علاقات سامة تهدد السـلام النفسى للمرأة :بالأرقام.. الظاهرة تراجعت فى مصر خـلال الـ10 سنوات الأخيرة

صورة موضوعية
صورة موضوعية


فى خضم صخب الحياة اليومية، ننسى أحيانًا أن وراء كل ابتسامة مقتضبة عينا دامعة تخفى ألمًا عميقًا، وان هناك امرأة تعاني، امرأة تكابد صراعًا يوميًا مع وحش لا يرى سواها، وحش يتغذى على روحها ينخر جسدها كالسرطان، انه العنف، ذلك الظلام الدامس الذى يطاردها اينما ذهبت، ويحول حياتها إلى جحيم.

تستيقظ كل صباح على صوت صراخ يمزق هدوء الأركان، وتعيش فى خوف مستمر ومتجدد، تحاول الهرب من واقع مؤلم، لكن سرعان ما تجد نفسها حبيسة أربعة جدران، أسيرة لعلاقة سامة تنهك روحها وجسدها، هذه ليست مجرد قصص من الخيال، بل هى قصص حقيقية تعيشها ملايين النساء حول العالم .



اقرأ أيضًا | التنمية ميراث النصر الأضخم علي مستوي العالم :100 مليون متر احتياطي من الرمال السوداء



بمناسبة اليوم العالمى لمناهضة العنف ضد المرأة العنف الذى يوافق اليوم من كل عام وايمانا بأهمية القضاء على الظاهرة ولكى تكون عضو فعال فى طلك قمت بعمل هذا الملف. 

ف العنف ضد المرأة ليس مجرد جريمة فى حقها فحسب، بل هو جريمة ضد الإنسانية، إنه سرطان ينخر فى المجتمعات، ويترك وراءه جروحًا عميقة لا تندمل، إنه يدمر الأسرة، ويحطم الأحلام، ويؤثر على الصحة النفسية والجسدية للضحية، يولد جيلاً جديدًا من الضحايا، ويحرم المجتمع من طاقات إبداعية وإنتاجية لا مثيل لها.



ومن أجل المشاركة الفعالة والمؤثرة فى التصدى للعنف ضد المرأة قمت بعمل دراسة للظاهرة داخل مصر من اجل الخروج بتحقيق معمق مدفوع بالبيانات الصحيحة من المصادر الموثوقة.

البداية استطلاع رأى بعمل استمارات الكترونية لجمع اكبر عدد من حالات السيدات اللاتى تعرضن لأى شكل من أشكال العنف، وبسؤالهن عن كيفية التعامل من اجل تخطى ما حدث لهن من اضرار جسدية أو نفسية أو جنسية، ومن ثم استخلاص بيانات رقمية من المسح الصحى الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، الذى تضمن العنف الاسرى فى عامى 2015 و2021 فى محاولة لعمل مقارنة بين احصائيات الظاهرة بين العامين، بالاضافة الى قيامى بمسح لكل الاخبار والحوادث التى تتضمن وقائع جرائم قتل بين الازواج منذ عام 2014 الى عام 2024.

وفى فترة زمنية تقارب الـ6 اسابيع من البحث والتدقيق فى المعلومات والبيانات وعمل مقارنات بين الارقام وبالتحليل باستخدام الجداول المحورية كان اللافت للنظر أن نسبة العنف ضد المرأة فى عام 2015 أعلى مما اصبحت عليه فى عام 2021 بمختلف اشكاله سواء كان العنف النفسى أو الجسدى أو الجنسى، وبالبحث عن فاتورة العنف ضد المرأة والتكلفة الاقتصادية التى تتكبدها الاسرة والمجتمع وجدت أنه على الرغم من انخفاض نسب العنف بمرور السنوات إلا أن التكلفة التى تتكبدها الدولة والأسرة لمجابهة الظاهرة فى زيادة، ما جعلنى أقوم بتتبع ذلك من أجل الوصول إلى نتيجة.

