معاناة شديدة يتعرض لها المواطنون في التعامل مع مستشفيات التأمين الصحي، الزحام شديد في مختلف المستشفيات خاصة مستشفى مدينة نصر التي تضم جميع التخصصات ومستشفى أطفال مصر.

الشكاوى تتركز في غياب الأطباء وعدم توافر الأدوية وقوائم الانتظار الطويلة ناهيك عن الروتين وسوء معاملة الموظفين للمرضى.

نرصد معاناة المترددين على مستشفيات التأمين الصحي وتناقش المسئولين وعلى رأسهم رئيس الهيئة على آمل المساهمة في حل مشاكل المواطنين وتخفيف معاناتاتهم خاصة أن التأمين الصحي يخدم أكثر من 55 مليون مواطن.

المشهد أمام عيادات مستشفى مدينة نصر يدعو للأسى. الزحام شديد والمرضى يجلسون بعشوائية على السلم المؤدى للعيادات ، وآخرون يتزاحمون دخولا وخروجا على العيادات ، الروتين وعدم وجود نظام لدخول المرضى يتصدر المشهد.

تقول منى منتصر ربة منزل « : أكثر مانعانيه هنا هو التزاحم الرهيب الناتج عن كثرة الأعداد ما يجعل أدوارنا بقائمة الانتظار لإجراء العمليات الجراحية قد تتخطى السنوات.
زرع قوقعة
أما سلوى منتصر التى اصطحبت طفلتها الصغيرة بيدها فقالت بغضب: المشكلة التى نواجهها فى التأمين الصحى تكمن فى الروتين ونقص الأدوية ،مضيفة : أتردد على مستشفى التأمين الصحى منذ سنوات طويلة ، وأحتاج دواء لبعض الأمراض النسائية ، وهو مالا يتوافر دائما ولا استطيع شراءه من الخارج لغلو ثمنه.

اما مصطفى محمود موظف فيقول: أنا اتبع مستشفى التأمين الصحى بالمنيا وابنتى لم يتعد عمرها الثلاث سنوات تعانى من مشكلة فى السمع وبعد إجراء الكشف الطبى عليها بأحد مستشفيات محافظة المنيا حولنى المستشفى إلى مستشفى اخر تابع للتأمين الصحى بالمنيا ايضا ، وبعد معاناة جسيمة مع طول الانتظار، حولنا المستشفى إلى مستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر بعد عام كامل لتشخيص ماتعانيه ابنتى حيث اثبتت التقارير الطبية انها تحتاج لزرع قوقعة بأذنها كى تتمكن جيدا من السمع، ومنذ ذلك الحين وعلى مدى ستة اشهر نتردد على مستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر لتحديد موعد العملية!

رحلة شقاء
وقال مرتضى محمد: اننا نعانى لتحديد مواعيدنا المقررة للعمليات، وخاصة فى حالة التحويل من محافظة إلى محافظة اخرى ، فطفلى يحتاج لتغيير صمام بالقلب وتعبت من الترحال من محافظة المنوفية إلى القاهرة بالصغير الذى لا تسمح صحته بذلك مطلقا ، وأخشى ان يتوقف قلبه الصغير ذات مرة بين ذراعى ولا أدرى لحظتها كيف سأتصرف.

وأوضحت رباب منير «ربة منزل» ان الزحام الدائم فى العيادات هو اقسى ماتعانيه فى مستشفى التأمين الصحى حيث تتراكم اعداد كبيرة جدا فى الفترة الصباحية امام العيادات مما يجعلنا نلتقط انفاسنا بصعوبة بالغة بالإضافة إلى ان العديد من الأدوية غير متوافرة ناهيك عن تأخر الأدوار المقررة للعمليات بشكل قد يجعل المريض يموت قبل ان تجرى له العملية، قائلة: زوجى يحتاج لتغيير مفصل فى العظام وتم تحديد دوره فى قائمة الانتظار بعد عامين من الآن فمن يرضيه هذا الحال ؟
أطفال مصر
وبعد ان إنتهت جولتنا بمستشفى مدينة نصر اتجهنا لمستشفى اطفال مصر.. فيه الزحام على اشده ، أغلب المترددين من الأقاليم يحملون حقائبهم فى ايديهم ويصطحبون صغارهم المرضى ، وقد بدا الإرهاق والبؤس على وجوههم ، المشهد العام قبل دخول المستشفى تتصدره اكوام القمامة التى احاطت اسوار المستشفى ناهيك عن الكلاب الضالة وقطط الشوارع ، وعلى الجوانب المحيطة بالمستشفى علت اصوات محلات الحدادة والسمكرة والميكانيكيا وشجارات اصحابها الذين افترشوا الشارع بعدتهم ، خطوات من دخولك لصالة الاستقبال الخارجية تصطدم عيناك بزحام الزائرين غالبا لن تستطيع التفريق بينهم وبين المرضى فالجميح يكسو ملامحه الأسى.


تقول منيرة مصطفى : هذه هى المرة الرابعة التى احضر فيها إلى هذا المستشفى حيث ان ابنى يحتاج إلى إلى عملية زرع قوقعة وحولنا مستشفى بنها الذى يعج بكافة صور الإهمال إلى مستشفى اطفال مصر وحتى الآن لم يتم تحديد موعد العملية ، اما مستشفى بنها فلا علاج ولا اطباء ولا خدمة.

