في الذكرى السابعة على رحيلها l شـادية.. الاستثنـائيــة

الفنانة الكبيرة شادية
الفنانة الكبيرة شادية


7 سنوات على رحيل الفنانة الكبيرة شادية التى خطفت قلوب محبيها بمجرد ظهورها علي الشاشة، أحبها الجمهور بسبب طلتها الرائعة وموهبتها الفريدة في التمثيل والغناء، عندما تجتمع الرقة مع الصوت العذب والإحساس الراقى بجانب الملامح المصرية الأصيلة، نجد أننا أمام دلوعة السينما، كانت الابتسامة جزءا من ملامحها، حفرت اسمها بحروف من ذهب في قلوب الجمهور، لتبقى بعد رحيلها طيفاً جميلاً متفردًا ساكنًا باقيًا فى وجدان الملايين من كل الأجيال إلى الأبد، فرغم مرور الذكرى السابعة على رحيلها، لكنها باقية في قلوب الجميع، ويتصادف ذلك مع احتفاء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الحالية في ترميم وعرض فيلمها “شيء من الخوف” ضمن كلاسيكيات مصرية مرممة، لتعد بمثابة فرصة لاستعادة أجواء الزمن الجميل، ولتكون شادية الغائبة الحاضرة في المهرجان، تاركة فنا خالداً محفوراً في ذاكرة الجمهورلا ينسى.

يظل الحديث عن معبودة الجماهير، يحتاج للوقوف كثيرًا أمام هذه الموهبة الاستثنائية صاحبة السجل الحافل بالأعمال، ليس فقط لكونها من أهم الفنانات المصريات في الوطن العربي، بل لأنها استطاعت أن تسجل رقمًا قياسيًا خلال فترة تقارب أربعين عاماً قدمت خلالها أكثر من 110 فيلماً و10 مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة، بجانب أغنياتها الوطنية والعاطفية، وتعد من أبرز نجمات السينما المصرية وأكثرهن تمثيلاً في الأفلام العربية، وهي في نظر الكثير من النقاد أهم فنانة شاملة ظهرت في تاريخ الفن العربي.

لم يكن “شادية” مجرد اسم أُطلق عليها، لكنه كان وصفًا لنعومة وعذوبة صوتها ونجمة استثنائية لن تتكرر، اسمها الحقيقي فاطمة أحمد كمال، ولدت في 8 فبراير 1931، بمنطقة الحلمية الجديدة، وترجع أصولها إلى محافظة الشرقية المصرية، ولكن جذور عائلتها تعود إلى أصول شركسية، والدها المهندس أحمد كمال أحد كبار مهندسي الزراعة والري ومشرفًا على الأراضي الخاصة الملكية، وكانت أمها تركية الأصل، اكتشف والدها موهبتها الفنية منذ الصغر، وطلب من الفنان فريد غصن تعليمها الغناء، وأسند إلى الفنان المصري الكبير عبد الوارث عسر مهمة تعليمها التمثيل والإلقاء، وتردد أن عسر هو من أسماها شادية لأنه عندما سمع صوتها لأول مرة قال: “إنها شادية الكلمات”، وهناك رأي أخر يقول إن المنتج والمخرج حلمي رفلة هو من اختار لها اسم شادية ليكون لها اسما فنيا، وذلك بعدما قدمت معه فيلم “العقل في إجازة”، ورأى آخر يقول أن الممثل يوسف وهبي هو من أطلق عليها اسمها عندما رآها وكان يصور في ذلك الوقت فيلمه “شادية الوادي”، إلا أن شادية قد ذكرت في لقاء مع الإذاعة المصرية سنة 1963 أنها هي من اختارت اسم شادية لنفسها وذلك في فترة التحضير لتصوير فيلم “العقل في أجازة” رغم أن اسم شهرتها في العقد كان “هدى” الذي لم تكن تستسيغه حينها، وأن المخرج حلمي رفلة قد وافقها على اختيار اسم شادية بشدة.