قصص وحكايات
بصوت مكتوم وقلب منقبض قالت س.م 30 عاما، انها متزوجة منذ ما يقارب الـ3 أعوام وكانت تحلم دائما بحياة زوجية هادئة وسعيدة مثل اقاربها وصديقاتها واللاتى قد تزيد مدة زواجهن عنها بالكثير ولكنها تشعر فى الوقت الحالى ان اليوم يمر عليها وكأنه اعوام كثيرة، فمنذ شهور منذ بداية زواجها وهى تشعر بالبرود العاطفى من جانبه ولم تعد تشعر بالدفء واللهفة التى كانت تحاوطها منذ اليوم الاول للقائهما، وشعرت بالنهاية الاليمة لهذه الزيجة التى طالما حلمت بها وسعت من اجل نجاحها.. فقد أصبح زوجها لا يراها ويتعامل معها وكأنها ليس لها وجود، واستدركت قائلة «بدأ بتقليل الصرف على نفقات المنزل وتقليص متطلباتنا لاقل حد ممكن، وكنت ألتمس الأعذار كثيرا لأن الجميع حولنا يشكو من صعوبة المعيشة والغلاء، ولكن الأمر تطور وأصبح تجاهلا لوجودى وبرودا فى التعامل معى، وقد تمر أيام وأسابيع وقد تمتد لشهور دون أن نلتقى او نتحدث بتعمد منه بحجج كثيرة ومختلفة مثل الخروج مع الأصدقاء او السفر معهم، او مواجهة صعاب كثيرة فى العمل».

تحملت كثيرا وآثرت السكوت والكتمان من أجل الحفاظ على البيت، ولكن هذا جعل العبء يزداد علىّ نفسيا، فلم اعد احتمل كثيرا وعندما لجأت للكلام مع اهلى كان الرد «انتى فى نعمة وغيرك كتير بنات وستات بتتمناها، احمدى ربنا على اللى انتى فيه»، ما جعلنى ألجأ إلى طبيب نفسى الذى جعلنى أتأكد اننى عانيت كثيرا من العنف النفسى ومازلت أعانى منه.. فى النهاية، اتخذت قرارى بالاستمرار فى هذه الزيجة من أجل الحفاظ على المظهر الاجتماعى، ومن أجل إرضاء أهلى، وأصبح لدى قلب متجمد لا يسعى لعمل شىء لاجله او اى شىء يخصه، واصبحت شخصية اخرى لا تبالى بمَن حولها مهما كانوا، واقوم برسم صورة مثالية عن بيتى وزوجى لاصدقائى واقاربى، واقوم بالسفر والخروج مع اصدقائى وكأن شيئا لم يكن.

وفى نهاية حديثها، نصحت كل مَن تعرضت لمثل ما تعرضت له من تعنيف من الزوج والعائلة وما شعرت به من تجاهل ولامبالاة من جانب مَن حولها ان تتجاهل التعامل مع مَن يحاول ان يدمرها نفسيا وعصبيا، وأن تبحث دائما عما يسعدها سواء إن كان رؤية الأصحاب أو السفر أو الخروج أو الانهماك فى الدراسة او البحث عن تحقيق الذات، وأن تقوم كل سيدة وكل بنت بالبحث عن ذاتها وعن فرحها هى فقط وان تقوم بتحقيق ما تريده هى وليس انسان سواها، لان سعينا لارضاء مَن حولنا قد يدمرنا..وبالرجوع للمسح الصحى للاسرة المصرية الصادرعن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء عامى 2015 و2021 يتضح ان نسبة السيدات اللاتى تعرضن للعنف النفسى طبقا للحالة الاجتماعية، فإن نسبة المتزوجات بلغت 42.8% فى عام 2015 بينما فى عام 2021 انخفضت لتصل الى 20.70%، اما نسبة المرأة المطلقة فبلغت فى عام 2015، 66.5% وانخفضت فى عام 2021 لتصل الى 66% وهو ما يعنى ان معدل التغيير انخفض بين العامين ليمثل -0.6، وبالنسبة للمرأة الارملة فنسبتها فى عام 2015 وصلت 33.1% وانخفضت فى عام 2021 الى ان وصلت الى 14.9% لتسجل معدل تغيير منخفض بنسبة 18.20%.

