لا يفقد د.عبد الحكيم الواعر، المدير الإقليمي للفاو، روحه المرحة، فحتى مع أحلك الظروف التي تمر بها المنطقة، يحاول ألا يفقد ابتسامته، حتى إنك قد تحتار في أمره، لذلك وقبل أن أخوض معه في تفاصيل قضايا الغذاء والزراعة في الإقليم، لاسيما قضية التصحر الخطيرة، التي ستستضيفها المنطقة العربية لأول مرة في الرياض، مؤتمر الأطراف الخاص باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحتها، رأيت أن أستهل حواري معه بهذه الملاحظة.
استقبل ملاحظتى، كما توقعت، بابتسامة عريضة، قبل أن يقول متسائلاً : وهل من المُفترض أن تدفعنا الحروب والأزمات إلى وقف العمل؟، ثم تابع: «نحن منظمة دولية تعمل فى وقت الحرب والسلام، وفى كل الأحوال، لابد أن يحافظ الإنسان على قدر من الأمل، الذى يعطيه القدرة على الاستمرار فى العمل».
ورغم أن البعض ينظر فى وقت الحروب والأزمات لقضايا مثل التصحر التى تهتم بها الفاو، على أنها «رفاهية»، فإن الواعر يحذر وبشدة من شيوع هذا الاعتقاد، واصفاً بلهجة حاسمة قضية مثل التصحر بأنها «شديدة الأهمية لمستقبل الأمن الغذائي».
وقبل أن أطلب منه مزيداً من التوضيح، يقطع حديثى بإشارة بيده اليمنى طالباً الانتظار، قبل أن يضيف: «نستطيع الآن تقديم مساعدات غذائية فى وقت الحروب، لكن إذا تفاقمت مشكلة التصحر، فقد لا نملك هذه القدرة، لذلك يجب ألا تثنينا الحروب عن الاستمرار فى المواجهة».
وحتى الآن ووفق إحصائيات المنظمة، فإن معدلات التهام التصحر للأراضى تتزايد بشكل كبير ينذر بالخطر، إذ يفقد العالم ما يعادل أربعة ملاعب كرة قدم كل ثانية، أو 100 مليون هكتار سنوياً.
ويبدو التعامل مع هذه المشكلة أكثر إلحاحاً فى منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا التى تغطى 14.9% من سطح الأرض، ويعيش فيها نحو 420 مليون شخص، وتشكل الأراضى الصالحة للزراعة فقط 6.8% من إجمالى الأراضي، أى حوالى 0.21 هكتار لكل شخص، كما يوضح الواعر.
◄ اقرأ أيضًا | وزيرة التضامن تلتقي الممثل الإقليمي لمنظمة الفاو
◄ اهتمامات متقاطعة
وبسبب معاناة المنطقة من تلك المشكلة، يرى الواعر فى إقامة مؤتمر الأطراف الخاص باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر لأول مرة فى المنطقة، خلال شهر ديسمبر المقبل بمدينة الرياض بالسعودية، فرصة سانحة لإبراز حجم التحدى وقصص النجاح الملهمة، واستلهام خبرات مناطق أخرى من العالم فى المواجهة.
وعن تتابع قمم مؤتمرات الأطراف بداية من قمة أطراف اتفاقية التنوع البيولوجى التى عُقدت فى كولومبيا، ثم قمة أطراف اتفاقية تغير المناخ التى عُقدت فى أذربيجان، وأخيراً، قمة اتفاقية التصحر التى ستستضيفها الرياض، قال مبتسماً : «لكل منها الأجندة الخاصة بها، وإن كان هناك توجه يؤيده كثيرون، وأنا منهم، ينادى بعقد قمة واحدة، بسبب تقاطع بعض اهتمامات القمم الثلاث».
ويشرح الواعر هذا التقاطع بين التصحر وتغير المناخ والتنوع البيولوجي، والذى يبدو كحلقة مدمرة، حيث يؤدى التصحر إلى فقدان الغطاء النباتى والتربة الخصبة، مما يقلل من قدرة الأرض على امتصاص ثانى أكسيد الكربون، وهذا يعزز تراكم الغازات الدفيئة فى الغلاف الجوي، مما يزيد من حدة تغير المناخ، ويؤدى تدهور الأراضى الناتج عن التصحر أيضاً إلى زيادة انبعاثات الغبار والجسيمات الدقيقة فى الهواء، مما يؤثر على أنماط الطقس والمناخ المحلي.. ومن ناحية أخرى، يساهم تغير المناخ فى تفاقم التصحر، حيث يؤدى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة فترات الجفاف نتيجة تغير المناخ إلى زيادة معدلات التصحر، خاصة فى المناطق الجافة وشبه الجافة مثل: منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن تغير أنماط هطول الأمطار يقلل من توافر المياه، مما يؤدى إلى تدهور التربة وزيادة التصحر، حيث تصبح الأراضى غير قادرة على دعم الأنشطة الزراعية أو الرعوية.. ويؤدى التصحر الناتج عن تغير المناخ إلى فقدان التنوع البيولوجي، حيث تصبح العديد من الكائنات الحية غير قادرة على البقاء فى بيئاتها المتدهورة.. وإذا كان تواتر الحديث عن التغير المناخى وأخطاره، قد نجح فى خلق وعى بقضية التغير المناخي، التى كان البعض يستبعد معايشة تأثيراتها شديدة السلبية، فإننا بحاجة لاستنساخ التجربة مع المشكلة الأخرى فى حلقة الدمار، وهى التصحر، وقال: «هذه القضية عالمية مثل التغير المناخي، ولا تخص إقليماً بعينه، حيث بدأت دول فى جنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية تعانى من زحف الصحراء».
◄ النظم الغذائية المستدامة
وعن كيفية التخطيط الشامل لمواجهة تلك المشكلة، يقول الواعر: «إن الفاو نجحت فى إدراج قضية «النظم الغذائية المستدامة» لأول مرة، على أجندة مؤتمر الأطراف لاتفاقية مكافحة التصحر الذى تستضيفه الرياض، كأحد أساليب المواجهة، التى لم تكن تجد الاهتمام الكافى».
وتعالج قضية النظم الغذائية المستدامة الفاقد والهدر من الغذاء، حيث يفقد سنوياً 13 % من جميع الأغذية المنتجة خلال مرحلة بعد الحصاد، والتى تصل قيمتها إلى 400 مليار دولار، كما يتم إهدار 19 % من الأغذية التى تصل إلى مرحلة الاستهلاك. وفى منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، تم فقد ما يقرب من 15 % من الأغذية بين مرحلتى ما بعد الحصاد وما قبل البيع بالتجزئة فى عام 2020. ويقول الواعر: «تساهم هذه الأغذية المُهدرة فى 8 إلى 10 % من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى العالمة، مما يؤدى إلى تفاقم تغير المناخ، الذى سيساعد بدوره على التصحر، كما أوضحنا سابقاً».