إنها مصر

السادات صح .. والآخرون غلط !

كرم جبر
كرم جبر


فى زحمة الأحداث نسينا ذكرى زيارة السادات للقدس 11 نوفمبر 1977، وهو يقول فى الكنيست: «السلام لنا جميعاً وعلى الأرض العربية»، ويقول: «جئت لكم اليوم على قدمين ثابتتين، لكى نبنى حياة جديدة، لكى نقيم السلام، وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا، مسلمين ومسيحيين ويهود، نعبد الله، ولا نشرك به أحداً».


وبعد 47 سنة من الفرص الضائعة، لا يزال صوت السادات الجهورى يصرخ فى ضمير الإنسانية التى تقتل المدنيين فى غزة والضفة الغربية ولبنان، بالصواريخ والطائرات والقنابل، و»لو» سمعوا كلام السادات، ما كانت الكارثة بهذا الحجم الذى يحدث الآن.


لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب، ولا قراءة الفاتحة أمام «مقبرة الفرص الضائعة»، والذى ينفع فقط هو أن نقرأ الفاتحة على روح الزعيم العظيم، الذى استشرف المستقبل، وقرأ الأحداث مبكراً واتخذ القرارات المناسبة فى الوقت المناسب، ولم يعبأ لشيء إلا أن يحرر كامل ترابه الوطني.
منذ فترة قصيرة صرح مسئول عربى بأن الجميع كان على خطأ والسادات كان الصواب، ويقول البعض الآخر عبارات مثل «ليتنا لحقنا طائرة السادات»، ويقصدون مرافقته فى رحلة السلام.
«السادات صح، وكلهم غلط»، لم يفهموا ولم يستوعبوا ولم يكونوا على قدر المسئولية التاريخية التى كانت تحتم الابتعاد عن الأمجاد الشخصية والانتصار لمصلحة القضية الفلسطينية، ولم يراجع أحد حساباته الخاطئة منذ خمسة وسبعين عاماً، واستمر يرفع شعار من النهر حتى البحر، دون أن يمتلك أى إمكانيات تحقق ذلك.
دخلت ستة جيوش عربية حرب 1956، وكادت أن تحقق الانتصار على إسرائيل، ولكن فجأة انسحبت جميعها دون سابق إنذار، بسبب ضغوط الدول الأجنبية، وظل الجيش المصرى فى المواجهة.
وتكررت حروب استنزاف الجيش المصرى والاقتصاد المصرى على مدى سنوات طويلة، حتى تحقق الانتصار الكبير فى حرب أكتوبر، وكان ضرورياً أن يستثمر الرئيس السادات نتيجة الحرب فى غرف التفاوض، ولا يضيع الفرصة الأخيرة، لتحرير كامل التراب الوطنى وتحقيق السلام.
ووقعت القضية الفلسطينية فى مصيدة المزايدات والشعارات الخطابية، على طريقة ما قاله رئيس عربى سابق: «نريد أن نحارب إسرائيل ولكن ليس لها أرض مشتركة معنا».. ورد عليه الرئيس مبارك: «تعال خد حتة أرض وحارب إسرائيل»، فلزم صاحب الشعار الصمت والسكوت.


وكان ضرورياً أن يراجع قادة الفصائل الفلسطينية حسابات الأرباح والخسائر من المواجهة مع عدو همجي، وتقف وراءه الولايات المتحدة بكل قوتها، وتدعمه بالأموال والسلاح وفى المجتمع الدولي، واعتقادى أن الأوضاع قبل السابع من أكتوبر فى غزة كانت أفضل بكثير مما هى عليه الآن.


أما عن المستقبل فليس فى الإمكان إلا الاعتماد على «الجهاد السياسي» لسنوات طويلة قادمة، وأول البنود هى المصالحة الفلسطينية الشاملة، والانتصار لمصلحة الشعب الفلسطينى المعذب، وتأجيل حسابات البحث عن السلطة، فلم تعد هناك سلطة بين الركام والدماء والجثث فى غزة.
السلام بعيد.. بعيد، والعودة إلى طائرة السادات أصبحت مستحيلة، وضاعت الفرص فى دوامة الحسابات الخاطئة والشعارات الحماسية .