الصمت عنوانى
دائما ما تشعر بغصة فى قلبها وكثيرا ما تتوجس خيفة من الجلوس بمفردها داخل غرفتها، فقد تشعر بأن الحوائط تضيق بها وقد تقترب من أن تطبق على صدرها لتصعب عليها اخذ قسط من الهواء، فلطالما شعرت باليأس والإحباط لأنها البنت الوحيدة بعد ولدين من الأشقاء وكانت تعانى التفرقة بينها وبينهم، فقد ولدت فى أسرة من بنى سويف، التى مازالت تؤمن بمعتقدات وموروثات ازلية ولم يتخلصوا منها، فهى الابنة التى ليس من حقها ان تكون مميزة او على الاقل ان تحصل على حقها الطبيعى مثل اى مولودة.

ظلت تعانى لسنوات بمفردها، فأسرتها لم تكن تشعر بوجودها ولا تكترث لها وهو ما جعلها تؤمن بقدرتها وتسعى دائما للبحث عن فرصة تؤكد انها جديرة بالاحترام والتقدير والدعم الذى تستحقه، وبالفعل تمكنت من الحصول على منحة دراسة بالخارج لتفوقها فى الدراسة ولكونها بنت مميزة وذكية، ولكن احلامها كلها تحطمت على صخرة العادات والموروثات، بل وكانت مكافأتها على تفوقها وتميزها وحصولها على منحة دراسية بالخارج، واصرارها على السفر الضرب والسب والحبس بالمنزل.

لم تكن تعلم إلى أين تذهب أو كيف تتخلص من هذه القيود المحبطة والمدمرة، الا انها كانت ومازالت ابنة بارة بأهلها فلم تتمكن من الهروب أو البحث عن وسيلة تتخلص بها من وطأة الظلم الذى تتعرض له كى لا توصم اهلها بالخزى والعار او ان تجعلهم عرضة للسخرية او التنابذ من ابناء قريتها، فخضعت للضغوط واستمرت فى الدراسة داخل بلدتها من اجل كسب رضا والديها واخويها.

«اصبح الصمت عنوانى» هكذا تحدثت معى، فقدت حب الحديث ومتعة التعبير بالكلمات والانخراط بين الناس او توسيع دائرة معارفها، فهى الان تعيش داخل دائرتها المغلقة، التى اغلقت عليها مع سبق الاصرار والترصد ممن حولها دون تدخل منها، ولجأت لطبيب نفسى يساعدها فى الخروج من هذه الازمة، وهى الان تحاول ان تعافر وتصارع وتساعد نفسها بالسعى والعمل من أجل الحصول على هدفها وتحقيق ذاتها دون مساعدة أحد لانها مازالت على يقين ان الله يقف بجانبها ولن يخذلها كما فعل أهلها.

ترووما
تخرجت الفتاة ذات الـ 24 عاما من جامعة بنها وتعيش وسط اسرة متوسطة الحال بمحافظة القليوبية، ومنذ اليوم الاول وهى تسعى للحصول على فرصة عمل جيدة تلبى احتياجاتها وترضى طموحها الجارف نحو العمل وتحقيق الذات، كما أنها تحلم بأن تستقل ماديا عن أسرتها وتخفف من العبء الذى يقع على كاهل والديها فقد سئمت تحميل اسرتها مسئولية تدبير مصروفاتها وتكاليف دراساتها التى استمرت على مدار سنوات، فكانت تنتظر بفارغ الصبر اليوم الذى تقبض فيه مرتبها الخاص من عملها وتذهب مسرعة لرد الجميل لأبويها ومساعدتهم فى أى بند من بنود المنزل ومصروفاته التى لا تنتهى بل والتى اصبحت فى تزايد مستمر.

