حكاية وطن

هانئ مباشر يكتب: كسر الفعل ورد الفعل

هانئ مباشر
هانئ مباشر


● ليس مهما أن نعرف من هو صاحب مقولة "ما من قوة تعادل قوة التسامح"، بقدر أهمية أن نعي كيف نختبر دقتها حياتيا، أو أن نذكر أو نتذكر أمثلة تطبيقية تبيض سرديات تاريخنا البشري المضمخ بالمكاسرة والقسوة..

منذ عدة أيام كان اليوم العالمي للتسامح، الذي اعتمدته "اليونسكو"، وعرفته بأنه الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، سيبهرنا أن عالمنا لم يعد يرى إلا المعارك والحروب، والأخص حروب مواقع التواصل الاجتماعي..

فنحن نكسر قوانين الفيزياء ونمسخها مع كثير من انفعالاتنا اليومية، أي حين يكون رد الفعل أكبر من الفعل نفسه، فالجدالات الشعبية المتنوعة التي تتلبسنا خير مثال على هذه الحالة، أي أننا نواجه فراشة بطائرة F16، وعصفورا بقنبلة ذرية..

نعمل الحبة قبة، ونقبب فوقها قببا، نضخم الأشياء بعد أن نلبس عدسات محدّبة تقرب البعيد وتكبر الصغير، أو عدسات مقعّرة تقلب الصورة وتضخمها أو تشتتها..

نحن إزدواجيون انتقائيون مزاجيون ومتقلبون في كثير من الحالات.. فقد نطبق قانون الفعل ورده على حالة سلبية، بينما لا نستخدمه عندما نشهد حالة إيجابية وعلامة مضيئة، وقد يكون رد فعلنا مزلزلا على فعل عادي لا يعدو عن كونه خطأ بسيطا..

حتى حين نرى شيئا جميلا بديعا فإننا نغض الطرف عنه بكل تواطؤ وخبث أحيانا لا نثني عليه، ولا نعطيه حقه من الإشادة ولا نقف عنده.. وهذا يكسر قانون الفعل ورده ايضا. ولكننا إذا لمحنا عيبا أو سقطة؛ فإننا نضخمه، نكبره، ونشيعه ونبني عليه بزيف خيالنا..

فكم من شيء جميل لم نرعه في حياتنا ولم نلتفت إليه بل طمسناه، وكم من زلة صغيرة جعلناه خطيئة لا تغتفر، نحن ننفعل ونتفاعل بسرعة مع ثاني أكسيد المصائب، ونتصرف كعنصر خامل مع الفضائل وبناتها..

وهذا للأسف ما يجعلنا غير متسامحين، إنتقاميين لا نرحم بعضنا، معبأين لا نغفر ولا نتصالح حتى مع أنفسنا، متأهبين دوما للانقضاض على شيء ما، حتى ولو كان أرواحنا المتعبة.. لا نسامح في أمر وجبت المسامحة فيه، ونسامح حيث لا مجال للسماح أو الرواح..