البداية

بدأت الدلوعة مسيرتها الفنية عام 1947 حتى عام 1984، قدمت من خلالها عدد كبير من الأفلام والمسلسلات والأعمال الإذاعية والأغانى وقدمت مسرحية واحدة، بدايتها جاءت على يد المخرج أحمد بدرخان الذي كان يبحث عن وجوه جديدة، فتقدمت له وأدت وغنت ونالت إعجاب كل من كان في “استوديو مصر” في ذلك الوقت، إلا أن هذا المشروع توقف ولم يكتمل، وفى يناير عام 1947 قامت بدور صغير في فيلم “أزهار وأشواك” تأليف صالح سعودى وإخراج محمد عبد الجواد، وبطولة مديحة يسري ويحيى شاهين وعمادحمدي وهند رستم وحسن فايق، لكن البداية الحقيقية كانت في فيلم “العقل في أجازة” بعد أن رشحها المخرج أحمد بدرخان لحلمي رفلة لتقوم بدور البطولة أمام محمد فوزي في أول فيلم من إنتاجه، وأول فيلم من بطولتها، وأول فيلم من إخراج حلمي رفلة، وقد حقق الفيلم نجاحًا كبيراً، ومن هنا بدأت رحلة شادية مع نجاح الأفلام، فكل منتج أو فنان عملت معه كان يحرص على تقديم أعمال أخرى معها بسبب النجاح والايرادات الكبيرة، بعد نجاحها في “العقل في إجازة” استعان بها محمد فوزي بعد ذلك في عدة أفلام، منها “الروح والجسد، الزوجة السابعة، صاحبة الملاليم، بنات حواء”، حققت نجاحات وإيردات عالية أيضا للمنتج أنور وجدي في أفلام “ليلة العيد” عام 1949 و”ليلة الحنة” عام 1951 وتوالت نجاحاتها في أدوارها الخفيفة وثنائيتها مع كمال الشناوي وعماد حمدى التي حققت نجاحات وإيرادات كبيرة للمنتجين، وكانت شادية بمثابه تميمة الحظ للمنتجين، وبمرور الأيام وتعدد التجارب، أصبحت شادية نجمة وتصدرت صورتها الأفيشات، ومنحها النقاد عدة ألقاب أهمها “دلوعة السينما”.

انطلاقة سينمائية

استطاعت الدلوعة أن تقدم في أعمالها أدوار العاشقة، الخائنة، المتمردة، الطيبة، اليتيمة، المسكينة، الأم والعجوز، العربيدة، الفتاة، المرأة، كما نجحت فى الأدوار الصعبة والتراجيديا، وأبدعت أيضا فى الكوميدى، ومازالت هذه الأعمال من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية.

في عام 1959 قدمت دور العاشقة في فيلم “المرأة المجهولة” ولأول مرة فى السينمات، كانت صورة شادية تتصدر الأفيش، فى ذلك الوقت كان فيلم “دعاء الكروان” لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، يحقق أعلى الإيرادات والنجاحات ولا حديث يعلو فوقه، لكن شادية نجحت فى تحويل بوصلة النجاح إليها، ونالت نفس النجاح الذى حصدته فاتن حمامة، وفى نفس العام قدمت شادية فيلم “إرحم حبى” مع عماد حمدى بطل المرحلة، ومريم فخر الدين، للمخرج الكبير هنرى بركات، ولعبت شادية فى الفيلم شخصية “نوال” شقيقة مريم فخر الدين الصغرى، واتسمت الشخصية بالدلع والإغراء الناعم، ثم يأتي عام 1954 ويعرض لشادية 10 أفلام سينمائية، من بينها الفيلم الرومانسى “ليلة من عمرى” للمخرج عاطف سالم، عن قصة نيروز عبد الملك، وسيناريو وحوار السيد بدير، وعلى تتر العمل اسم شادية يسبق عماد حمدى نجم النجوم وقتها، واعتبر الفيلم وثيقة مهمة تبرهن على قوة موهبتها، خصوصا فى مشاعر الأمومة التى فاقت كل ممثلات جيلها فى أدائها، النقلة الأخرى في حياتها من خلال أفلامها مع صلاح ذو الفقار والتي أخرجت طاقاتها الكوميدية في أفلام “مراتي مدير عام” في عام 1966، و”كرامة زوجتي” عام 1967، و”عفريت مراتي” عام 1968، وقدما أيضًا فيلم “أغلى من حياتي” عام 1965، وهو أحد أعمال الفنان محمود ذو الفقار الرومانسية وقدما من خلاله شخصيتي أحمد ومنى كأشهر عاشقين في السينما المصرية.