وبالفعل تمكنت من الحصول على وظيفة بعد شهور من البحث والسعى وراء حلمها، واثبتت جدارتها بمكانها فى العمل فى فترة قصيرة، ونتيجة انجازها للعديد من المهام فى وقت قصير واثبات قدرتها فى العمل، تم الضغط عليها بشكل اصعب واعلامها بأنه سيتم اقصاء جزء كبير من العمالة من السيدات بالشركة، فقامت بكل ما تملك من قوة وسعى وعمل لساعات اضافية من اجل اثبات انها جديرة بمكانها لانها لا تستطيع تركه حاليا فقد اصبحت موظفة ولها عمل وذمة مالية منفصلة والتزامات تجاه والديها، فلا بد ان تستمر مهما كلفها ذلك من طاقة وجهد وتعب.

واذا بها تظفر بالنقل الى مكان افضل فى الشركة نتيجة تفوقها وعملها الجاد، ولكن رئيسها المتسلط لا يزال يلاحقها ولم تسلم من طريقته المحبطة فى التعليق على المهام التى تنجزها، بل وامتد الامر الى توصيل صورة سيئة عنها لدى قيادات الشركة، بالاضافة الى قيامه بالتفريق بينها وبين زملائها وطوال ساعات العمل لم تسلم من تحليلاته السلبية وانطباعاته المحبطة ونشرها بين الزملاء والزميلات من اجل تثبيت صورة سيئة عنها فى محاولة منه لتحفيز رؤساء الشركة لاقصائها لتجنب المشاكل.

ليالٍ كثيرة كانت تصاحبها الكوابيس، اصبح لديها ترووما (ألم نفسى حاد) من الذهاب لمقر العمل، لا ترغب فى مقابلة احد او رؤية احد، فقدت شغف الحياة والتعامل مع الاشخاص، تجلس بالساعات تفرغ طاقتها المكبوتة بالبكاء ولكنها سرعان ما تتذكر ازمتها النفسية التى تكونت وتفاقمت نتيجة رئيسها المتلسط المريض نفسيا الذى يرفض كل مَن يثبت جدارة او يحقق انجاز فى الشركة.

وفى نهاية المطاف، لجأت رغما عنها إلى ترك العمل لكى تتخلص من كابوسها الذى مازال يلازمها ولم تتمكن من التخلص منه وتسعى للحصول على فرصه عمل جديدة قد تكون فى مكان أفضل او اذا لم تكن افضل فقد يكون رؤساء العمل شخصيات سوية وزملاء جيدين وبيئة عمل صحية توفر لها الراحة النفسية التى طالما بحثت عنها.

وفى نهاية حديثها، نصحت كل امرأة تعرضت لعنف نفسى أن تتمسك بقدراتها ولا تفقد ثقتها بنفسها مهما حدث لان هناك شخصيات مريضة وغير سوية تسعى لهدم إرادة مَن حولها من اجل ان تشعر بالرضا تجاه نفسها، فلا بد ان تتصدى كل سيدة او بنت حديثة التخرج لهؤلاء بإثبات الذات والتجاهل من اجل تحقيق الهدف المنشود والا تتركى الاحباط واليأس يتملكك. ومن هنا قمت بعمل مقارنة بين مسحين احصائيين من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، اللذين تضمنا مسحا لنسبة السيدات المعنفات طبقا لحالة العمل.

