فى الصميم

من سيئ إلى أسوأ.. «فيتو» بايدن و»صفقات» ترامب

جلال عارف
جلال عارف


فى الوقت الذى تبذل فيه الإدارة الأمريكية جهدها لتجاوز العقبات الباقية أمام اتفاق إيقاف القتال فى لبنان. تتشبث نفس الإدارة بموقفها من حرب الإبادة الإسرائيلية التى تستمر فى غزة، وتستخدم واشنطون حق «الفيتو» لرابع مرة منذ بداية العدوان الإسرائيلى لكى تجهض مشروع قرار وافقت عليه كل الدول الأعضاء الأخرى فى مجلس الأمن ويقضى بالإيقاف الفورى والشامل والنهائى للقتال، وفى نفس الوقت الإفراج الفورى عن كل الرهائن لدى المقاومة، مع إزالة كل القيود والعقبات أمام جهود الإغاثة وإيصال المساعدات الضرورية لأهالى غزة الواقعين تحت حصار الجوع وقنابل الموت الإسرائيلية!!

ما يبدو تناقضا فى الموقف الأمريكى الراهن ليس كذلك فى حقيقة الأمر بايدن الباحث عن أى «إنجاز!!» قبل رحيله عن البيت الأبيض، يلتقى مع ترامب الباحث عن تحقيق أى خطوة تمهد له الطريق لتنفيذ «مخططاته» فى المنطقة فى مناخ أقل اشتعالا. والأهم - عند أمريكا- هو أنها تدرك أن خطر توسيع الحرب لا يهدد إسرائيل وحدها بل يهدد معه قواعدها العسكرية ومصالحها الكبيرة فى المنطقة، وأن الأوضاع الداخلية فى إسرائيل لا تتحمل طويلا أعباء الجبهة الشمالية، وأن اتفاقا لإيقاف الحرب فى لبنان أصبح أيضا ضروريا لإسرائيل ولأمريكا.

الموقف من غزة «ومن فلسطين كلها»، يختلف. إدارة بايدن من بداية الحرب وحتى اليوم لم تتحدث أبدا عن إنهاء الحرب أو حتى عن وقف دائم أو نهائى للقتال. كل حديثها كان عن هدنة يمكن أن تمتد قليلا أو كثيرا، لكنها لا تنهى المأساة ولا توقف حرب الإبادة التى يراها العالم كله لكن واشنطون الرسمية لا تراها ولن تراها»!!» حتى حصار الجوع الذى تفرضه إسرائيل أو قتل عشرات الآلاف من  الأطفال بالقنابل أو الحرمان من الغذاء والدواء. كل ذلك لم يجعل واشنطون «الديمقراطية»  ترى حاجة لإنهاء القتال أو إيقاف المأساة. استمرار الحرب فى غزة قرار أمريكى بقدر ما هو قرار إسرائيلي، والأمر سيستمر ويكون أسوأ مع ترامب الذى يريد «إنهاء الحرب» بمعنى «إنهاء نتنياهو للمهمة بسرعة» لكى يبدأ معه فى الأهم وهو استئناف العمل فى مشروعه الكارثى الذى أطلقه فى ولايته الأولى مع «صفقة القرن» والتطبيع المجانى الذى وضعوا له قناع السلام الإبراهيمي!

لم يتحدث «ترامب»، كثيرا عن المنطقة أثناء حملته الانتخابية. كل ما وعد به بعض الأمريكيين العرب والمسلمين هو أنه سيعمل من أجل إنهاء الحرب دون أن يقول كيف؟ أو على حساب من؟.. بينما كان يكيل الهجمات على بايدن وإدارته لأنهم- مع كل ما فعلوه- لا يقدمون لإسرائيل الدعم الكافى والسلاح المطلوب لإنهاء «المهمة» بسرعة»!!» ومع الافتقار لأى برنامج مكتمل للتعامل مع قضايا المنطقة، فقد أعطى ترامب الإشارات الكافية على توجهه فى ولايته الثانية. فهناك- أولا- اكتشافه»!!» أن مساحة إسرائيل على الخريطة صغيرة، وهى مشكلة، بالطبع سيعمل على حلها!! وهناك-ثانيا- تأكيده أن هناك ما بين ١٢ إلى ١٥ دولة عربية وإسلامية سيضمها إلى «سلامه الإبراهيمي»!! وهناك- ثالثا- هذه التعيينات التى قام بها حتى الآن والتى جاءت بأكثر الشخصيات انحيازا لإسرائيل لتشغل كل المناصب المهمة التى تتصل بالسياسة الأمريكية فى المنطقة.

الخطورة هنا أكبر مما كانت عليه فى ولايته الأولى بالنسبة للمنطقة  فريق ترامب القادم للحكم يلتقى اليوم مع أكثر الحكومات تطرفا فى تاريخ الكيان الصهيوني. تصريحات المرشحين للمناصب الرئيسية فى الإدارة الأمريكية القادمة عن الصراعات فى المنطقة لا تختلف عن تصريحات «بن غفير»، وسيموتريتش»!!» يتجاوزون الانحياز لإسرائيل الذى تعودنا عليه «للأسف الشديد» إلى التآمر العلنى ضد كل ما هو فلسطينى أو عربي، والتوحد مع الإرهاب الصهيونى حول وهم إسرائيل الكبرى التى تبدأ بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية مع عودة ترامب!

الخطر حقيقي، ويستدعى موقفا عربيا وإسلاميا واضحا وحاسما وسريعا. أوراق الضغط العربية والإسلامية كبيرة ومؤثرة، وإسرائيل- مهما ارتكبت من جرائم-مهزومة، وأمريكا تعرف أنها معزولة عن عالم ينشد العدل ويريد السلام، وأنها ليست فى وارد فرض إرادتها على المنطقة أو العالم. لابد أن يفهم ترامب- من الآن- أن الصفقات المشبوهة لا تحقق سلاما ولا استقرارا، وأن «التطبيع المجاني»، مرفوض، وأن «الصفقة» الوحيدة التى يمكن اعتمادها هى التى تقيم دولة فلسطين على كامل حدودها المشروعة وعاصمتها الأبدية القدس العربية وأن شريكه «نتنياهو» الذى يتوهم أنه سيقود الشرق الأوسط كله لا يستطيع النوم فى منزله بعد أن وصلت صواريخ المقاومة الوطنية العربية إلى غرفة نومه!