شيء من الخوف

لا أحد ينسى شخصية “سهير” فى الفيلم الخالد “معبودة الجماهير” عن قصة للكاتب الكبير مصطفى أمين، والمخرج حلمى رفلة، الفيلم  الذى يحفظه الجمهور ويحفظ أغانيه التى كتبها و وضع موسيقاها أكبر رموز هذا العصر وهم كامل الشناوى، عبد الوهاب، محمد الموجى، مرسى جميل عزيز، كمال الطويل، وتألقت شادية طوال أحداث العمل بموهبة وحضور كبيرين، حتى حازت على لقب “معبودة الجماهير” وهى فعلا كذلك، ثم تنتقل شادية وتقدم فيلم “شيء من الخوف” للكاتب ثروت أباظة، وإخراج حسين كمال، وقدمت من خلاله شخصية “فؤادة” وهى من أشهر الشخصيات التى قدمتها في أفلامها، ويعد الفيلم من الروائع الخالدة التى قدمتها شادية، واحتل الفيلم المركز رقم 19 فى قائمة أفضل 100 فيلم بذاكرة السينما المصرية، كما احتفى  مهرجان القاهرة السينمائي ضمن فعالياته في دورته الحالية بترميم نسخة الفيلم وعرضه ضمن فعالياته، الذي تبلغ مدته 112 دقيقة، ضمن كلاسيكيات مصرية مرممة لتعد بمثابة فرصة لاستعادة أجواء الزمن الجميل عبر عرض العديد من الأفلام الكلاسيكية، فتكون شادية الغائبة الحاضرة في مهرجان القاهرة السينمائي، فكان العرض الأول لفيلم “شئ من الخوف” عام 1969، والذي تضمن نخبة كبيرة من نجوم الزمن الجميل على رأسهم محمود مرسى، يحيى شاهين، محمد توفيق، آمال زايد، وغيرهم من النجوم، ومن إخراج حسين كمال، تدور أحداث الفيلم استنادًا إلى قصة ثروت أباظة القصيرة، في قرية ريفية مصرية، حيث يهدد عتريس أهل القرية، بينما تقدم فؤادة الفتاة التي يحبها على فعل يمثل تحديًا علنيًا، فتكون علاقتهما على المحك وتنشاْ صراعات بينهم.

زقاق المدق

ببراعة شديدة قدمت شادية شخصية “حميدة” فى فيلم “زقاق المدق”، وظلت الشخصية بكل تحولاتها وتطلعاتها وأحلامها علامة مميزة، وأحب الجمهور “حميدة” بجرأتها وطموحاتها، وبعد نجاح “حميدة” قدمت شادية مع المخرج حسام الدين مصطفى رائعة أخرى لنجيب محفوظ “الطريق” مع رشدى أباظة، لتتمرد على شخصياتها السابقة، من خلال دور “كريمة” المرأة التى تقيم علاقة غير شرعية مع أحد نزلاء الفندق، رشدى أباظة وتحرضه على قتل زوجها.

 أبدعت شادية أيضا فى الكوميدى، وعلى رأس أعمالها الكوميدية الناجحة فيلم “الزوجة 13” للمخرج فطين عبد الوهاب، تأليف أبو السعود الإبيارى، وما زال الفيلم يحقق نجاحا كبيرا إلى الآن، ويلتف حوله الجمهور كلما عرض على شاشات التلفزيون، هذا بجانب الأعمال الكوميدية الخفيفة الناجحة التى قدمتها مع الراحل إسماعيل يس، منها “الستات مايعرفوش يكدبوا، الظلم حرام، اللص الشريف، مغامرات إسماعيل يس”، وفى عام 1970 قدمت شادية واحد من أهم أفلامها “نحن لا نزرع الشوك” للمخرج حسين كمال، عن قصة للكاتب الكبير يوسف السباعى، والفيلم من أكثر أفلام شادية نجاحا فى فترة السبعينيات، التى قدمت بها تجارب أخرى منها “الشك يا حبيبى” و”ذات الوجهين” و”الهارب”، ربما واقعية فيلم “نحن لا نزرع الشوك” من خلال دور”سيدة” الفتاة اليتيمة التى تذوق الأمرين، كان سببا فى نجاح الفيلم وقصته المحفوظة.