من الحب ما قتل
وإلى جانب الأشكال المختلفة من العنف، الذى قد تتعرض له المرأة، فهناك أيضا جرائم قتل قد تقع بين أفراد الأسرة وقد تمتد لتشمل الزوج الذى يقوم بقتل زوجته، أو قد تخرج الزوجة عن شعورها وتنتقم لنفسها ممن يمارس ضدها اشكال العنف المختلفة وتقوم بالتخلص منه وقد يكون احد افراد عائلتها أو زوجها، فالحب الذى يجمع القلوب قد يتحول إلى كراهية تلتهم الروح، ففى زوايا الحياة حيث يسود الود والتفاهم، تتسلل أحياناً جرائم بشعة تنهى قصص حب بدأت بوعدٍ بالخلود، قصص قتل الأزواج تفتح لنا نوافذ مظلمة على أعماق النفس البشرية، وتكشف عن أوجه خفية من العنف والقسوة، وترسم لوحات مأساوية تثير فى النفوس الحزن والأسى، فوراء كل جريمة قتل قصة، وأسباب معقدة تدفع بالفرد إلى ارتكاب أفظع الجرائم، تدعونا للتأمل فى الأسباب الكامنة وراء هذه المآسي، والبحث عن حلول للوقاية منها وحماية الأسر.. هذه الجرائم ليست مجرد أحداث فردية، بل هى ظاهرة اجتماعية تؤثر على المجتمع ككل، تزعزع الثقة فى العلاقات الزوجية، وتترك ندوباً نفسية عميقة على الضحايا والأطفال، وتثير تساؤلات حول أسباب العنف وتفشى الجريمة، فقد قمت ببناء قاعدة بيانات كاملة بها حصر لجميع جرائم العنف الاسرى، خاصة جرائم القتل من قبل الزوج والزوجة وطريقة الاعتداء وسلاح الجريمة على مستوى محافظات مصر فى الفترة بين عام 2015 حتى عام 2024، وطبقا للمسح الذى تم عمله لكل الاخبار وحوادث القتل على المواقع الاخبارية المختلفة وبعمل الجداول المحورية بعد بناء قاعدة بيانات ضخمة تضمنت 1500 حادث قتل، وبعد استخراج البيانات وتنظيفها وتحليلها، كان اللافت للنظر ان تكون محافظة القاهرة هى المحافظة الاكثر عددا فى جرائم القتل بين الازواج، حيث بلغت جرائم القتل خلال العشرة اعوام السابقة 137 جريمة قتل وكانت كل من محافظة اسيوط والاقصر وبنى سويف الاقل عددا فى تسجيل جرائم القتل على مستوى الجمهورية.



خبـراء: د. مصطفى أبو اليزيد: تكلفة اعادة تأهيل المعنفات بلغت 3 مليارات جنيـه فى 2021

وعلى الرغم من ان الارقام والاحصائيات تؤكد بالدليل ان نسب العنف بكل اشكاله وانواعه فى تناقص وان النسب فى عام 2021 كانت اقل من عام 2015 إلا أن التكلفة الاقتصادية التى اقرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء فى زيادة فقد اعلن ان تكلفة العنف ضد المرأة فى عام 2015 كانت 1.5 مليار جنيه مصرى، وفى التقرير الصادر عن الجهة ذاتها عام 2021 بلغت 3 مليارات جنيه مصرى.

د. مصطفى ابو اليزيد الخبير الاقتصادى ومدير مركز نصر للدراسات الاقتصادية اكد ان تراجع نسب العنف ضد المرأة من اهم مكتسبات المرحلة التى تعيشها مصر الان، وان هذا يدل على زيادة الوعى لدى المرأة والمجتمع، حيث ان هناك طفرة تنطلق الان فى مجالات عديدة تجاه المرأة، التى تتمثل فى التمكين وزيادة الوعى، فهناك اهتمام كبير من جانب القيادة السياسية المتمثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى، التى أعلت من شأن الاهتمام بقضايا المرأة وحقوقها فى مجتمعنا، وهو ما ظهر جليا فى المقارنة بين نسب العنف من عام 2015 الى عام 2021 طبقا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

كما أن انخفاض النسب فى المناطق الريفية والمحافظات النائية يعتبر ايضا مؤشرا جيدا جدا على ان حملات التوعية، التى تقوم بها وزارتا التضامن الاجتماعى والصحة والسكان تؤتى ثمارها وهو ما نطمح الى ان يجوب ويغطى كل محافظات ومناطق الدولة.. واوضح ان زيادة الانفاق او تكلفة العنف ضد المرأة ترجع الى عدة عوامل فجزء بسيط منها قد يتعلق بالتضخم وزيادة الاسعار، حيث ان 1.50 مليار جنيه مصرى عام 2015 كان يوازى 187.5 مليون دولار امريكى بينما فى عام 2021 كانت التكلفة 3 مليارات جنيه مصرى اى ما يعادل 200 مليون دولار امريكى، وهو ما يعد زيادة طفيفة وليست ضخمة.

