في إحدى قرى بني سويف، التقينا المزارعين أحمد مسلم ومعتمد محمد، وهما يزرعان أرضهما التى تبلغ مساحتها 50 قيراطا بمحصول «الفاصوليا»، ويتبادلان الحديث فيما بينهما عن زراعة «الفاصوليا»، وما تحتاجه من تسميد ومياه، اقتربنا منهما لمشاركتهما الحديث عن الزراعة، أخبرناهما أن الحكومة تتجه للتصنيع الزراعي، الأمر الذي حير أحدهما، فنظر لنا باستغراب متوجهًا بالسؤال: «يعني إيه تصنيع زراعي؟!»، أجبناه بأن التصنيع الزراعي هو تطبيق تقنيات التصنيع على الزراعة؛ بهدف زيادة الإنتاجية، وتحسين الجودة، وتقليل التكاليف في جميع مراحل سلسلة التوريد الزراعية، وأن العالم يتجه حاليًا في ظل النمو السكاني المتزايد، والطلب المرتفع باستمرار على الغذاء، إلى التصنيع الزراعي، كأحد الحلول المبتكرة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي.
في السطور التالية تستطلع «آخرساعة» آراء الخبراء والمتخصصين، حول التصنيع الزراعي والتحديات التي تواجهه، حيث يوضح الدكتور هشام زكريا، أستاذ علوم وتكنولوجيا الأغذية المساعد، وكيل كلية الصناعة والطاقة بجامعة 6 أكتوبر التكنولوجية، أن التصنيع الزراعي يمثل حجر الزاوية في تعزيز القيمة الاقتصادية للإنتاج الزراعي، ليس فقط فى مصر، بل فى جميع أنحاء العالم، مضيفًا أنه يرى أن هناك العديد من التحديات والفرص التي يجب معالجتها لتحقيق تحول نوعي في هذا القطاع المهم، موضحًا أن التصنيع الزراعي له أهمية كبيرة ويؤدى لزيادة الإنتاج، لافتًا إلى أن مصر تمتلك قدرات زراعية كبيرة بفضل تنوع مناخها ومواردها الطبيعية، ولكن يبقى التحدي في كيفية الاستفادة القصوى من هذه القدرات للحفاظ على قيمة الإنتاج الزراعى وزيادته، فالتصنيع الزراعي يعتبر العامل الرئيسي الذي يضمن استدامة القيمة الاقتصادية للمنتجات الزراعية، إذ يضيف قيمة مضافة للمنتجات، ويحميها من التلف، ويطيل عمرها الافتراضي في الأسواق.
◄ اقرأ أيضًا | أهالي بني سويف يشيعون جثمان ضحية دهس سيارة الشيف الشربيني
أضاف زكريا، أن التحديات التي تواجه التصنيع الزراعي في مصر متنوعة أبرزها البنية التحتية والتكنولوجيا، فبرغم التقدم فى بعض القطاعات إلا أنه لا يزال هناك نقص في استخدام التكنولوجيا الحديثة في عمليات التصنيع الزراعي من تقنيات التعبئة والتغليف إلى تكنولوجيا الحفظ والتخزين، وبالتالى فنحن فى حاجة ملحة لتطوير هذه الجوانب، علاوة على تحدى الابتكار فى المنتجات حيث يعتمد نجاح التصنيع الزراعي على الابتكار في تطوير المنتجات الزراعية إلى منتجات نهائية ذات قيمة سوقية عالية، وهذا يتطلب الاستثمار في البحث والتطوير لإنتاج سلع مبتكرة تعتمد على المحاصيل المحلية، أيضًا هناك تحدى نقص المهارات والتدريب، حيث يعاني القطاع الزراعي والتصنيع الزراعي في مصر من نقص فى العمالة المدربة والمؤهلة التى تستطيع تشغيل وصيانة المعدات الحديثة وإدارة خطوط الإنتاج المتقدمة، وأخيرًا التسويق وسلاسل التوريد، فنحن بحاجة ماسة لتحسين سلاسل التوريد الزراعى، وتطوير استراتيجيات تسويقية فعالة لزيادة الطلب على منتجاتنا في الأسواق المحلية والعالمية.
