من الصعب أن يعيش الحب في زنزانة، والأصعب أن يولد الحب في ظلمات السجن، وأن ينمو تحت قهر القيود وذل القضبان، لكن هذه المرة ولد الحب في زنزانة وملأها بالأمل والحياة، لكنه لم ينطلق بها إلى الفضاء، وإنما اندفع إلى زنزانة أخرى حتى تكتمل فصول أغرب قصة حب عرفتها سجون مصر.
البدلة البيضاء امتياز مهم في السجن، فهي علامة على أن السجين يعمل في مكاتب الإدارة ، ويقضي معظم ساعات النهار خارج الزنزانة، وهي دليل أن السجين موضع ثقة واستطاع بسلوكه الحميد أن يكسب ثقة الجميع في إدارة السجن.
لذلك كان من حق السجين عبد العال محمود أن يشعر بقليل من السعادة وهو يخلع البدلة الزرقاء الكالحة ويستبدلها بأخرى بيضاء، صحيح أنه لم يستطيع خلع أحزانه وما زال صوت باب الزنزانة وهو ينغلق عليه يخلع قلبه كل ليلة لكنه أسعد حالا من المساجين الآخرين .
يوم ما سمع الحكم عليه بالسجن المؤبد شعر وكأنه مات في تلك اللحظة وقرأ على نفسه الفاتحة.
يذكر عبد العال أيام كان موظفا بهيئة التليفونات وكيف قدم إلى المحاكمة بتهمة الاتجار في المخدرات وجلبها من الخارج ووجد نفسه في سجن القناطر يقصي العقوبة الجسيمة.
داخل الزنزانة كان يصلي ويدعو الله أن يحفظ ابنه الوحيد ، وحاول هو أن يندمج في حياته الجديدة، التحق بورشة النجارة ليتعلم صنعه وتحول إلى نجار ماهر واستقام وارتدى البدلة البيضاء.
كان أقاربه يزورونه بين الحين والآخر ، في مرة سمع منهم إن إحدى قريباته واسمها منيرة دخلت سجن النساء يجاور سجنه بتهمة قتل رجل .
انصرف الاقارب وراح عبد العال يستعيد الذكريات داخل الزنزانة، تذكر منيرة الفتاة الحلوة التي تمنى ان يتزوجها ولم تمكنه الظروف،
كان قد سمع قبل دخوله السجن انها تزوجت ولكنها لم تنجب اطفالا • الاقارب قصوا عليه كيف قتلت جزارا في الحي، كان يطاردها ويضايقها، يسيء الى سمعتها، فعلت ذلك في الشارع وفي عز النهار !
ما انشط الخيال في الفترة التي تعقب اغلاق باب الزنزانة ، كان صوت الترباس دقات المسرح التي تسبق عرض كل يوم
بعد أن سمع اسم منيرة وحكايتها، واذا بفكرة الاتصال بها تنشب في عقله.
ولكن كيف؟ أنظمةالسجون تمنع الاتصال بين المساجين في
السجون المختلفة ولكنها تسمح بأن يتصل السجين بالعالم الخارجي، يمكنه ان يكتب الخطابات وان يتسلم الرد عليها.
هرش عبد العال رأسه .. يا سلام كل عقدة لها حلال ، اتفق مع أقاربه خارج السجن ان يتسلموا رسائله ويعيدوا إرسالها الى من شغلت البال السجينة فى سجن النساء .
ومع أول رسالة بدأت أشهر واغرب قصة حب في السجون المصرية.
منيرة عندما تلقت أول رسالة من عبد العال أصابها الذهول! هل يوجد في الدنيا من يهتم بها الى هذا الحد وهى مدينة بتهمة القتل و محكوم عليها بالسجن مدة 15 سنة! اسرعت
تكتب الى عبد العال عن طريق الأقارب ايضا.
حدثته عن ظروفها وعذابها ويأسها خلف القضبان، انسانة بلا زوج وبلا ولد وبلا مستقبل .. هل الضياع شيء آخر ؟!
ونشطت الرسائل بين الاثنين وشعر عبد العال أن الميت الذى قرأ عليه الفاتحة يوم الحكم في قفص الاتهام بعثه الحب حيا من جديد .
جلس يحسب موعد الافراج عنه وموعد الافراج عنها الموعدين يتقاربان الى حد مثير ، كان القدر يرتب الامور على خير ما يرام . وبعث الى حبيبة القلب يعرض عليها الزواج ولكن الحبيبة ردت بمفاجأة . فقد رفضت الفكرة واعتبرتها خيالية.
اليأس جعلها تستبعد تماما اي احتمال سعيد . قالت في رسالة رفضها ان كل ما تستطيع ان تفعله هو أن تقف خلف قضبان نافذة زنزانتها وعليه أن يختلس النظر اليها من نافذة زنزانته في وقت محدد وهذا أقصى ما يمكن فعله.