كما أن التكلفة التى تتحملها الأسر نتيجة للعنف ضد المرأة ، تعتبر مصروفات مباشرة وغير مباشرة، حيث ان تقرير الجهاز المركزى للتعبة العامة والاحصاء اقر ان التكلفة كانت 3 مليارات جنيه فى حالات شديدة الاصابة، وأشار إلى أن التكلفة السنوية للأسر والنساء فى الحالات العادية تصل إلى 1.7 مليار جنيه سنويًا، منها 850 مليون جنيه تكلفة مباشرة والباقى تكلفة غير مباشرة تتمثل فى الغياب عن العمل وأيضا التكاليف الصحية وغيرها من التكاليف الأخرى.

أثر ممتد
وأضاف: لا يؤثر العنف على المرأة المعتدى عليها وحدها، لكن يمتد أثره ليشمل أطفالها وأسرتها ومجتمعها وشعور النساء الأخريات بالتهديد والخوف من تعرضهن أيضاً للعنف، وهذا التأثر يتعدى حدود الاذى الجسدى والنفسي، ولكنه يضع بصمة واضحة كتكلفة مادية يمكن تقديرها باختلاف وتنوع مصدر وشكل التكلفة سواء كانت اقتصادية، خدمية، إجمالية، أو غير نقدية.. كما يمكن تقييم أثر العنف على عمل المرأة، فنكون أمام ظاهرتين للمرأة المعنَّفة وهى الغياب الفعلى وغياب الذهن، فهى قد تتغيب عن العمل ويقوم زملاؤها بعملها بتكاليف إضافية على العمل، وقد تحضر للعمل ولكن بذهن غائب فتكون النتيجة إنتاجية أقل.

وفى حالات أخرى قد تضطر لترك العمل تماماً مما يعنى ضرورة إيجاد بديل لها وإضافة تكلفة تدريب لبديلها، كما يجب ألا ننسى قيمة التأمينات التى يتحملها العمل أيضاً، والتى يتم إنفاقها على إعادة تأهيل السيدات المعنفات بعد تعرضهن للعنف، حيث ان التكلفة الان لا تتضمن الرعاية الصحية فقط، بل تشمل دعما نفسيا وماديا من اجل اعادتها للمجتمع مرة اخرى كى تعيش فى بيئة سوية تحترم ادميتها وحقوقها الانسانية.. بالإضافة الى توفير فرص عمل للمرأة المعنفة او الناجية من العنف، التى تتمثل فى مشروعات «تكافل وكرامة» التى توفرها الدولة، فضلا عن الدعم الذى يتم تقديمه للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وما الى ذلك من اساليب دعم ورعاية يتم تقديمها من الدولة للسيدات المعنفات.

المجتمع المدنى
وفى السياق، اشارت د.لمياء لطفى الناشطة الحقوقية ومؤسس مبادرة المرأة الريفية الجديدة الى ان هناك اهتماما كبيرا بقضايا المرأة فى الوقت الراهن، وان المجتمع الان يتعاطف مع المرأة المعنفة ويسعى الى توفير ما تحتاج اليه من متطلبات اما عن طريق التبرع للجهات المسئولة عن ذلك او بتوفير ما يقدر عليه من متطلبات.. واشارت الى ان مؤسسات المجتمع المدنى تسعى دائما الى تفعيل دورها بشكل اكبر من اجل تحقيق الهدف المنشود وهو الارتقاء بحقوق المرأة المصرية داخل مجتمعنا، كما ان هذه المؤسسات فى حاجة دائما من الدعم من قبل المؤسسات الحكومية والجهات المسئولة لتمكينها من خدمة السيدات او البنات المعنفات على مستوى محافظات مصر بالكامل.. واوضحت انه من الضرورى العمل على تكاتف كل الاجهزة والجهات والمؤسسات المجتمعية من اجل تحقيق نفس الهدف وهو القضاء على العنف ضد المرأة بكل اشكاله وانواعه.