◄ اقرأ أيضًا | متحدث الزراعة: مصر الأولى عالميًا في تصدير البرتقال
◄ مطالب وتحديات
وأشار إلى وجود عدة مطالب لتحقيق تصنيع زراعي فعّال في مصر، تتمثل فى تطوير قطاع التصنيع الزراعي، وهذا يتطلب عدة خطوات منها الاستثمار فى التكنولوجيا والتدريب، بحيث يجب أن يكون هناك استثمار مستمر في التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في عمليات التصنيع الزراعي، أيضا الجامعات التكنولوجية، يجب أن تلعب دورًا رياديًا فى تقديم برامج تدريبية وشهادات متخصصة للعاملين في القطاع، تغطى الجوانب التقنية والإدارية للتصنيع الزراعي، أيضًا مطلوب الاهتمام بالبحث والتطوير، بحيث تكون هناك شراكات قوية بين الجامعات والمراكز البحثية والقطاع الخاص لزيادة الابتكار في تصنيع المنتجات الزراعية، حيث يمكن للجامعات مثل كلية الصناعة والطاقة أن تعمل على تطوير تقنيات حديثة فى مجال معالجة الأغذية والتعبئة والتغليف، فضلا عن الاهتمام بالتعليم الزراعي المتخصص، وهذا يتمثل فى التركيز على تطوير مناهج تعليمية تجمع بين الزراعة والصناعة، بما يعزز من قدرات الطلاب ويجعلهم قادرين على المساهمة في تطوير هذا القطاع بعد التخرج، وعمل برامج دراسات تكنولوجيا الأغذية، فيجب أن تتضمن مشروعات تطبيقية تعكس احتياجات السوق الفعلية.
وقال زكريا، إنه لتحقيق تصنيع زراعى ناجح يجب كذلك دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ودعم رواد الأعمال في قطاع التصنيع الزراعى، لأن هذه المشروعات يمكن أن تساهم بشكل كبير فى رفع كفاءة الإنتاج واستيعاب القوى العاملة، إضافة إلى تعزيز الابتكار على مستوى المنتجات الزراعية المحلية، كما يجب تشجيع الاستثمار الأجنبى والمحلى، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمارات فى مجال التصنيع الزراعى، من خلال تقديم حوافز للمستثمرين المحليين والدوليين لإنشاء مصانع تصنيع زراعى متطورة فى مصر، إضافة لضرورة تعزيز التكامل بين القطاع الزراعى والصناعى، وتعزيز التكامل بين المزارعين والمصنعين، وأن يكون هناك تعاون وثيق بين هذين القطاعين لضمان تلبية احتياجات الإنتاج والتصنيع بكفاءة عالية.
◄ معامل وبرامج
ويشدد أستاذ علوم وتكنولوجيا الأغذية المساعد، على الدور المحورى للجامعات التكنولوجية وخاصة كلية الصناعة والطاقة، وأن تكون فى طليعة هذا التحول الصناعى الزراعى، كما يطالب بتطوير شراكات مع القطاع الخاص، وتشجيع الطلاب على الابتكار فى تقنيات التصنيع الزراعى، وتوفير معامل حديثة وبرامج تدريبية تواكب أحدث التطورات العالمية فى هذا المجال، لافتًا إلى أن التحول نحو التصنيع الزراعي لا يتعلق فقط بتحديث الآلات والمعدات، بل يشمل تحديث الفكر والتقنيات المستخدمة فى كل مرحلة من مراحل الإنتاج الزراعي، فيمكننا تحويل التحديات إلى فرص من خلال توجيه الطلاب والباحثين إلى مشروعات تطبيقية تهدف إلى حل مشاكل التصنيع الزراعى الحالية، وتقديم حلول مبتكرة ومستدامة، مؤكدًا أن التصنيع الزراعى يعد السبيل الأمثل للحفاظ على قيمة الإنتاج الزراعي في مصر، وزيادة تنافسيته فى الأسواق العالمية، مختتمًا بأن التعليم والتدريب هما المفتاح لتحقيق هذا الهدف، من خلال توجيه الطلاب وتطوير البرامج الأكاديمية التى تجمع بين الزراعة والتصنيع.
