ طبيب
وترى د. أروى محمد الصاوى رئيس مركز المعلومات الدوائية بمستشفى بركة السبع المركزي: أن مشكلة المضادات الحيوية فى مصر لا تقتصر فقط على الأشخاص أو الأمهات، ولكنها ترجع أيضاً للصيدليات والأطباء فى العيادات، فالكل مشترك فى خلق هذه المشكلة لأن الكثير من التشخيصات خاصة فى الأطفال مثل: أنواع كثيرة من الكحة ونزلات البرد والإنفلونزا وبعض التهابات الجيوب الأنفية أو حتى التهابات الحلق والأذن والكورونا ..
من المُفترض ألا يؤخذ لعلاجها مضادات حيوية، لكن للأسف الكثير من الأشخاص تُوصف لهم المضادات الحيوية كعلاج لحالاتهم، وهنا يكون الخطأ من الطبيب الذى تسرع ووصف للمريض مضاداً حيوياً، أو من الأمهات اللاتى يلجأن للصيدليات ويطلبن من الصيدلى صرف أى مضاد حيوى لعلاج طفلها.
كارثة تتكرر
وتضيف الصاوي: «هناك الكثير من الأخطاء التى يرتكبها المرضى أثناء تناول المضاد الحيوى وهى أخذ جرعة أو جرعتين فقط، وبمجرد الشعور بتحسن يقومون بوقف الدواء دون استكمال الجرعات المُقررة، مما يسبب كارثة يُطلق عليها مقاومة المضادات الحيوية وهو ما يجعل البكتيريا تصبح أقوى من أنواع الدواء .. ووقت الإصابة بنفس العدوى مرة أخرى لن يقدر الجسم على مقاومتها ولن يحدث أى تحسن نهائيا».
وتشرح موضحة: «الأسبوع العالمى لمقاومة المضادات الحيوية هو حملة عالمية لمقاومة المضادات الحيوية، وشرح كيفية تناولها بطريقة صحيحة وجرعاتٍ مضبوطة، ونشر الوعى بين المواطنين بضرورة استكمال مدة العلاج».
وتنصح د. أروى كل الأمهات بعدم إعطاء أبنائهن أى مضاد حيوى فى حال ارتفاع الحرارة، بل يجب استشارة الطبيب والتأكد من أن الطفل بالفعل مصاب بعدوى تستلزم المضاد الحيوي، وعدم شراء أى مضاد حيوى من الصيدلية، وفى النهاية ضرورة الالتزام بالجرعات التى حددها الطبيب حتى لو الحالة الصحية تحسنت، وشددت على ضرورة مراعاة النظافة وتجنب العدوى من الأساس وهو شيء فى غاية الأهمية خاصة للأطفال.
التنبيه على الصيدليات
ويؤكد الصيدلى عبد الباسط إدريس على ضرورة تواجد صيدلى عند صرف العلاج للجمهور لكى يكون على دراية تامة بالمادة الفعالة لكل دواء، وعلى الطبيب أن يدون للمريض اسم المادة الفعالة فى الروشتة التى يعطيها له ليقوم الصيدلى بصرف أى نوع من العلاج يحتوى على هذه المادة.
ويضيف: «يجب التأكيد على كل الصيدليات بعدم صرف أى مضادات حيوية أو أدوية أخرى بدون روشتة من الطبيب المعالج حتى نستطيع تحجيم هذه الظاهرة التى انتشرت بشكلٍ كبير بين المصريين».
ويقول: «المضادات الحيوية هى الأكثر مبيعاً فى دول العالم الثالث، وبسبب طبيعة العدوى البكتيرية المنتشرة أصبحت مصر من أكثر الدول استهلاكاً لها، والمضادات الحيوية تمثل الجزء الأكبر من نسبة المبيعات فى سوق الدواء؛ وتختلف قدرة المضاد الحيوى فى القضاء على البكتيريا السالبة أو الإيجابية حسب نوعه وحسب صورته سواء كان حقناً أو شراباً أو أقراصاً».
ويشرح: «إذا شعر الصيدلى أن المريض لن يتحمل هذه الجرعة من الدواء أو هناك وصفة طبية أخرى ستعالجه بكفاءة أكبر يجب عليه أن يناقش الطبيب حتى يتفقا على ما هو فى مصلحة المريض، فيجب أن يكمل عمل الطبيب والصيدلى كل منهما الآخر».
ويستكمل: «أضرار المضادات الحيوية الأكثر شيوعاً هي: الحساسية أو حساسية المريض تجاهها التى تبدأ من الإحمرار فى الجلد أو التورم فى الوجه وقد تصل إلى الوفاة إذا لم يتم الإسعاف سريعاً.. وهو ما نجده مكتوباً فى النشرات الخاصة ببعض العقاقير».
وفى النهاية نسب الذين يتعرضون للوفاة قليلة جداً، ولكى نتلاشى حدوثها يجب أن يقرأ الطبيب النشرة الداخلية للعلاج الجديد قبل أن يوصفه للمريض ولا يعتمد فقط على المعلومات التى يحصل عليها من مندوبى شركات الأدوية.