تعتبر «القناطر الخيرية» التي شيدها محمد علي باشا والي مصر أعجوبة فنية وأثرية وسياحية وواحدة من أروع الآثار المصرية الحديثة في مجال هندسة الري.

سبب إنشاءها
كانت أراضي الوجه البحري إلى أوائل القرن “التاسع عشر” تروي عن طريق “الحياض” كري الوجه القبلي فلا يزرع فيها سوى “الشتوي” ولا يزرع “الصيفي” إلا على شواطئ النيل أو الترع القليلة المشتقة منه.
وعندما تولي محمد علي باشا حكم مصر أخذ على عاتقه تغيير هذا النظام تدريجيا، فأخذ في إقامة الجسور على شاطئ النيل وشق الترع وتطهيرها ليضمن توفير مياه الري معظم العام.

سبب تسميتها
توج محمد علي أعمال الري التي أقامها بإنشاء “القناطر الخيرية” وهو الاسم الذي يعني «تنظيم وضبط الري لخدمة الزراعة المصرية في الدلتا والوجه البحري» وبذلك تعتبر فاتحة خير وبركة على الشعب المصري فهي «سد من النوع المفتوح».

أهميتها
القناطر الخيرية أعظم مشروعات محمد علي نفعًا وأجلها شأناً وأبقاها علي الدهر أثرًا، وقد فكر فيها بعدما شاهد بنفسه فوائد القناطر التي أنشأها على الترع المصرية العديدة، ورأى أن كميات عظيمة من مياه الفيضان تضيع هدرًا في البحر ثم تفتقر الأراضي إلى الري خلال السنة فلا تجد كفايتها منها، فاعتزم ضبط مياه النيل للانتفاع بها زمن التحاريق ولإحياء الزراعة الصيفية في الدلتا، وذلك بإنشاء قناطر كبري في نقطة انفراج فرعي النيل المعروفة “ببطن البقرة”.

مراحل إنشائها
عهد «محمد علي» بدراسة هذا المشروع الضخم إلى جماعة من كبار المهندسين آنذاك منهم «المسيو لينان دي بلفون» “لينان باشا” كبير مهندسيه، فوضع تصميمًا وشرع في العمل وفقًا لهذا التصميم سنة ١٨٣٤ ثم توقف فترة من الزمن.
وعندما اعتزم محمد علي استئناف العمل استعان بمهندس فرنسي آخر هو «المسيو موجيل بك» بعدما أعجب بمقدرته الهندسية في إنشاء حوض للسفن بميناء الإسكندرية، فقدم تصميمًا للقناطر الخيرية يختلف عن تصميم “المسيو لينان” الذي كان يرى إنشاءها على اليابسة بعيدًا عن المجري الأصلي للفرعين، واختار لذلك قطعتين بين متلويين من متلويات فرعي النيل حتى إذا تم إنشاؤها حَوَّل الفرعين إليها بحفر مجريين جديدين، ولكن مشروع “موجيل بك” يقتضي إقامة القناطر مباشرة في حوض النهر.

مكوناتها
ويتألف المشروع من قنطرتين كبيرتين على فرعي النيل يوصل بينهما برصف كبير، وشق ترع ثلاث كبري تتفرع عن النيل فيما وراء القناطر لتغذية الدلتا وهي الرياحات الثلاثة المعروفة برياح المنوفية ورياح البحيرة ورياح الشرقية الذي عرف بالتوفيقي بعد ذلك لأنه أنشئ في عهد الخديوي توفيق باشا.
وشرع في العمل على قاعدة تصميم “موجيل بك” وبمعاونة مصطفى بهجت باشا ومظهر باشا المهندسين الكبيرين آنذاك.

وضع حجر الأساس «بعد 43 عامًا من حكم محمد علي لمصر»
في صباح الجمعة الـ ٩ من شهر أبريل عام ١٨٤٧ الموافق ٢٣ من شهر ربيع الثاني سنة ١٢٦٣هـ وضع محمد علي باشا حجر أساس القناطر الخيرية بعد ٤٣ عامًا من حكمه مصر.

عباس يوقف المشروع بسبب «تجاوز نفقاته مليون جنيه»
ثم تراخي العمل في تنفيذ المشروع في أواخر عهد محمد علي وتوقف بعد وفاته في ولاية عباس الأولى بحجة أن حالة الخزانة لا تسمح ببذل النفقات الطائلة التي يتكلفها تنفيذ المشروع والذي تجاوزت نفقاته الإجمالية المليون جنيه.

استكمال المشروع في عهد سعيد باشا.. وإصلاحه في عهد إسماعيل باشا
وتم بناء القناطر وإنشاء الرياح المنوفي في عهد سعيد باشا، وفي عهد إسماعيل باشا سنة ١٨٦٧ ظهر خلل في بعض عيون القناطر، فأصلح الخلل طبقًا لآراء موجيل بك “وكان قد غادر مصر إلي فرنسا” وبهجت باشا ومظهر باشا.
وفي عام ١٨٩١ تم إصلاح بناء القناطر في العصر الحديث لتقويتها حتي بلغت شكلها الحالي بعدما رجعت الحكومة إلي رأي موجيل بك في هذا الإصلاح وجاء إلي مصر وقتها وكان قد بلغ الـ ٧٥ سنة، فعينته الحكومة مهندسًا للقناطر ليتسني لهذا المهندس الكبير أن يكون إنشاء القناطر ابتداء من العمل فيها إلي تمام بنائها علي يده.

علي مبارك «أول من قام بإدارة القناطر»
ويعد علي مبارك باشا أول من قام بإدارة القناطر، وأقيمت عند تفرع نهر النيل إلي فرعي “دمياط” ويبلغ طوله ٢٤٢ كيلو مترًا ومتوسط عرضه ٢٧٠ مترًا و”رشيد” ويبلغ طوله ٢٣٦ كليو مترًا ومتوسط عرضه ٥٠٠ متر.
وترك محمد علي باشا مئات الأفدنة حول القناطر لأجل التوسعات المستقبلية كما خصص ٥٠٠ فدان جميعها تطل علي النيل مباشرة للحدائق المقامة علي نمط المنتزهات والحدائق الأوروبية وهي مزودة بالأشجار النادرة التي جلبها من مختلف أنحاء العالم، وأطلق عليها عند افتتاحها أعظم حدائق الشرق.

5 ملايين شخص يزورون القناطر سنويًا
وتستقبل القناطر الخيرية سنويا حوالي ٥ ملايين زائر بين مصري وعربي وأجنبي، وبسبب التطوير المستمر لها منذ عهد محمد علي باشا وحتي الآن فإنها أصبحت منطقة سياحية من الطراز الفريد، وساهم قربها من القاهرة التي تبعد عنها بمسافة ٢٢ كيلو مترًا وإمكانية الوصول إليها عبر النيل بسهولة في ازدهارها كمنطقة جذب سياحي.