◄ الكفاءات العلمية
من جانبه، يرى الدكتور خالد عبدالغفار القاضى، أستاذ النبات الزراعى، المشرف على كلية الزراعة الصحراوية والاستزراع السمكى بجامعة حلوان، أن مصر تمتلك كنوزا حقيقية فى الظهير الصحراوى بالصحراء الغربية على طول امتدادها من الشمال إلى أقصى الجنوب، وهذا يتطلب تعزيز مواردنا البشرية من علماء وباحثين وطاقات شبابية هائلة تمتلكها مصر، وذلك من خلال المشروعات الزراعية، والتى يجب أن تكون تحت إشراف الدولة، إضافة لتعزيز الزراعات الذكية بكل معناها بدءا من اختيار النبات إلى التربة إلى الطرق الحديثة فى الزراعة والرى والتسميد والحصاد والنقل والتخزين ثم التصنيع وكل ذلك فى نفس الموقع لتعظيم العائد وتقليل الفاقد.
أضاف، أن التحدى الأكبر الذى يواجهنا فى مجال التصنيع الزراعى يتمثل فى الحفاظ على الأمن والأمان والاستقرار فهذا هو الهم الأكبر، فضلًا عن اختيار الكفاءات العلمية ذات الخبرة فى التطبيق من الجامعات والمراكز البحثية، مطالبًا بشحذ كل الطاقات سواء البشرية أو المادية نحو غزو الصحراء الغربية بأسرع ما يمكن، كما يجب علينا تعديل ثقافات الشعب المصرى، وعودة الاهتمام بالزراعة باعتبارها طوق النجاة الوحيد لمصر.
◄ مزايا متعددة
الدكتور عبد العليم متولى، أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة القاهرة، يرى أن التصنيع الزراعى يتضمن العديد من الفوائد تتمثل فى زيادة الإنتاجية، فهناك تقنيات حديثة خاصة بالتصنيع الزراعى، كالزراعة العمودية والزراعة الدقيقة، وهذا من شأنه زيادة كبيرة فى الإنتاجية، فالتصنيع الزراعى نهج يركز على تطبيق تقنيات خاصة بالتصنيع الزراعى كالتحكم فى العمليات وتحسين الكفاءة، على العمليات الزراعية، لافتًا إلى أن هدف التصنيع الزراعى تحسين الجودة، وزيادة الإنتاجية، والتقليل من التكاليف فيما يخص مراحل سلسلة التوريد الزراعية، حيث يمكن من خلال التحسين المستمر للعمليات تخفيض تكاليف العمالة والمدخلات الأخرى؛ مما يؤدى إلى تقليل تكاليف الإنتاج، موضحًا أنه عندما يتم تصدير المنتجات الزراعية بعد ما يتم عمل معالجة لها يرتفع سعرها عكس تصديرها كمواد خام، لافتًا إلى أن بيانات الصادرات الزراعية العام الماضي، تشير إلى أن القيمة الإجمالية للصادرات بلغت 9 مليارات دولار، منها 3.8 مليار دولار للمواد الزراعية الخام، ونحو 5.3 مليار دولار للمواد الزراعية المصنعة، الأمر الذي يؤكد أهمية التصنيع الزراعي.
◄ تصدير ووظائف
أضاف متولى، أن التوجه نحو التصنيع الزراعى خطوة مهمة تستهدف زيادة الصادرات الإنتاجية، وهناك أمثلة متعددة، فمثلا عندما يتم تصدير الطماطم كصلصة أو الموالح كعصائر أفضل من تصديرها كمواد خام، علاوة على ذلك فإن التصنيع الزراعى، يوفر فرص عمل جديدة، كما يسهم فى تحسين عمليات التخزين لمدد أطول، مما يعزز من قيمة تسويق المنتجات فى الوقت المناسب وبأسعار ملائمة، ليس هذا فقط بل إن التصنيع الزراعى من فوائده أنه يسهم فى تسهيل عملية النقل، وخير مثال على ذلك مصانع رقائق البطاطس فى شرق العوينات، ومصانع السكر للقصب والبنجر، ومصانع الزيوت للزيتون، مشيرًا إلى أن تعزيز التصنيع الزراعى أمر حيوى لضمان توافر السلع الغذائية طوال العام مما يساعد فى الحفاظ على استقرار الأسعار فى مصر.