وفى نهاية حديثها، قالت كم من امرأة تحمل فى قلبها جرحًا لا يزال ينزف؟ كم من امرأة تتمنى لو أنها لم تولد؟ كم من امرأة فقدت إيمانها بالبشرية إن الوقت قد حان لنقول «لا للعنف ضد المرأة» إن الوقت قد حان لنقف جميعًا صفًا واحدًا، لنحميهن ونؤمن لهن حياة كريمة.



سفيرة مصر فى الأمم المتحدة وفاء بسيم: مصر تتقدم 28 مركزًا بمؤشر المرأة فى السلام والأمن العالمى

فى هذا الحوار تضع السفيرة وفاء بسيم، يدها على أهم أسباب العنف ضد المرأة، وطريقة معالجة الظاهرة التى باتت تهدد السلام النفسى للفتيات والنساء، فى الوقت الذى تشير فيه إلى سعى الدولة نحو تعزيز مكانة المرأة خلال السنوات الأخيرة وإلى نص الحوار:

ما اسباب وجود ظاهرة العنف ضد المرأة؟
العنف تجاه المرأة ينبثق من البيئة او المحيط العائلى الذى تخرج منه الفتاه او السيدة ، حيث ان الفتاة التى دائما ماكانت ترى والدها او جدها يقوم بضرب امها او جدتها كعرف متأصل او منهج تعامل يتم توارثه والاستسلام له مادام كان يتم عمله بشكل دائم ومستمر امام الاطفال، فالولد ايضا يكبر ويتعامل مع اخواته البنات اثناء خلافاتهم بنفس الطريقه وعلى نفس المنوال، فلم ير طريقه غيرها فى التفاهم او انهاء اى خلاف، ويكرر الأمر مع زوجته فيما بعد.

ما اسباب استسلام المرأة؟
قد تكون تربت فى مجتمع منغلق بدائى لا يوجد به وعى او تنوير، وعلى الرغم من ان الوضع الان اختلف كثيرا، فإن هناك اماكن كثيرة تحتاج الى المزيد من العمل والتنوير والتثقيف بأهمية التعامل الجيد مع المرأة ونشر الوعى التنموى لانها عضو فاعل فى المجتمع لا بد من تعظيمه واعطائه الفرصة الكاملة للمشاركة فى اتخاذ القرارات بمشاركة الزوج والاسرة.

ما جهود الدولة للنهوض بالمرأة من اجل تنفيذ رؤية 2030؟
فى ظل إرادة سياسية تدرك دور المرأة فى النهوض بالمجتمع وتطوره واستقراره، تبذل الدولة المصرية مساعى حثيثة من أجل تعزيز ما حصدته المرأة المصرية من مكتسبات على مدار عشر سنوات، وترسيخ قيم العدالة والمساواة بين الجنسين ومبادئ تكافؤ الفرص اتساقاً مع رؤية مصر 2030 واستراتيجيتها للتنمية المستدامة التى تسعى لتعزيز درجات الاندماج الاجتماعى لكل الفئات، وذلك انطلاقاً من أهمية تأهيل المرأة وتمكينها لتحقيق التنمية الشاملة على كل الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وترجمة الحقوق الدستورية لها إلى قوانين وخطط وبرامج تنفيذية مستدامة، وهو ما دفع بدوره إلى انطلاقة فعالة لمشاركة المرأة المصرية فى مختلف ميادين العمل، ما أسهم فى إعادة التوازن المجتمعي، ووضع المرأة فى المكانة التى تليق بقيمتها وتضحياتها، لتبرهن إنجازات ونجاحات المرأة المصرية على ما يحمله المستقبل من أفق واعد لها وللمجتمع بمختلف فئاته، وهو ما لاقى إشادة واسعة من جانب المؤسسات الدولية لجهود مصر فى هذا الملف.