ولكن عبد العال رفض الياس فى حبه الجديد ،صحيح انه شاهدها من خلف القضبان ولوح لها وكانت سعادته فوق الاحتمال وهي تلوح له بدورها ، وصحيح ان تلك النظرات البعيدة جدا تحولت الى ما يشبه اللقاء اليومى ، ولكن هذا لا يكفي
بدل الحب حياته شعر بطعم الحياة من جديد ، عادت الابتسامة الى وجهه ، الزنزانة تبدو له اكثر اتساعا عندما يعيش مع التفاؤل وذكريات لحظات اللقاء على البعد.
اما منيرة فقد تبدل حالها ايضا . ضاق صدرها بسعادة الحب فهمست بقصتها الى الزميلات فى العنبر . وتلقف المجتمع المعزول خلف القضبان القصة الدافئة وراح يقلبها بالطول وبالعرض ويضيف اليها الحواشي والتفاصيل وتستدفئ عليها المشاعر التي تجمدت فى برودة الزنازين.
بعد فترة قدم القدر مفاجأة جديدة الى عبد العال، في أحد الايام فتح باب الزنزانة ليدخلها نزلاء جدد ، ثلاثة من الشبان ادينوا في تهمة الاشتراك فى جريمة قتل - كالعادة سارع عبد العال يقدم التحية الى القادمين حديثا . وكالعادة أيضا جلس الثلاثة يروون
له قصتهم والاسباب التي جاءت بهم الى السجن، تهمتهم كانت الاشتراك في قتل احد الجزارين ، وقد قبض عليهم بعد الجريمة بوقت طويل . اما شريكتهم فكانت قد حوكمت فعلا وحكم عليها بالسجن 15 سنة، قالوا لعبد العال انها ابنة عمتهم وانها المسئولة اصلا عن الجريمة.
وكان من الطبيعى أن يسال عبد العال عن اسمها وجاءت المفاجاة عندما نطق احدهم اسمها بالاسم : منيرة ،ا، س .. يعنى هؤلاء الثلاثة أقارب حبيبة القلب .
لا يهمه من قتلت او لماذا قتلت . فقط ما يهمه المرأة التى تعلق بها قلبه واصبح اسيرها وان كانت القضبان تفصل بينهما .. !
وصارح عبد العال الشبان الثلاثة برغبته في الزواج من ابنة عمتهم، وأن يطلب يدها منهم باعتبار انهم من رجال الاسرة ويمثلون العائلة كلها،
ووافق السجناء الثلاثة، ولماذا يرفضون؟ عبد العال يحظى باحترام وحب جميع المسجونين، له هيبة داخل الزنزانة، وهذه مسألة مهمة، ثم انه يرتدى بدلة بيضاء ، وهذه مسألة أهم .. !
وسارع عبد العال يكتب الى منيرة عن الاخبار، وكيف ان ثلاثة من أقاربها دخلوا السجن وكيف خطبها منهم ووافقوا ولم تبق سوى موافقتها. ووافقت منيرة اخيرا.
وطلب عبد العال مقابلة العقيد محمد الوكيل مدير منطقة سجون القناطر وبهدوء استمع المدير الى القصة العجيبة .. ووعد خيرا، وبعث الى اللواء محسن طلعت مساعد وزير الداخلية ومدير عام مصلحة السجون تقريرا بالحكاية كلها . وكتب المدير في نهاية التقرير أنه لا يمانع بعد استطلاع رأى السجينة، وبعد اخذ رأي إدارة الفتوى والحصول على موافقتها.
وعلى الفور كان العقيد عصمت عمر مأمور سجن النساء يرد بموافقة منيرة على الزواج واحيل الطلب الى ادارة الفتوى التي تحفظت في البداية، ثم ما وافقت بعد أن طلب اللواء محسن طلعت اعادة النظر في القرار على أساس أن المعاملة الانسانية لنزلاء السجون هي افضل وانجح وسائل اصلاحهم .. بالاضافة الى أن سلوك السجين والسجينة حسن جدا .
وكان اعتراض دائرة الفتوى ينصب على انه زواج شكلي, أو زواج مع ايقاف التنفيذ.
ولكنها عادت ووافقت بعد ان اخذت بوجهة نظر مدير عام السجون.
وبعد أن عرفت أن الافراج سيتم عن العروسين في موعد متقارب
لا يتجاوز السنتين .. !
ويصدر تكليف الى المقدم محمد يوسف لاتخاذ كافة ترتيبات عقد القران ويفاجأ المقدم محمد يوسف بأن أكثر من فنان وفنانة وعددا من الموسيقيين يعرضون التطوع لاحياء حفل الزفاف . واولا بأول تنقل الاخبار السارة الى العروسين كل في سجنه :
ويقرر نزلاء سجن الرجال تقديم هدية الى العريس، بينما تنهمك نزيلات سجن النساء من أجل اعداد ثوب الزفاف لزميلتهن العروس
ويرقب ضباط السجن الموق بتأثر بالغ.
وبعد ايام ستدوى الزغاريد ويقام اغرب فرح ليتوج اغرب
قصة حب خلف القضبان.
الحب يحب الحرية ولكنه هذه المرة دخل الى السجن
بقدميه !
المصدر مركز معلومات أخبار اليوم