وأضاف منتصر سالم بانفعال : لقد سئمت الحياة بأكملها بسبب رحلة العذاب التى اقضيها فى مستشفى التأمين الصحى مع صغيرى الذى لا يتعدى عمره 6 سنوات ومريض بأنيميا البحر المتوسط ويحتاج لنقل دم فى مواعيد معينة وبرعاية دقيقة ، ونظرا لعدم توافر اكياس الدم بالخارج فأنا ألجأ مضطرا إلى مستشفى التأمين الصحى، إلا ان الروتين جعل روح طفلى تتعلق بيد موظف يعمل حسب مزاجه وحالته الشخصية ولا يقدر حالة المرضى ، مضيفا : كاد طفلى ان يفقد روحه بسبب تكاسل الموظفين وتقاعسهم عن تسهيل الأوراق المطلوبة ،لم يأخذ طفلى الجرعة المقررة له فى موعدها مما أدى إلى تراجع نسبة الهيموجلوبين لديه من 7 إلى 4 .

أما سنية محسن التى اصطحبت طفلها مريض السكر بيدها قالت: ان الأطباء ينهون عملهم قبل الموعد المقرر لهم بالانصراف ، بالإضافة إلى قدومهم فى وقت متأخر عن الموعد المحدد ايضا ونظرا لزيادة اعداد المترددين فدائما مايعود اغلبهم دون قضاء حاجته.

اما ندى منصور التى احتضنت طفلها بعد أن أحكمت لفه ببطانيته الثقيلة وبدا على وجهها بؤس شديد فتقول : وضعت صغيرى منذ عام ومنذ ولادته ونحن نعلم انه يعانى من ثقب بالقلب ويحتاج لعملية قلب مفتوح ، وحالته لا تتحمل المماطلة ومنذ ولادته ونحن فى دائرة مغلقة بين تحويلات مستشفيات التأمين الصحى كل منها يلقى بنا للآخر بحجة انه لا علاج لديه وبعد ان نذهب للمستشفى الآخر يخبرنا بأن المستشفى الذى كنا به هو من يختص بالعلاج ولكنهم يريحون رؤوسهم بتحويلنا .

توجهنا إلى مدير مستشفى أطفال مصر ولكنه رفض الحديث معنا بشأن مشاكل المرضى قائلاً إن الهيئة العامة للتأمين الصحى تمنع المسؤلين من الحديث دون تصريح.

وفى مستشفى اكتوبر تقول منى راغب سيدة مسنة : بالرغم من نظافة مستشفى اكتوبر للتأمين الصحى ومعاملة اطبائه الجيدة إلا اننى اعانى معاناة جسيمة من روتين إنهاء الأوراق المطلوبة لصرف العلاج او للكشوفات الطبية ، والمشكلة ان اغلب المترددين على المستشفى هنا من اصحاب المعاشات وكبار السن اى ان صحتنا لا تسمح تماما لما يفعله بنا الموظفون.

واتفق محسن نبيل موظف على المعاش مع منى فى رأيها قائلا: اشعر احيانا وكأن الموظفين يعذبوننا ، او ربما لأنهم يريدون إراحة رؤوسهم والنتيجة هو اننى اظل فى مشورة مميتة لايتحملها عمرى الذى تخطى السبعين عاما ، كى استطيع صرف علاجى الشهرى ، حتى اننى اشعر وكأن أنفاسى ستتوقف من كثرة الزحام والمشورة التى لا تنتهى فرفقا بنا.

الأقسام مغلقة
يقول د. محمد وجيه استشارى بمستشفى التأمين الصحى باكتوبر : مشاكل التأمين الصحى فى مصر عديدة جدا فهذا القطاع محدود الميزانية يعالج اكثر من 60 % من المواطنين بمجمل اكثر من 55 مليون مشترك فى هيئة التأمين الصحى ، مضيفا ان الميزانية المقررة لمستشفيات التأمين الصحى هى 6 مليارات جنيه فقط من واقع الميزانية العامة للوزارة الصحة والتى تتعدى 50 مليار جنيه ،اى ان بقية المبلغ مقسم على مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والعلاج على نفقة الدولة ، مع العلم أن التأمين الصحى يشمل المواطن منذ ولادته وحتى خروجه على المعاش، وأوضح وجيه ان هذه الميزانية تعنى ان لكل مواطن مشترك بهيئة التأمين الصحى مائة جنيه بالعام اى عشرة جنيهات بالشهر فماذا ستكفى ، مشيرا إلى ان مستشفيات التأمين الصحى تعانى من كارثة لم يلتفت لها احد وهى ان اغلب اطباء التأمين يتركونه بسبب ضآلة رواتبهم حتى ان العديد من الأقسام بالمسشفيات تم إغلاقها نظرا لعدم وجود اطباء بها ، مثل قسمى الباطنة والأطفال بمستشفى التأمين الصحى بمحافظة سوهاج ، فقد فقدنا اكثر من 50% من الطاقم الطبى بهيئة التأمين الصحى وربما هو الثروة الوحيدة الموجودة بالهيئة ، وإن لم يوفر اجر عادل للطاقم الطبى المتبقى فلن نجد من يعالج مرضى التأمين فى مستشفياتهم.

كثرة المرضى
وأضاف د. وائل كمال مدير الشئون العلاجية بمستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر : ان ضغط المواطنين الشديد على العيادات هو السبب الرئيسى فى شكاوى المرضى من الزحام الدائم ، فقد يبلغ عدد الزائرين للعيادات الخارجية فى اليوم الواحد نحو 4000 مواطن مما يتسبب فى حدوث تكدس كبير للمواطنين ومن ثم وجود اعداد كبيرة جدا فى قوائم الانتظار وهو مايثير غضب العديد من المرضى ويشعرهم بأننا مقصرون معهم، مضيفا ان رواتب العاملين بالتأمين يجب ان تتحسن كى لا نفقد المزيد من الأطباء ونواجه مأساة جديدة مع إغلاق الأقسام.