كيف تمت ترجمة هذه الخطوات؟
الرؤية الدولية الإيجابية لملف تمكين المرأة فى مصر، حيث أبرزت هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2023، تحسن تمثيل المرأة فى مجالس الإدارة والمناصب القيادية العليا فى الشركات المدرجة فى البورصة المصرية، والقطاع المصرفي، وقطاع الأعمال العام، والمؤسسات المالية غير المصرفية، حيث يزداد سنوياً بنسبة 3%، بينما من المتوقع أن تحقق تلك الشركات هدف استراتيجية 2030 المتمثل فى وصول النساء إلى 30% فى مجالس الإدارة بحلول عام 2026.

ماذا يعنى تقدم مصر فى مؤشر المرأة والسلام والعالمى؟
هناك ارتفاع ملحوظ فى نسبة الوعى بين افراد الاسرة والمجتمع المصرى بشكل عام، وان هذا تمت ترجمته من خلال التقرير الرابع الصادر عن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن العالمى، ومعهد أبحاث السلام فى اوسلو لعام 2023-2024، وهو اول مؤشر يقيس الرفاهية الشاملة للمرأة، الذى أشار إلى إحراز الدولة المصرية تقدما ملحوظا فى المؤشر بواقع 28 مركزا، حيث شغلت مصر المركز 110 عام 2023 مقابل المركز 138 عام 2016.

وقد قاس المؤشر هذا التقدم فى العديد من المعايير منها: الشمول المالى للنساء ونسبة المرأة فى البرلمان، علاوة على المؤشرات الخاصة بالعنف الموجه ضد المرأة ومدى رضا المرأة وتمتعها بالأمان داخل المجتمع.

ما اطار «احترام المرأة»، الذى نشرته الامم المتحدة؟
- فى عام 2019، نشرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إطار «احترام المرأة» وهو عبارة عن إطار لمنع العنف ضد المرأة موجه إلى صناع القرار، ويمثل كل حرف من حروف كلمة (احترام) واحدة من الاستراتيجيات السبع التالية:

إرساء مهارات تعزيز العلاقات.
حماية النساء وتمكينهن.
تقديم الخدمات.

الريادة فى الحد من الفقر وضمان بيئة مثالية (المدارس، أماكن العمل، الأماكن العامة).

إرساء حماية الأطفال والمراهقين من الإساءة إليهم.

المفاهيم والمعتقدات الإيجابية.

كيف ترصدين مساعى مصر فى ملف حقوق المرأة؟
- ان مصر تبذل جهودا ضخمة لتحقيق تغيير دائم وشامل فى ملف حقوق المرأة، وظهر هذا جليا من خلال سن القوانين وتنفيذ التشريعات ووضع سياسات تعزز حقوق المرأة فى المجتمع على كل الأصعدة، بالإضافة إلى تخصيص الموارد اللازمة لأنشطة الوقاية ومجابهة العنف ضدها، فضلا عن الاستجابات السريعة لمتطلبات المرأة المعنفة والاستثمار فى منظمات حقوق المرأة.

حيث عملت الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو، على إزالة المعوقات التى تعرقل دون المشاركة العادلة للنساء فى شتى المجالات بجانب تقديم التسهيلات واتخاذ الإجراءات السياسية والبرامج، التى تدعم مشاركة المرأة وزيادة فرصها، مما يعزز حصولها على حقوقها التى كفلها لها القانون والدستور.

واهتمت الدولة بتمكين المرأة اجتماعيا وذلك عن طريق إطلاق برامج الحماية الاجتماعية ومجموعة من المبادرات الرئاسية، التى تستهدف المرأة على وجه الخصوص، حيث بلغت نسبة النساء المستفيدات من برامج الحماية الاجتماعية نحو 89%.

وهو ما يجعل مصر دائما تحقق تقدما وتحرز اهدافا قوية بصدد هذا الملف، الذى يجعل مصر مصدر إلهام للعديد من الدول، بالاضافة الى نشر الوعى بين افراد المجتمع المصرى، الذى سيكلل مجهودات الدولة فى الارتقاء بمكانة المرأة الى اعلى المناصب وتمكينها بشكل جيد.