الغناء

لم تكن شادية نجمة سينمائية فقط، بل تميزت عن كل أبناء جيلها بموهبة الغناء، واستطاعت من خلاله أن تحصد حب الجمهور فى كافة أرجاء الوطن العربي، ونجحت كمطربة وكممثلة بنفس الدرجة وكانت من أجمل الأصوات المصرية، قدمت عدد لا بأس به من الأغانى، سواء كانت أغانى رومانسية او درامية، لكن كانت الأغنية العاطفية الأقرب لقلبها، حيث قالت في لقاء إذاعي نادر بالسبعينيات: “أحب الأغاني العاطفية، هي التي تستهويني أكثر من غيرها، فأنا أحب أغاني لمحمد عبدالوهاب، فهو يطربني ولديه إحساس، ومحمد قنديل صوته ابن البلد، وأحب محمد رشدي صوته فلاح وابن بلد، وأحب عبد الحليم في الأغاني العاطفية، وأحب له أغنية “مريت على بيت الحبايب”.

كما حرصت شادية أيضًا على تقديم الأغانى الوطنية، وارتبطت أغانيها دائمًا بالأعياد والمناسبات الوطنية، فكانت مصر حاضرة بقوة في أغانيها التي لا تزال تتردد حتى هذه اللحظة، مثل أغنية “يا حبيبتي يا مصر”، وهى من أشهر الأغاني الوطنية لشادية، فنادرًا ما تجد أحدًا لا يعرفها، فالجميع يرددها، بمجرد سماع ألحانها، ويرددها المصريون جميعًا فى كافة مناسباتهم الوطنية، وتعد واحدة من الأغانى التى يحتفل بها المصريون عند الاحتفال بفوز المنتخب المصري فى أى مباراة لكرة القدم أو أى مناسبة أو احتفال وطنى، وهناك أيضا أغنيات “يا أم الصابرين” و”ادخلوها سالمين” و”مصر اليوم في عيد”.

المسرح

على الرغم من مشوار شادية الفني الطويل الذي امتد لقرابة 40 عاما، إلا أنها لم تقدم سوى مسرحية وحيدة، بعد محاولات طويلة من الإقناع، فرغم أن شادية وهي مطربة اعتادت طوال حياتها الوقوف على خشبة المسرح، وإحياء حفلات غنائية، ومواجهة الجمهور، لكنها كانت تخشى تجربة التمثيل بشكل مباشر وحي أمام الجمهور، وفي النهاية، قبلت الفكرة و وقفت على خشبة المسرح لأول مرة عام 1982 من خلال مشاركتها في مسرحية “ريا وسكينة” التي يعتبرها الجميع من أشهر المسرحيات الكلاسيكية، مع سهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وحسين كمال وبهجت قمر، وعرضت لمدة 3 سنوات في مصر والدول العربية، ولم يشعر الجمهور بفارق بينها وبين عمالقة المسرح مدبولي وسهير البابلي، ونجحت فيها بشكل غير متوقع، حتى أنها بقيت واحدة من أروع أعمالها على الإطلاق، وعلامة مسجلة في تاريخ المسرح المصري ومازلت المسرحية تعرض في كل المناسبات والأعياد، وكانت هذه المسرحية هي التجربة الأولى والأخيرة في تاريخ مشوارها الفني.

اعتزال

رغم وصول شادية إلى قمه الشهرة والنجومية، إلا أنها في عقدها الخامس وقبل رحيلها بسنوات بدأت رحلتها مع اعتزال الفن والتفرغ للعبادة ورعاية الأطفال الأيتام، لاسيما وأنها لم تُرزق بأطفال وكانت تتوقُ أن تكون أمًا، وقالت في لقاء إذاعي لها إنها لم تكن سعيدة الحظ في زواجها على عكس حظها الجيد في الفن، وهو ما يفسر السبب وراء أن زواجها لم يستمر طويلًا في الثلاث مرات وعدم إنجابها، وتتوارى بعيدًا عن الأضواء، ثم ترحل في هدوء يوم الثلاثاء 28 نوفمبر عام 2017 عن عمر يناهز 86 عاماً بعد صراع مع المرض بمستشفى الجلاء العسكري، وأقيمت صلاة الجنازة على جثمانها في مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة.

 

اقرأ أيضا: شادية.. بين أزمة العريس وسخرية الجمهور من صوتها الرفيع

;